الفصل الأخير من "ألف ليلة وليلة" بعرض مدهش... جمال المعرفة يُزيّن الشارقة

"قصّتي الأخيرة" ليست أخيرة، فكما سُلِّمت راية لقب "العاصمة العالمية للكتاب" إلى إمارة #الشارقة، سَلَّمت الأميرة شهرزاد رايتها بعد حكاية "ألف ليلة وليلة"، في أجمل عرض تكاملَ بين 13 فناً مختلفاً من فنون التمثيل، والأداء، والعزف، والأكروبات، والضوء والظلّ.

رسالة الكتاب وجمال المعرفة

انضوت في هذه الحكاية الجديدة التي بدأت تُرسَم في مخيّلتنا قبل العرض حتّى، بقدر ما أُخبرنا عنه، إلا أنّ ما شاهدناه كان أكبر وأغنى وأضخم من حجم توقعاتنا. المكان ساحر حتّى قبل العرض. في وسط الشارقة وفي الهواء الطلق على ضفة البحيرة عند مسرح المجاز، الموسيقى الكلاسيكية الهادئة تواكب دخول وفود "من كلّ بلاد الأرض" لمشاهدة "الفصل الأخير" من حكاية "ألف ليلة وليلة".

الظلام طغى. العرض بدأ. فقط المسرح يتلألأ بنجوم السماء الصافية المتموّجة بأبهى الألوان بين الأسود والأزرق الغامق، والقليل من البنفسجي، وألوان الأفق البعيد، فتتغيّر مع كلّ نوتة موسيقية ترسمها الأوركسترا المتموضعة أمام المسرح. يظهر مجسّم في وسط المسرح ينبئنا بأن القصة بدأت بصورة ثلاثية البعد لكتاب تتطاير صفحاته على أنغام صوت "الأمير شهريار" والموسيقى الشرقية الهادئة المتمثلة بآلة الناي، "لتكوني أنتِ بعد ألف ليلة وليلة الحكاية يا أروع النساء... ألف ليلة وليلة رَويت وألف مرّة قالوا امتليت، أبداً، لا ينتهي الرواة برسمهم ليكملوا قصصهم ألف حياة وحياة".

العائلة اجتمعت بطريقة فنيّة وحركات تتناغم مع الموسيقى وديكور المسرح المتحرّك والإضاءة المدروسة بخيالات جمّلت الأداء المسرحي، الأمير شهريار والأميرة شهرزاد التي باتت في عمر متقدّم بحسب الراوي، وأبناءهما الثلاثة: فيروز، قادر وأمين. الأمّ وبصوت رخيم توكل أولادها بثلاث مهمّات. البداية مع فيروز، "في قصرٍ بعيدٍ نحو يومين من الزمن، شجرةٌ إذا شعرتْ بحبك الطاهر ستعطيك رحيقاً نادراً، إجلبيه لي".

رحلةٌ أخذتنا إلى أحد القصور الذي يلفّه الحزن حيث يعيش أمير يائس يبكي منذ خسارته حبيبته بسبب سحر ألقي عليها فسجنت، فأحسسنا بمرارة الخسارة على أنغام الموسيقى وتشابك أغصان الأشجار في ما بينها، والشجرة التي شُطرت نصفين. نصيحة من الأميرة فيروز بتبنّي الحب والتسامح، جعلت الأمل كبيراً عند الأمير الحزين، فتغيّر الحال وطغى الفرح على الجوّ، وتحرّرت الأميرة المسجونة بعدما دبّت الحياة في الشجرة المشطورة، فأصبحت حالاً واحداً وزهّر المسرح ورداً أحمر، فتراقص الحبيبان بحركات أكروباتية وأغنية رائعة "كلّ واحد منّا في قلبه حكاية". أما الأميرة فيروز فنالت من الشجرة العملاقة رحيقاً أزرق كما طلبت الوالدة.

صوت شهرزاد يخرق الصمت الذي طغى عند الانتهاء من المهمة الأولى، تتوجّه فيه إلى ابنها قادر وتقول له: "إذا تغلّبت على أشدّ الرجال وحرّرت مساجين الزمن سيظهر عليك كائن أسطوري يهديك شيئاً عزيزاً عليه، أحضره لي". يصل الابن الثاني إلى الجزر الصامتة حيث بدأ يركض في أرجائها، وعلى "صدى" خيالات ركضه نفّذ ما طُلب منه. كل جزء من هذه القصة يحمل في طيات صفحاتها لوحات تختلف واحدة عن الأخرى من أنواع الموسيقى وصولاً إلى نوع الرقص فالديكور الممتزج بإيقاع الإضاءة والموسيقى والغناء وحتى... الصوتية. الكائن الأسطوري هو طائر الفينيق الذي ظهر على شكل طائر ملوّن بأجمل الريش، فوهب قادر أحد ريشاته افتراضياً من خلال الشاشات فتظهر على أرض الواقع بين أيدي الابن الشجاع.

أرسلت الأمّ أبناءها الثلاثة إلى الطبيعة، فرحلاتهم انتقلت بين البرّ والبحر والوديان، إلى التلال والجبال. صوت شهرزاد مجدداً تحدّثت فيه مع ابنها أمين طالبةً منه التوجه نحو الوديان القاحلة: "ابحث عن غرض يحمل معارف الضياءة التي يحلم المرء بامتلاكها، متى وجدته أحضره إليّ".

وجد أمين نفسه في صحراء قاحلة. مارد يظهر افتراضياً على الشاشة يسأله عمّا يبحث، فيجيبه الأمين: "أبحث عن غرض يحتوي على المعارف كلها"، فيشترط المارد لمساعدته أن يجيب على أسئلته.

ثلاثة أسئلة بلغة بليغة، وبين كل جواب صحيح استعراض فنيّ راقص أكروباتي متناغم مع الموسيقى على وقع القفز على الترمبولين. الظلام، الساعة والأففق... ثلاثة أجوبة مفاتيح أدخلته مكتبة مليئة بالكتب. مشهدية مميزة متكاملة بعناصرها جعلت الجمهور ينذهل بكل حركةٍ... رقصةٌ، نوتةٌ موسيقية والديكور الثلاثي الأبعاد المشغول بحرفية تامّة، انتهت بالحصول على ما طلبته شهرزاد.

يعود أبناء شهرزاد إليها، لتخبرهم برسالتها الأخيرة، فتروي لهم قصة جديدة سيكتبونها بأنفسهم، "قصتي الأخيرة هي قصة الأغراض الثلاثة التي أحضرتموها: الحبر الذي أتيتِ به يا فيروز فيه روح الريشة التي وهبكَ إياه الطائر المتمرد على الزمان يا قادر. وما الريشة والحبر إلا تجسيد للفكر والمستقبل والحكايا. الأداتان اللتان تملآن ما تنضوي فيه المعارف كلها... الكتاب، افتحه يا أمين، صفحاته بيضاء لأنّ أغنى وأجمل كتاب هو الكتاب الذي لم يُكتب بعد، أما الآن فقد جاء دوركم، إملؤوه بما شاهدتم وما اختبرتم في أسفاركم". وتنهي شهرزاد قصة الفصل الأخير: "إن قصتي الأخيرة بين أيديكم، وتبدأ معكم، واعلموا أن ليس في الليالي كلّها قصة أخيرة في فصل أخير. إن شهرزاد باقية معكم طالما هناك مَن يروي ومَن يكتب ومَن يقرأ".

يشار إلى أن هذا العرض نُظِّم خصيصاً احتفاء باللقب التي نالته إمارة الشارقة "العاصمة العالمية للكتاب".