الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"بيروت المحطة الأخيرة": مدينة فاتها القطار (فيديو)

المصدر: "النهار"
"بيروت المحطة الأخيرة": مدينة فاتها القطار (فيديو)
"بيروت المحطة الأخيرة": مدينة فاتها القطار (فيديو)
A+ A-

من خلال ما تبقّى من السكك الحديد وقوافل القطار المهترئة التي تحولت مع الزمن إلى أكوام خردة عششت فيها مواضٍ شبيهة بالجثث، يزور إيلي كمال في فيلمه الوثائقي الطويل الأول، "بيروت المحطة الأخيرة"، الذاكرة المنكوبة، المتناثرة، المشتتة. مرة جديدة، يجد مخرج لبناني فرصة ليسرد البلد من خلال تجربته الخاصة، وهي تجربة شديدة الاتصال بالحرب الأهلية وصداها في الوجدان الجمعي اللبناني.

بعيداً من أنماط وثائقية تقليدية، يقدّم "بيروت المحطة الأخيرة" (فاز بجائزة أفضل وثائقي في مهرجان القاهرة الأخير) رؤية مختلفة، بصرية وتأملية وشاعرية في المقام الأول، عن السكك الحديد والقطارات الشاهدة على زمن غابر، يوم كان الناس ينتقلون من دمشق إلى بيروت ومن حلب إلى طرابلس. من هذا كله، يستخرج الفيلم ما يفيده ويحتاجه لجعله استعارة. استعارة للجسد اللبناني المنتهك: غزوات، حروب أهلية، انقسامات، أسئلة غير محسومة.

مَن يتوقّع درساً في التاريخ بشهادات كثيرة عن سيرة القطار الملعون وارتباطه بالمنطقة منذ سقوط الأمبرطورية العثمانية، سيخيب ظنّه بلا شك. يقودنا إيلي كمال خطوة خطوة إلى فيلم شخصي، رافضاً الصعود في القطار والذهاب إلى المحطة التي ننتظره فيها. هناك احساس مختلف بالأشياء، صبغة تجريبية، تعززهما كاميرا المخرج التي تروح وتجيء لتمنح احساسا بترحال داخل عقل مسكون، هو عقل المخرج. هذا الاحساس يشتد مع النبرة الشخصية التي يكتسبها الفيلم. ثم ان الإنسان غائب كلياً، الا ان تعليق المخرج الصوتي يمنحه حضوراً. اثره موجود، هو لا.

أراد كمال فيلماً عن "الحدود، الهوية والانتماء" في منطقة تعيش على فوهة بركان، وما القطار سوى فكرة "فوتوجينية" لطيفة لقول هذا كله. فوسيلة النقل التي من شأنها التحرك والسير إلى الأمام انتهت في بلد الصراعات الأبدية بالنوم بين الأعشاب البرية، كأنها تواصل الاحتضار بلا ملل. حالها حال كلّ شيء من حولنا.

ثمة فيلمان لا يلتقيان في "بيروت المحطة الأخيرة": الفيلم الذي يتولّد من التعليق الصوتي، والفيلم الذي تتيحه المَشاهد المصوّرة. كلّ منهما يروي حكاية مختلفة ويتطور في مسار. التعايش بين الفيلمين ليس دائماً سلمياً، يشوبه صراع المصالح. في الفيلم الأول، يحاول كمال استرداد حيزه الخاص المسلوب، أناه المقموعة، مموضعاً شخصه في ظل التاريخ والأحداث التي ضربت البلد والناس لعقود طويلة. هذا الفيلم يقحمنا في التفاصيل الذاتية وذلك مذ كان المخرج صبياً، وكان يُطلب منه اللعب على السكك الحديد. المسألة برمتها في هذا الفيلم الأول هو ترسيم الحدود الشخصية مقابل الحدود الجماعية. أما الفيلم الثاني، فهو محاولة انقاذ للفيلم الأول وانتشاله من ذاتيته. يعرف المخرج جيداً ان حكايته ليست أعظم الحكايات فقط لأنها حكايته، فلا بد والحال هذه من موضعتها في سياق ملهم.

"بيروت المحطة الأخيرة" يستجوب كثيراً، مكرراً الترحال نفسه، ومتجولاً حول الفكرة نفسها طامحاً إلى ترسيخها. لكنه يملك أيضاً يقيناً واجابات. كثيراً ما نسأل خلال المشاهدة "ماذا لو؟". ماذا لو أسقط القطار المتاريس النفسية ولمّ الشمل؟ أي بلد كان ليكون لبنان لو عبره قطار من شماله إلى جنوبه؟ هل كانت الحرب لتقع؟ أسئلة تخطر في البال… الأكيد ان العالم أراد للسكك الحديد ان تكون طريقاً إلى المستقبل، فيما نحن جعلناها أرضاً جافة تنبت فيها الذكريات السامة.

في الآتي، مقابلة “النهار” مع إيلي كمال:

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم