الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

تعثر الاستحقاقات الدستورية ودروس التجربة

موريس نهرا
A+ A-

الظاهرة الاكثر غرابة التي تطغى على الحياة السياسية والعامة في لبنان، تتمثل في تزايد تنفيذ الاستحقاقات الدستورية في مواعيدها... فالمجلس النيابي مدد لنفسه بعد عجزه عن اقرار قانون الانتخاب... والحكومة لم تشكل إلا بعد 11 شهرا من التعثر وتصريف الاعمال، وها نحن اليوم على مقربة من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية الحالي ميشال سليمان (في 24 ايار الجاري) ولا يبدو حتى الآن، ان انتخاب رئيس جديد ضمن المهلة الدستورية، أمر ممكن.
ويظهر تكرار هذه الظاهرة انها ليست عرضية، بل ناجمة عن خلل بنيوي قائم، تتزايد مفاعيله السلبية على مجمل الوضع الاجتماعي والاقتصادي والوطني، خصوصا على الدولة وآليات عملها ودورها في معالجة المشكلات القائمة، وبناء الوحدة الداخلية، والسلم الاهلي، ومقتضيات السيادة
الوطنية.
والمعروف بالتجربة أن المخارج في مثل هذه الحالات كانت بتدخل الخارج الاقليمي والدولي، تبعا لتوازنات أطرافه ومدى تأثيرهم في المكونات السياسية للوضع الداخلي. وهذا ما جرى على سبيل المثال، في مؤتمر الطائف عام 1989 الذي أوقف الحرب الاهلية الساخنة، ثم مؤتمر الدوحة عام 2008، وقبله الرعاية السورية لتنفيذ اتفاق الطائف والاصلاحات التي تضمنتها، والتي لم تنفذ، لا في اثناء هذه "الرعاية" ولا بعدها. ومع ان صنع الرؤساء وحتى الحكومات، كان يغلب عليه قبلا تدخل سفارات ودول خارجية، إلا أن ذلك كان يجري مع شيء من الحياء وحفظ ماء الوجه، وضمن فترة الاستحقاقات الدستورية، وليس كما يحدث الآن...
والأكثر سلبية الآن، هو تحول ظاهرة التعثر والفراغ وانتظار الخارج، الى نمط تسوغه الاطراف السياسية السلطوية، مما يظهر بصورة نافرة أمرين أساسيين: الاول، السكوت عن حالة المعطوبية في النظام وأسسه وبنيته، والثاني، تبعية أطراف الطبقة السلطوية للخارج... والمشكلة الاضافية هي أن هذا الخارج، اقليميا كان أم دوليا، له مصالحه ومخططاته وتناقضاته، مما ينعكس تفاقما في انقسامات الوضع اللبناني وتعقيداته، ويطيل أمد حلحلة العقد والاستحقاقات في انتظار تفاهمات وتقاطعات بين أطرافه، كما يبدو الآن مثلاً بين واشنطن وايران والسعودية، للوصول عندها الى انتخاب او اختيار رئيس للبلاد... ومع بشاعة هذه الحقيقة وانكشاف عريها، فإن التجربة بينت ان التدخلات الخارجية لم تنتج حلاً لا قبلاً ولا اليوم، بل تعمد الى تسويات ظرفية بالتواطؤ مع الزعامات السلطوية اللبنانية، والى اعطاء جرعة أوكسيجين لنظامهم القائم االمتناقض، فتعود الاعراض نفسها الى الظهور، بعد حين. وفي كل مرة أقوى من سابقتها، لان مصالح هذه الزعامات السلطوية ومصالح القوى الخارجية، تلتقي على ابقاء الوضع اللبناني على الاسس نفسها، لتبقي التناقضات والانقسامات التي يتمازج ويتداخل فيها السياسي بالطائفي والمذهبي، والداخلي بالخارجي، وبذلك يبقى باب التدخلات الخارجية مشرعاً، مما يظهر لبنان وكأنه قاصر عن حكم نفسه بنفسه ويحتاج الى احتضان ووصايات
خارجية.
إن اساس استمرار هذا الوضع، لا ينحصر فقط، في حدود التناقضات الداخلية التي يستولدها نظام المحاصصة الطائفية، التي تفتح بذاتها شهية المتدخلين، بل بما يؤدي اليه الصراع الداخلي من لجوء كل طرف للاستقواء بخارج معين، لتعزيز موقعه ازاء شريكه اللبناني في السلطة والوطن، وبغطاء الحرص على حصة الطائفة او المذهب.
وبذلك يبقى الوضع الداخلي رهن العوامل الخارجية وبحالة زئبقية غير مستقرة، فتتقادم المشكلات والعقبات، وتصاب آليات الدولة ومؤسساتها بالتعثر، ويصل الوضع الى حالة استعصاء لا يمكن معها اجتراح حلول تحت سقف هذا النظام الطائفي، علماً ان الترقيع ومساحيق التجميل، لاضفاء طابع ديموقراطي لما يجري، لا يخفي حالة الاهتراء والعجز الفاضح. وأي تعديل وتحديث تقتضيه عملية تسيير آليات السلطة والدولة ومعافاتها، خصوصاً في المواقع الرئاسية والاساسية للدولة، يصطدم بالطابع الطائفي لهذه المواقع، ويعتبر وفقاً لنظام المحاصصة الطائفية، افتئاتاً على حقوق مواقع طوائف اخرى، بسبب التناقض بين طبيعة الموقع ووظيفته العامة في الدولة، وبين طابعه الطائفي الفئوي...
لقد بات الابقاء في الدائرة المأزقية نفسها، افقاداً لما تبقى من عافية لبنان، وتسارعاً في تدهور الحالة العامة الاجتماعية والوطنية... والسبيل الى الحل ليس في انتظار هذا الخارج أو ذاك، بل بالتغيير الديموقراطي الحقيقي الذي يصنعه الشعب اللبناني.


كاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم