الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الطبيب يروي تفاصيل ولادة جورج على ضوء الهواتف بعد دقائق من الانفجار ... والده لـ"النهار": "انكتبلنا عمر جديد"

المصدر: النهار
ليلي جرجس
ليلي جرجس
الطبيب يروي تفاصيل ولادة جورج على ضوء الهواتف بعد دقائق من الانفجار ... والده لـ"النهار": "انكتبلنا عمر جديد"
الطبيب يروي تفاصيل ولادة جورج على ضوء الهواتف بعد دقائق من الانفجار ... والده لـ"النهار": "انكتبلنا عمر جديد"
A+ A-

كان إدمون وإيمانويل يتوجهان إلى غرفة العمليات لاستقبال مولودهما، هذه الفرحة التي انتظروها 9 أشهر أصبحت قريبة جداً، ثوانٍ ويحضنان طفلهما المولود. هذا ما كانا يتصورانه وهذا السيناريو الطبيعي، إلا أن ما حدث في تاريخ 4 آب قرابة السادسة تقريباً غيّر صورة لبنان وبيروت بصورة مخيفة تُشبه الموت. 

فيديو متداول في مواقع التواصل الإجتماعي، وكأنك تشاهد فيلماً لا واقعاً، يستحيل أن تصدق هول الفاجعة، إنها فعلاً في أحد غرف العمليات في مستشفى الروم - الأشرفية. كل يوم نروي قصصاً أخرى حزينة، فصولها مؤلمة، بعضها نجا من الموت بأعجوبة فيما البعض الآخر غدره الموت على غرّة. جورج، هذا المولود الصغير، كُتب له أن يولد بعد دقائق من الانفجار الكبير، ما عاشه والديه أشبه "بكذبة، لقد نجوا بأعجوبة".

يروي والده إدمون خنيصر  لـ"النهار" تلك اللحظات "كنا نتحضر للدخول إلى غرفة العمليات، دخلت زوجتي مع الفريق الطبي وكنتُ أسألهم عن امكان دخولي لتصوير الولادة وتوثيق هذه اللحظات الجميلة. وما هي إلا ثوان حتى سمعنا صوتاً، وبعدها دوى الانفجار. وعندما نهضت ركضتُ بسرعة لأرى زوجتي، كان الزجاج متطايراً في كل مكان، لم يعد هناك شيء في مكانه، الأبواب والأدوات والسقف، لا شيء. بدأتُ أنزع الزجاج عن زوجتي وبعد الاطمئنان إليها، بدأتُ أساعد الممرضة والأطباء الذين كانوا معها في الغرفة. كانت الفوضى عارمة، شيء لا يُصدق".

"كل شيء كان سريعاً، حاولنا بسرعة نقل سرير زوجتي من الغرفة إلى غرفة مجاورة لم تتضرر كثيراً. وصل الطبيب إيلي اناستاسيادس ( Elie Anastasiades) للاهتمام بزوجتي، في حين كان الطبيبان يُداويان جروح بعضهما بعد أن أصيبا بيديهما جراء الإنفجار. وقبل البدء بالولادة، قطب كل طبيب يد زميله وعند الانتهاء توجها إلى زوجتي لمساعدتها على الولادة. وبعد تجهيز الغرفة الثانية بما تيسّر، استرجعوا أنفاسهم وقوتهم واستكملوا عملهم بشكل طبيعي، كان الأطباء يخففون على زوجتي هول الصدمة، ويرددون لها "ما تعطلي هم شي". لم يكن هناك كهرباء بسبب الانفجار، وقامت الممرضات والمساعدون بإضاءة هواتفهم وهكذا وُلد ابني جورج ولادة طبيعية من دون أن تتلقى زوجتي بنجاً أو حقنة مسكنة".

ويشير إدمون إلى أن "عائلته وعائلة زوجته كانوا ينتظرون في غرفة أخرى، كانت المستشفى على الأرض، كل شي مهدم ومحطم. بدأت أبحث عنهم ونقلوا إلى مستشفى أبو جودة، وعدتُ إلى زوجتي. وبعد تحضيرها حملتُ طفلي ونقلنا زوجتي بمساعدة مجموعة من الشباب من الطابق الخامس إلى الباركينغ حيث كان هناك مستشفى ميداني لمساعدة الناس ومعالجتهم. وبعد الاطمئنان إلى زوجتي وجورج، مشينا حتى اول الشارع حيث كان في انتظارنا أحد الأقارب لنقلنا إلى مستشفى أبو جودة".

ويختم قائلاً: "انكتبلنا عمر جديد، واليوم اكتملت فرحتنا بعد زوال الخطر عن والدتي التي كانت في العناية الفائقة، ونحن عدنا إلى المنزل. الحمدلله ع كل شي". 

هذا العمل البطولي الذي نتج منه ولادة ناجحة للأم والطفل، وراءها جنود بيض نفضوا عنهم غبار الوجع والجروح لاستكمال عملهم مهما كان الثمن. لم يسألوا عن أنفسهم، كان همهم انقاذ الطفل والأم. يتحدث الطبيب النسائي والتوليد الدكتور ايلي اناستاسيادس عما عاشوه في تلك اللحظات والعزم على انقاذ حياة المريضة وطفلها بعد وقوع الإنفجار. يقول لـ"النهار" :"لقد عشتُ حروباً كثيرة، واختبرنا ظروفاً قاسية ومرّة ولكن الثواني المرعبة التي عشناها في المستشفى لم أختبرها في حياتي. عادة في زمن الحرب، تتهيأ المستشفيات لمثل هذه الظروف، ويكون لدينا طوابق تحت الأرض لإجراء الجراحات وتقديم الرعاية الطبية، أما ما حصل في الروم كان خارج كل التوقعات. لم يكن أحد يتوقع حدوث ذلك. عندما دوى الإنفجار كنت مع المريضة في غرفة العمليات، لوهلة ظننتُ ان القنبلة استهدفت مستشفى الروم ولم نكن نعلم ماذا يجري في الخارج. وقع الكارثة في المستشفى جعلنا نعتقد أن القنبلة داخل حرم المستشفى وليس في المرفأ".

"صراخ، وفوضى وزجاج في كل مكان، لم يبقَ شيء في مكانه، كل شيء محطم من حولنا. استغرقنا بعض الثواني قبل أن نسترجع قوانا ونقرر استكمال العملية بشكل طبيعي. لقد كنتُ مسؤولاً عن حياة المريضة والطفل، الفريق الذي يساعدني في الولادة بدأ يساعد بعضه، لم يكن أحد يهتم بنفسه، بل كان يهمه الشخص الآخر. حافظتُ على رباطة جأشي، وكان همي أن يولد الطفل وإنقاذهما من الفوضى خوفاً من انفجار قنبلة أخرى".

ووفق اناستاسيادس "انقطعت الكهرباء نتيجة الضرر الكبير الذي لحق بالمستشفى، ولم يكن امامنا سوى إضاءة الهواتف لإتمام الولادة. وُلد الطفل جورج وكان بصحة جيدة وكذلك الأم، ونقلا إلى مستشفى آخر. ومن الطبقة الخامسة إلى الطوارىء نزلتُ على السلالم حيث رأيت الويلات، كان كل شيء على الأرض، جرحى وزجاج وحطام، لم اصدق هول الفاجعة التي لحقت بنا. في الطوارىء كان المشهد كارثياً، مدّنا الله بالقوة، كنتُ أشعر بالأسى، صحيح أنني سعيد أن جورج ولد بخير في بلد ينزف ويحتضر. فعلاً كنا نعيش مأساة لا يمكن وصفها". 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم