الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

هذا العصر ليس مني ولست منه

المصدر: النهار
باسكال جروج
هذا العصر ليس مني ولست منه
هذا العصر ليس مني ولست منه
A+ A-

ولدت في عصرٍ ليس عصري، فأنا متأكد أنني لا أنتمي إلى هذا العصر. أنا لا أنتمي لهذا العصر، لا بأفكاره ولا بمعتقداته ولا بفلسفته الحالية المعاشة. قد أنتمي لعصر سابق أو آخر لاحق، فإن عصورنا وأفكارها متبدّلة أكثر منها متطوّرة. إننا نسير على خط دائري، نعود في كل مرة للأفكار ذاتها، قد تتسع الدائرة على مرّ الزمان، لكننا لم نستطع الوقوف مرة واحدة عند نقطة معينة من هذا الخطّ لنفيها حقّها ونطوّرها كما يجب لنصل برًّا آمنًا. كلما حاولنا التطوّر تستوقفنا حقائق لا نتقبلها فنعود عنها لخطنا الدائري الذي اعتدناه. لِمَ لا نجمع كل التطور الذي وصلت إليه هذه النقاط مجتمعة ونبدأ دائرة جديدة هدفها التمدد لتشكيل خط مستقيم متصاعد؟ متى سنتقبّل الحقائق الوجودية كما هي؟ متى سيحين وقت انشغالنا بالمستقبل ليصبح باهرًا بدل تعلقنا بخرافات الماضي وأساطيره؟ ألم يحن الوقت بعد لنتعلّم من هذه الأساطير بدل توقّفنا عند حذافيرها؟

إنّ روحي ثائرة على قيود هذا المجتمع البالي، وعصري ليس عصركم، أنا اخترت نقطتي التي أود أن أتطور منها، وقد جمعت فيها تطوُّر بعض النقاط الأخرى التي تعرَّفت إليها. إن روحي ثائرة تتمنى انضمام أرواحكم إليها، إلا أنّها ليست روح قائد شجاع يتجرأ على التغيير العام، لكنها بلا شك منتفضة، رافضة واقع عصرها. إن حظيت يومًا بروح القائد لن أحاول أبدًا ضمّ أرواحكم إليّ، فأنا مؤمن بالحرية، فإن أرادت أرواحكم الانضمام إليّ يجب أن ينبع قرارها من حريّة اختيارية لنتمكن من المسير سويًا من نقاطنا المختلفة نحو خط تطوري واحد وهو الأسمى. خط تطوّري أسمى ينطلق من نقاط مختلفة، يحمل في طيّاته ألوان جميع العصور، يقوم على أسس الأخلاق والمحبة والمعرفة والتقبّل للآخر القابل إليه مع مختلف خلفياته. الأخلاق تفرض الاحترام، والمحبة تفرض المساعدة، والمعرقة تفرض معرفة استخدامها بحكمة، وكل ما سبق يفرض التقبّل الواعي على كل الأسس السابقة بحكمة.

في كل مرة نرفض الآخر ننشغل به عن تطورنا، ونقيم عليه حربًا تشغله عن تطوره، إمّا خوفًا منا أو لانشغاله بالردّ علينا. لِمَ لا نترك بعضنا بسلام؟ إن كل الطرق مهما تطورت ستصل يومًا إلى نقطة واحدة. يجب أن نتصارع مع معتقداتنا ونواجه الحقائق المكتشفة لنتمكّن قدر المستطاع خلال مسيرتنا أن نصل إلى المعرفة الحقّة الواحدة الكونيّة. أقترح أن ندع بعضنا بسلام فإننا نعيش عصرًا متخبطًا، لا يمكن فيه الآن جمع معارفنا لننطلق سويًا وذلك لتحجّر عقولنا الساذجة. دعوا محبتكم الزائفة للآخر جانبًا لبرهة، إنكم تتحجّجون بمحبتكم لاستمالة النفوس الضعيفة إليكم، لأنكم لا تثقون بمعرفتكم، فتعتقدون أنه كلما زاد عدد مؤيديها أصبحت أحقّ وأعمّ أكثر، إنكم حاليًا تستميلونهم لتشددوا إيمانكم بحق معرفتكم لا غير، إنكم تستميلونهم لشكّكم.

من قال إنّ ما نعتبره طبيعياً (بحسب مقاييسنا) normal هو بالحقيقة طبيعي (بحسب الطبيعة) naturel . إن مقاييسنا متغيرة، أما مقاييس الطبيعة فثابتة، ونحن نقيس بحسب ما يوافقنا. لنطرح مصالحنا جانبًا إن أردنا الوصول إلى الحق، فلا وصول إلى المعرفة إلا عبر مقاييس الطبيعة، أما نحن فجزء من كلّ.

أما نحن فشعوب طماعة لن نصل للمعرفة الحقة يومًا مجتمعين، فما بالنا لا نترك كل منا يحاول الوصول على طريقته؟

هذا العصر ليس مني ولست منه، لستم مني ولا انا منكم...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم