الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

حقوق الإنسانية

المصدر: النهار
مرفت السيد أحمد عبد الحميد
حقوق الإنسانية
حقوق الإنسانية
A+ A-

الإنسان ذلك الكائن الحي المفكر المكوّن من الطبيعة المادية والروحية خليفة الله في أرضه. شرّفه الله وميّزه على جميع مخلوقاته من الكائنات الحية، ميّزه بالرحمة والوفاء والصدق والعدل، إلى جانب العقل.

خلقه الله من تراب لبيان ضعف وهوان مادة الخلق، إلى جانب ضعف نفسه وشهواته وسوء طويته.

كل هذا دعاني للتفكير في ماهية الإنسان وهل سيظل يحتفظ بمكنونات خلقه وبراءة نفسه أم سيندفع وراء ضعفه وفقر أخلاقه وسوء طويته؟!

لم يطل بي التفكير، فقد وقعت عدة حوادث في الآونة الأخيرة جاوبت بصورة مباشرة على التساؤل.

أبرزها الحادثة التي انقسم لأجلها العالم ما بين مؤيد ومعارض، وهي مقتل الرجل الأميركي الأسود على يد رجل الشرطة الأبيض فى مدينة مينيابوليس الأميركية، والتي انتفض لأجلها العالم مطالبين أميركا بتطبيق أدنى مبادئ حقوق الإنسان التي طالما تتشدق بها، وتتخذها ذريعة للتدخل في شؤون معظم الدول.

لو عدنا بالذاكرة قليلاً سنجد أنها لم تكن الحادثة الأولى من هذا النوع في مثل هذا البلد القائم أساساً على أجساد السكان الأصليين الهنود الحمر.

للعنصرية تاريخ حافل بالدماء، ليس عند الأميركيين فحسب، بل الأمثلة كثيرة على تجبر الإنسان في كل عصر؛ على سبيل المثال وليس الحصر: اضطهاد الرومان للمسيحيين.

وتجبّر الإقطاع في العصور الوسطى من فئة النبلاء على الفقراء،

وإعدام المفكرين أثناء عصور التنوير

واضطهاد الأتراك للأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وتجارة الرقيق والعبودية التي استمرت قروناً عديدة، وعمليات التهجير القسري لمعظم الشعوب، وعمليات الاعتقال الوحشية اليابانية، واضطهاد المسلمين في كل ربوع الأرض من قديم الزمان وحتى الآن،

إضافة إلى تدمير الممتلكات، والتحريض على الكراهية، والاعتقال، والسجن، والضرب، والتعذيب، والتنكيل، والموت،

وعبودية الفقير لصاحب لقمة العيش، وعبودية الغني للمال والسلطة، والحَجْر على كل ذي رأيٍ... كل هذا من أساليب العنصرية والاضطهاد.

إن تفشي ظاهرة الظلم والشر طغت على الإنسانية عامة. عقَّ الإنسان فطرته النقية، دنسها بالفحش والظلم والعدوان، اقترب من الحيوانية، وحتى الحيوان براء منها.

إن اختلاف ألوان البشر له حكمة إلهية بالغة المعنى، فهي دليل على قدرة الخالق الذي صنع آدم من طين الأرض ومنه خلق البشر جميعاً، أبيضهم وأسودهم، طويلهم وقصيرهم، ولم يجعل فضلاً لأحد على أحد إلا بالتقوى التي هي مبلغ الانسانية.

عن أبي موسى الأشعرِي -رضي الله عنه- أنَّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: (إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأسود والأبيض والأصفر وبين ذلك والسهل والحَزن والخبيث والطيب).

وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ) [الروم : 22]

جميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء، سواء، وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية.

وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} أي: إنما تتفاضلون عند الله بالتقوى لا بالأحساب ولا بالألوان.

ولأن العلمانية تفصل الوحي الإلهي عن سلوك البشر، وما تردده من شعارات جوفاء، مجرد دعاية ظاهرية لا أصل لها في تقاليدهم أو سلوكياتهم، لذلك نرى الآن الامبراطورية العلمانية تنقلب على ذاتها وتموج بالأحقاد العنصرية الدفينة في بواطنها.

ولعل المشهد الأميركي خير دليل على ذلك.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم