الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

بعد نجاح أوليّ بمواجهة كورونا... هل خسرت أسوج التحدّي؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
بعد نجاح أوليّ بمواجهة كورونا... هل خسرت أسوج التحدّي؟
بعد نجاح أوليّ بمواجهة كورونا... هل خسرت أسوج التحدّي؟
A+ A-

في بضعة أسابيع، تتحوّل دول من نماذج ناجحة في محاربة الجائحة إلى ضحيّة لبعض "النقاط العمياء" في هذه النماذج. سنغافورة كانت أحد الأمثلة على ذلك. اليوم، يبدو أنّ أسوج تلحق بها، وإن ليس في كلّ الجوانب وليس وفقاً لقناعة الجميع. حين تمتّعت تلك الدولة بإشادات كثيرة حول طريقة تعاملها مع الوباء، برزت مؤخّراً انتقادات تصف أسلوبها ب "الفاشل".



"نموذج مغرٍ"

لعلّ أبرز خاصّيّة في التعامل الأسوجيّ مع الجائحة عدم لجوء الحكومة إلى الإغلاق الكامل. ظلّ الاقتصاد المحلّيّ في حركة شبه طبيعيّة، خصوصاً عند المقارنة مع الاقتصادات المجاورة في الدول الاسكندينافيّة. تمّ إيقاف الدروس في الجامعات والمرحلة الثانوية. المطاعم والحانات والنوادي الرياضيّة والمتاجر ظلّت مفتوحة مع اتّخاذ إجراءات التباعد الاجتماعيّ داخلها. وتمّ حظر التجمّعات التي تضمّ خمسين شخصاً، وما فوق بعدما كان الحظر بداية يبدأ من عتبة 500 شخص.

بحسب تقرير لصحيفة "نيويورك تايمس" في 4 أيار، اعتمدت أسوج نموذجاً "مغرياً" لكن على الدول الأخرى، ومنها الولايات المتّحدة، ألّا تتسرّع في محاكاته على أراضيها. تأرجحت الحكومة في استراتيجيّتها التي بدت مرتكزة إلى فكرة "مناعة القطيع". لكنّها لم تعتنقها بشكل حاسم. لقد ارتبط تطبيقها بمدى فاعليّتها وبمراقبة أعداد الإصابات.

يعلّق التقرير على كلام كبير المسؤولين الصحّيّين في مجال الأمراض المعدية أنديرس تيغنل بأنّ 25% من السكّان طوّروا مضادات الأجسام. لكنّ هذا الرقم "ليس سبباً للاحتفال". هنالك بعض التفاؤل في أنّ معظم الأشخاص المصابين سيتمتّعون بمناعة "موقّتة". غير أنّ العلماء ليسوا متأكّدين بعد من النسبة النهائيّة لتشكّل مناعة القطيع والتي قد تصل إلى 80%، وفقاً للصحيفة نفسها.


"فشل"

من النتائج السلبيّة التي لوحظت عن أسوج بلوغ عدد الوفيات ضعف ما تمّ تسجيله في الدول الاسكندينافيّة. ويبدو أنّ فرض الدنمارك والنرويج إغلاقاً شاملاً ساهم في تخفيض عدد الوفيات لدى مواطنيهما. على الرغم من ذلك، تبقى الوفيات المسجّلة في أسوج أقلّ ممّا هي في دول أوروبية عدّة.

بحسب إحصاءات جامعة جونز هوبكينز الأميركيّة، تحلّ أسوج في المرتبة السادسة بين الدول الكبيرة من حيث نسبة الوفيات (35 بالألف). تسبقها في ذلك بلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والمملكة المتّحدة وفرنسا. لكنّ سويسرا والولايات المتّحدة سجّلتا نسبة وفيات أقلّ (21 و 26 بالألف). أمّا الدنمارك فحوالي 9 بالألف. وبلغ عدد إجمالي الإصابات في أسوج حوالي 30 ألفاً بينما توفي 3700 شخص تقريباً.

أمام معضلة حماية مواطنيها على حساب الاقتصاد أو العكس، يمكن أن تكون أسوج قد خاطرت برفع عدد الإصابات والوفيات قليلاً في مقابل خفض الأضرار الاقتصاديّة بنسبة موازية. فهل نجحت أسوج بحماية اقتصادها؟ يقدّم البعض جواباً سلبيّاً.

الكاتبة في الشؤون الدوليّة فريدا غيتيس أكدت في مجلة "وورلد بوليتيكس ريفيو" أنّ الآفاق الاقتصاديّة لأسوج لا تبدو إيجابيّة. قدّم بنكها المركزيّ توقّعين بحدوث انكماش يتراوحان بين 6.9 و 9.7% وفي كلتا الحالتين، تعبّر الأرقام عن ركود بارز. وأكثر ما يلفت النظر بحسب تحليل الكاتبة نفسها أنّ الأداء الاقتصاديّ المتوقّع للبلاد لن يكون أفضل من أداء الاقتصادات المجاورة.

تتوقّع النرويج انخفاضاً ب 5.5% في ناتجها المحلّيّ الإجماليّ، بينما تتوقّع فنلندا والدنمارك انخفاضاً ب 6 إلى 6.5%. وأشارت إلى أنّ الصورة قد تبدو حيويّة في مطاعم ستوكهولم وغوتنبيرغ، لكنّ اقتصاد أسوج سيظلّ يعاني من العرقلة التي شهدها الإنتاج وسلسلة الإمدادات الصناعيّة ومن انهيار في الصادرات.


"مفاهيم خاطئة"

رسمت غيتيس الصورة الأكثر سلبيّة عن نموذج أسوج الذي وصفته بكونه عبارة عن "فشل لا ترياق". من جهته، كان تقرير "نيويورك تايمس" أقلّ حدّة في الحكم مؤجّلاً إيّاه إلى حين توضّح بعض المعالم. أمّا النصيحة بعدم استنساخ الولايات المتحدة لهذا النموذج فسببها أنّ الأميركيّين لا يتمتّعون بصحّة الأسوجيّين إذ يعانون من السمنة والضغط وغيرها. ما تستطيع أسوج تقديمه هو نموذج الانتقال من الإغلاق الشامل إلى العودة التدريجيّة للدورة الاقتصاديّة الطبيعيّة بحسب الصحيفة.

لكن حتى أسوج نفسها لم تروّج لنموذجها على أنّه ناجح. نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن السفيرة الأسوجيّة في الولايات المتحدة كارين أولريكا أولوفسدوتر قولها إنّ هنالك العديد من "المفاهيم الخاطئة" حول ما تفعله وما لا تفعله بلادها في مواجهة "كورونا". وذكرت أنّ وسائل إعلاميّة تُظهر "كأنّ الجميع في أسوج يشربون ويقيمون الاحتفالات في الخارج. ليست هذه هي الحال."

وأضافت "واشنطن بوست" في تقريرها أنّ خطّة البلاد لمكافحة الوباء لم تعطِ الأولويّة للاقتصاد. من جهتها، قالت أولوفسدوتر إنّ استراتيجيّة أسوج "لم تكن استراتيجيّة مناعة القطيع" لكنّها عبارة عن مقاربة ثنائيّة تهدف إلى حماية الأرواح ومساعدة "نظام الرعاية الصحّيّة على البقاء شغّالاً."


"الخيار الواقعيّ الوحيد"

من المرجّح أن يكون التشكيك الأخير بفاعليّة الاستراتيجيّة الأسوجيّة مبنيّاً على الانطباعات الخاطئة بوجود نموذج محدّد تعتمده الدولة. السلطات الأسوجيّة تقول إنّ هذه المواجهة عبارة عن "ماراثون". ولا يمكن مقارنة تطوّر حالات الإصابات بين سنغافورة وأسوج لأنّ الأولى شهدت تصاعداً سريعاً في هذا المنحى منذ أوائل نيسان، بينما كان ارتفاع أعداد الإصابات في أسوج مطّرداً لكن بوتيرة مستقرّة.

يضاف إلى ذلك أنّ مراقبين لا يزالون يرون في أسوج نموذجاً يحتذى بغضّ النظر عمّا تقوله حكومتها. ففي 12 أيار، كتبت مجلّة "فورين أفيرز" أنّ استراتيجيّة "مناعة القطيع" التي تتّبعها ستوكهولم أو التي ستنتج بطريقة غير مباشرة عن تدابيرها هي "الخيار الواقعيّ الوحيد" المتوفّر أمام الدول. فكلّ شهر إغلاق يقلّص اقتصادات الدول المتقدّمة ب 2% شهريّاً أي 25% سنويّاً، لذلك، من غير الواقعيّ الاستمرار بالإغلاق حتى إيجاد علاج أو لقاح بحسب المجلّة.

بالإمكان الاختلاف حول النظرة إلى استراتيجيّة أسوج في مواجهة "كورونا". لكن يصعب الاختلاف على أنّ الأسوجيّين يتمتّعون بصحّة جيّدة ويولون ثقة كبيرة بمسؤوليهم. ولا يمكن إنكار وجود نظام رعاية صحّيّة متقدّم في البلاد، والأهمّ أنّه لم يُثقل بأعداد هائل من المرضى. كذلك، تتمتّع الحكومة الأسوجيّة بالمرونة الكافية للتعلّم من نتائج سياساتها. أمّا استنساخ الدول الأخرى لهذه الاستراتيجيّة فيبقى رهناً بحساباتها وخياراتها الخاصّة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم