الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كمن يضع العربة أمام الحصان... هل يجوز تطبيق منهج معيّن على كلّ الدراسات؟

المصدر: "النهار"
أنور الموسى
كمن يضع العربة أمام الحصان... هل يجوز تطبيق منهج معيّن على كلّ الدراسات؟
كمن يضع العربة أمام الحصان... هل يجوز تطبيق منهج معيّن على كلّ الدراسات؟
A+ A-

قالت طالبة الماجستير لأستاذها متحمّسة: لقد أتقنت المنهج التحليلي النفسي للأدب، وسوف أطبّقه على كل أبحاثي المستقبلية ودراستي في الماجستير والدكتوراه!

كلام الطالبة الذي يشبه قصة وضع العربة أمام الحصان، يطرح إشكاليات جمّة في المنهج، من نوع: ما الذي يحدّد المنهج في دراسة اللغة والأدب أو العلوم الإنسانية عامةً؟ هل إتقان المنهج كافٍ لتبنّيه في كل الدراسات؟ وكيف نختار هذا المنهج أو ذاك؟ وما النتائج المترتبة على تطبيق منهج على موضوع غير ملائم؟

هل يجوز تبنّي غير منهج؟

الواقع أن قضية اختيار منهج للدراسة، قضية مهمة جداً في الدراسات العليا، إذ يُطلب من الطالب منذ البداية، أي حين يعدّ مخططاً، أن يذكر منهجه مع تسويغ اختياره وربطه بالعنوان، والخطة والمسوغات والأهداف والإشكالية والفرضيات، وحتى المراجع والمصادر.

وغنيّ عن البيان أن طبيعة الموضوع هي التي تحدد المنهج لا العكس، فعلى سبيل التمثيل لا الحصر، إذا كان الشاعر موضوع الدراسة نرجسياً، فمن المفضّل دراسته استناداً إلى المنهج النفسي، وإن أردنا تسليط الضوء على قضايا الصراع الاجتماعي في الرواية، فمن الأجدر تبني منهج بنيوي تكويني أو اجتماعي، وإن أردنا دراسة الأساطير فهناك منهج أسطوري أو يونغي وهكذا...

ولذا، فإن اختيار منهج معين، لا بدّ أن ينعكس على كل مراحل البحث وخطواته، إذ من الضروري أن يرتبط المنهج ومفاهيمه بالعنوان والفصول أو الأبواب والعناوين كافة، وحتى التحليل.

وغنيّ عن البيان أن المنهج بوصفه مسلكاً عقلانياً يؤدي إلى غاية أو يحقق معرفة، يوصل أيضاً إلى نتيجة، وهذه النتيجة ترتبط بمعطيات المنهج وحيثياته، وترتبط بطبيعة الموضوع. لذا، فإن اختيار منهج مغاير لطبيعة الموضوع، سيوصل إلى نتائج غير دقيقة أو مقحمة أو مغلوطة؛ ولأن الدارس انطلق من النقطة الخطأ.

وحتى يحسن الطالب أو الدارس اختيار المنهج الملائم، لا بد له من القراءة والاطلاع وفهم المنهج بشموليته، إذ لا يعقل أن يفهم الطالب مصطلح النرجسية والكبت والأنا الأعلى فقط، ليقول إن منهجي نفسيّ.

والواقع أن المناهج لها بُعد فلسفي، وهي أجنبية الطابع والمنشأ، فعلى الباحث أن يبذل الجهد لفهمها من أصولها، وهذا يحتّم عليه الرجوع إلى المراجع الأجنبية أو المترجمة بإتقان.

ويمكن تشبيه عملية إقحام المنهج، بعملية زرع نبتة في تربة غير تربتها. بمعنى آخر، ستكون النتائج والخطوات مغلوطة إن انطلق الباحث من منهج محدد مسبقاً من دون تدبير.

ولذا، لا غرابة أن يلجأ بعض الدارسين إلى التعسّف عند التطبيق، فيشدون الشواهد والتأويل الغريب لكي يؤكدوا صوابية منهجهم وتحليلهم! حيث يغدو هدفهم تأكيد نظريات المنهج لا إثبات فرضيات الدراسة.

وتكون النتيجة نتائج عامة وغريبة ومقحمة، واستنتاجات لا تمتّ إلى الواقع بصلة، بحيث يغدو النص مجرد حقل تجارب لمنهج مقحم.

فصحيح أن المناهج تتلاقح، ويتأثر بعضها بالبعض الآخر، وصحيح أيضاً أن الدارس في الأدب تكون نتائجه نسبية، لكن هذا لا يعني أن يلجأ إلى التشتت وجعل دراسته حقلاً لتجربة هذا المنهج أو ذاك.

وقد يحتجّ أحدهم بالقول: إن نظرية القارئ المختلف تجعل النص مفتوحاً على كل التأويلات والقراءات والمناهج. لكني أقول من واقع خبرتي في المناهج: إن وجهة النظر هذه محقّة في بعض الدراسات لا كلها. إذ إن تبنّي هذه المقولة يوقع الدارسين في متاهات التعسف والانتقاء غير المسوغ والمغالطات.

وفي ما يتعلق بقضية تبني منهج أحادي أو تعددي، فهذه قضية تُعدّ إشكالية بحد ذاتها.

في المحصلة، لا يجوز للطالب أن يجعل منهجه قالباً جاهزاً يلبسه كل الدراسات، لأن لكل موضوع بَصْمَته، تماماً كالإنسان. فمتى نصل إلى مرحلة إتقان فنّ اختيار المنهج؟

اقرأ أيضاً: منهج الهروب في جلسة مناقشة البحوث

وأيضاً: لماذا يهرب معظم الباحثين من المنهج في الدراسات الأكاديمية؟

أستاذ المنهجية في الجامعة اللبنانية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم