الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ما بواعث الثناء على الشعر الركيك المواكَب بصورة امرأة؟

المصدر: "النهار"
أنور الموسى
ما بواعث الثناء على الشعر الركيك المواكَب بصورة امرأة؟
ما بواعث الثناء على الشعر الركيك المواكَب بصورة امرأة؟
A+ A-

يقول صديقي: دخلت مرة إلى مجموعة تستقطب شعراء الـ"فايسبوك". بدأت أتصفّحها. إذ بقصائد فتيات تواكبها صور مثيرة أو لافتة لهن. قرأت بعضها، فكانت الركاكة طاغية؛ لكنّ اللايكات والتعليقات بالمئات.. ولستُ أدري، هل الثناء على الصورة أو على النصّ الساقط؟

كلام صديقي المعبّر، يفتح الباب على جملة تساؤلات: ترى، هل ما يُنشر من شعر في "فايسبوك" يُعد شعراً؟ لِمَ هذا الدجل؟ ولِمَ تكثر أخطاء اللغة في الكثير من القصائد؟

غنيّ عن البيان، أنّ اللغة عنصر حاسم في تقويم النصّ الإبداعي، سواء أكان شعراً أم نثراً... فقد يختلف النقّاد على الوزن وعناصر الجمال الأخرى، عند تقويمهم النصّ، أما النحو والإملاء والتركيب والركاكة، فهي عناصر حاسمة تبقى خارج وجهات النظر.

مناسبة كلامي السابق، غزارة الأخطاء اللغوية في نصوص "أدباء فايسبوك"، حيث وصلت إلى حدود قياسية تخدش الذوق، وتجرح المخيلة، وترهق العقول.

والأغرب أنّ تلك النصوص تلقى تشجيعاً من طرفي التلقي، مدير الصفحة، والقارئ الذي يضع "اللايك" تلو "اللايك"، ويكمل نفاقه بتعليق أقرب إلى الدجل والنفاق ويشي بالقصور.

نظرة سريعة إلى تلك النصوص، تجعلك تتوقف عند كوارثها اللغوية... طبعاً، هنا لا أتكلم على الأخطاء الشائعة التي تكاد تلازم غالبية النصوص، ولا أعمّم طبعاً على كلّ النصوص، إنما أوجّه كلامي إلى الأخطاء النحوية الإملائية في النصوص الفصيحة... ولائحتها ترهق المتتبّع.

من تلك النماذج: "إنّكي، عليكي، بكي، قلبكي"، أي كتابة الياء بعد كاف الخطاب، ومنها: "أنتي... قبلتي..." أي كتابة ياء بعد تاء الضمير للمخاطبة...

ومنها كثافة أخطاء همزات القطع والوصل، مثل: إنشغلت، بدل انشغلت، إسم بدل اسم، وإمراة بدل امرأة...

أما أخطاء الهمزات المتوسطة والمتطرّفة، فحدّث ولا حرج... كالدفئ بدل الدفء،...وبطئ بدل بطء، ومساءل بدل مسائل.

نحن الآن، لم نقترب بعد من أخطاء النحو والركاكة، كرفع المفعول به، ونصب الخبر، ورفع خبر كان، ونصب خبر إن، والتعاطي مع المضارع المجزوم، (لم أنسى بدل لم أنسَ...) وجموع المذكر السالم والكسور، والممنوع من الصرف...

أما أخطاء التعاطي مع كتابة العدد، فتُعد كارثية أيضاً، حتى عند مَن يدّعي الحصول على التكريم الدائم ونيل الجوائز...

والغريب أنّ النقد يغيّب لتلك الهنات، إذ يُلاحظ وجود أدباء كبار يثنون على النصوص من دون نقد هناتها اللغوية.

والأغرب أنّ عدداً كبيراً من تلك النصوص يُكرم، ويحظى أحيانا بمرتبة أولى أو مميزة، أو يكتب اسم صاحبه في لوائح المبدعين الروّاد وقد يحظى بجوائز... ويدعى إلى أمسيات مكثفة.

المحزن أنّ بعض وسائل الإعلام ينشر نصوصاً مفعمة بمثل تلك الأخطاء، و"تضيع الطاسة" عند المتعلمين أحياناً، فيظنون أنها مميزة خالية من الهنات...لا سيما أنها تبقى بلا نقد أو تمحيص.

صفوة القول: إنّ مؤامرة حقيقية تُحاك على الضاد، مسرحها وسائل التواصل الاجتماعي، وأبطالها هذه المرة "شعراء وأدباء" لا يطوّرون أنفسهم في اللغة، ولا يكلّفون أنفسهم مشقّة قراءة كتب النحو والإملاء، ويدّعون أنّهم أدباء، ونكاد نصدق علو مكانتهم الأدبية... فمتى تنتهي هذه المهزلة؟ وهل صورة الأديبة أو الأديب التي تنشر مع النصوص، تغطّي الهنات اللغوية؟

أستاذ اللغة العربية في الجامعة اللبنانية

اقرأ للكاتب أيضاً: النقد "المُنافق" في أدب وسائل التواصل الاجتماعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم