الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

التفاوض مع طالبان... "ورقة تين" تخفي إخفاقاً فيتنامياً آخر؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

أي تعهّدات في ظلّ تخبّط ترامب؟

يوم الاثنين الماضي، أعلن وزير الدفاع الأميركيّ بالوكالة باتريك شاناهان أنّ المحادثات مع حركة طالبان "مشجّعة" مضيفاً أنّه لم يتلقّ توجيهاً لوضع خطّة من أجل انسحاب كامل للولايات المتّحدة من أفغانستان. وقال مسؤولون من الحركة إنّ المفاوضين الأميركيّين وافقوا السبت الماضي على وضع مسوّدة لاتفاق سلام يتضمّن انسحاب القوات الأجنبيّة من البلاد خلال 18 شهراً. وكان الممثّل الخاص للمصالحة الأفغانيّة في وزارة الخارجيّة الأميركيّة زلماي خليل زاد قد وصف المحادثات التي استضافتها قطر ب "المثمرة" وبكونها أفضل من سابقاتها. وقال إنّ المجتمعين اتّفقوا على "إطار" لخطّة سلام مشيراً إلى تعهّد طالبان عدم تحويل البلاد إلى منصّة للإرهابيّين الدوليّين.

حين أطلق ترامب موقفه المفاجئ بخصوص سحب قوّاته من #سوريا، أتبعه بكلام آخر عن تخفيض عدد الجنود الأميركيّين في أفغانستان والبالغ حوالي 14 ألف عنصر إلى النصف. كانت تصريحات ترامب حول سياسة إدارته الأفغانيّة متناقضة في خطوطها العريضة، إذ أعلن في آب 2017 استراتيجيّة تعاكس وعوده الانتخابيّة. في ذلك الحين، رأى الرئيس الأميركيّ أنّ انسحاب الجيش من أفغانستان سيترك فراغاً كبيراً معرَّضاً لاستغلال الإرهابيّين، وتفادى الحديث عن سقف زمنيّ لبقاء قوّاته معتمداً عوضاً عن ذلك على التعاطي وفقاً للمستجدّات الميدانيّة. لكنّ قراره في كانون الأوّل الماضي يكاد لا يمحو الاستراتيجيّة السابقة – بالرغم من ثغراتها – وحسب، بل يكاد يضيف المزيد من ملامح الخطورة على مستقبل البلاد والسياسة الأميركيّة فيها. فالمؤشّرات الإيجابيّة الصادرة عن نتائج المحادثات قد تكون مجرّد قنابل دخانيّة تحجب مصادر القلق الحقيقيّة.

ماذا أنتجت "ورقة التين الشرفيّة"؟

سلك التدهور الأمنيّ في أفغانستان منحدراً بارزاً خلال السنة الماضية. وقدّمت الأيّام الأولى من السنة الحاليّة صورة مقلقة بالنسبة إلى البروفسور الباحث في "الكلّية الحربيّة البحريّة الأميركيّة" لايل غولدشتاين الذي أشار إلى أنّ الحركة وسّعت نفوذها إلى المحافظات الشماليّة علماً أنّ معقل نفوذها التقليديّ يكمن في جنوب البلاد. لكنّ المشكلة الحقيقيّة لا تنحصر في هذا التطوّر فقط. يرى غولدشتاين أنّ هنالك "خرافة" سائدة بين المراقبين مفادها أنّ محادثات السلام ستوقف إراقة الدماء وستسمح للولايات المتّحدة بتحقيق خروج سلس من البلاد.

لكنّ الباحث نفسه قارن المحادثات الحاليّة باتّفاقات باريس التي وقّعتها واشنطن مع فيتنام الشماليّة سنة 1973 والتي لم يكن لها تأثير كبير على الأرض باستثناء تأمين "ورقة تين شرفيّة" للسماح بانسحاب واشنطن الكامل منها. وبعد سنتين سقط النظام الذي كانت ترعاه الولايات المتّحدة في فيتنام الجنوبيّة.


حرب أهليّة

أصرّت "طالبان" خلال الأشهر القليلة الماضية على عقد حوار مباشر مع واشنطن وكان لها ما أرادت في "تحوّل كبير" عن موقف الإدارة السابق الذي ركّز على محوريّة دور القادة الأفغان في المفاوضات الأساسيّة، قبل أن تعترف كابول وواشنطن بفشل هذه الاستراتيجيّة بالتوازي مع نفاد صبر ترامب إزاء سحب قوّاته من البلاد. لكن بالمقابل، وبحسب خليل زاد، ستطلق #طالبان محادثات مباشرة مع حكومة #كابول وهو أمر كانت ترفضه سابقاً في حال تمّ الوصول إلى اتّفاق لوقف إطلاق النار. وهذا الاتّفاق المفترض سيجعل #واشنطن تبدأ بسحب قوّاتها خلال سنة ونصف. لكنّ الحديث عن التوصّل إلى سلام يمكن أن يكون مجرّد أوهام.



تقول فاندا فلباب-براون، مؤلّفة كتاب "طموح وتأرجح: استراتيجيّات ووقائع مكافحة التمرّد وبناء الدولة في أفغانستان" إنّ أكثر نتيجة مرجّحة لخروج الولايات المتّحدة ستكون حرباً أهليّة. بالنسبة إليها، سيقوم حوار الحركة مع كابول على المطالبة بالاحتفاظ بقوّتها أو دمجها بالجيش ولن تكتفي بمجرّد الحصول على تمثيل في البرلمان. وأضافت أنّ مقاتلي الحركة "لن يتخلّوا عن سلاحهم ويعودوا إلى المنزل. السؤال هو: هل من اتّفاق تريد طالبان الالتزام به؟"


بين 2001 و 2019 ... طالبان هي هي

اللافت للنظر في التحليلات التي قُدّمت عن المحادثات بين واشنطن وطالبان، أنّ غولدشتاين لم يكن الوحيد الذي قارنها باتّفاقات باريس سنة 1973. كروكر نفسه، وخلال حديثه إلى مجلّة "فورين بوليسي" أبدى المقارنة إيّاها. خلال المقابلة، قال الديبلوماسيّ الحائز على "ميداليّة الحرّيّة الرئاسيّة" إنّ خليل زاد لن يستطيع تحقيق الشيء الكثير لأنّه مقيّد بتوجّهات الإدارة الأميركيّة. وطرح تساؤلاً آخر يجافي تفاؤل بعض المسؤولين في واشنطن: "بالنظر إلى واقع أنّ طالبان اختارت سنة 2001 أنّها ستواجه الهزيمة على أرض الميدان بدلاً من التخلّي عن ‘القاعدة‘، بحسب المقترح الذي وُضع أمامها، هل يعتقد أيّ شخص حقّاً أنّ طالبان ستكون مختلفة هذه المرّة؟".

كان واضحاً أنّ إعلان ترامب نيّته سحب حوالي 7 آلاف جنديّ أميركيّ من أفغانستان سيُكسب طالبان مزيداً من النفوذ السياسيّ في المحادثات. ما سيأتي لاحقاً هو مجرّد ترجمة عمليّة لهذا النفوذ، بغضّ النظر عن كيفيّة تغليف إدارة ترامب لهذه المحادثات ولأيّ اتّفاق محتمل حول أفغانستان.

والخوف الأكبر هو في جواب كروكر عن سؤال مرتبط بجدّيّة احتمال سيطرة طالبان على البلاد بعد الانسحاب الأميركيّ: "(ستحصل) عاجلاً أم آجلاً".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم