الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لماذا تفادى إردوغان التصعيد بعد تهديد ترامب بتدمير اقتصاده؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

بالمقارنة مع ردّ إردوغان على الإجراءات التي اتّخذها ترامب الصيف الماضي بسبب عدم إطلاق أنقرة سراح القسّ أندرو #برانسون، جاء ردّه هذه المرّة مخالفاً لبعض التوقّعات بالنظر إلى ليونته. إذاً، لِمَ اختار ترامب عبارة "الحزن" عوضاً عن "الغضب" في مواجهة تهديدات ترامب كما حصل في الأمس القريب؟

سياسيّاً

هنالك على الأرجح عدد من الأسباب التي شكّلت نقطة تقاطع مع مصالح إردوغان الداخليّة والإقليميّة. في المجال السياسي، رأى الباحث التركيّ سلجان حاج أوغلو في مقاله ضمن شبكة "بلومبيرغ" أنّ إردوغان يبدو راغباً حاليّاً بوضع خلافاته مع واشنطن حول "وحدات حماية الشعب" جانباً لصالح تحقيق استرتيجيّته الإقليميّة الكبيرة. وأضاف أنّ #تركيا تجد تأسيس فضاء نفوذ أوسع لها داخل سوريا عقب الانسحاب الأميركيّ خطوة جوهريّة من أجل تحقيق هدفها الطويل المدى بتفادي جيب كرديّ مستقلّ على حدودها الجنوبيّة. لكن قد لا تكون المسألة متعلّق فقط بتأجيل التوتّر مع واشنطن.

يمكن أن يكون الرئيس التركيّ قد فضّل عدم التصعيد في لحظة غموض إقليميّ تحتّم عليه عدم الانحياز إلى أيّ طرف حاليّاً بانتظار جلاء أهداف واشنطن وموسكو معاً. فلو ردّ إردوغان بغضب على الأميركيّين، لكان موقفه أضعف أمام الروس لأنّهم لم يحسموا خيارهم بشأن مصير الأكراد. وإن ضمنت موسكو نوعاً من الإدارة الذاتيّة لهؤلاء بالتوازي مع تسليمهم مناطقهم لسيطرة #دمشق، فسيشكّل الأمر ضربة مؤلمة لأنقرة. وسيضاعف من تداعيات الوضع الجديد أنّ الأخيرة ستكون قد واجهت خسارتين في مفاوضاتها مع الأميركيّين والروس، ممّا يخرج إردوغان من شمال سوريا خالي الوفاض تقريباً. وتضاف إلى هذه النتيجة تداعيات العقوبات الأميركيّة المفترضة على الأتراك، في وقت لم تنهض البلاد بالكامل من آثار تلك التي فرضتها عليها واشنطن الصيف الماضي. ولهذه العقوبات تأثير داخليّ على أكثر من صعيد.

لماذا يخاف من تدهور الاقتصاد؟

يحتمل أن يكون إردوغان قد رأى أنّه قادر على تحقيق "خرق" مع الرئيس الأميركيّ من دون أن يدخل معه في توتّر ينتهي بجولة جديدة من العقوبات التي ستؤدّي إلى تدهور الاقتصاد والعملة المحلّيّة مجدّداً. وسوف يضرّ هذا السيناريو بموقعه في الانتخابات البلديّة المرتقبة آخر آذار المقبل والتي تتّخذ طابعاً مهمّاً على الرغم من محلّيّتها، بما أنّ البعض ينظر إليها على أنّها استفتاء ل "حزب العدالة والتنمية" على الأداء الاقتصاديّ بشكل عام. وبوجود مشاكل ماليّة واقتصاديّة متعدّدة، يصبح الوضع صعباً جدّاً على مشارف الاستحقاق الانتخابيّ الذي سينعكس سلباً على الحزب الحاكم في صناديق الاقتراع. بالتالي، أمكن الرئيس التركيّ أن يرى في الامتناع عن التصعيد فرصة تقوم على تفادي الأسوأ اقتصاديّاً وبالتالي الأسوأ انتخابيّاً. وهذه المخاوف غير مبنيّة على تحليلات نظريّة وحسب.

منذ أيّام قليلة، قال مصدران من داخل الحزب الحاكم لوكالة "رويترز" إنّ استطلاعي رأي أجريا مؤخّراً أبرزا أنّ شعبيّة الحزب تراجعت إلى حدود تتراوح بين 32 و 35% قبل احتساب نسبة 30% من الناخبين المتردّدين. وأوضح التقرير أنّ الحزب الحاكم قد يخسر #أنقرة فيما يواجه منافسة محتدمة في #اسطنبول. وكان "حزب العدالة والتنمية" قد حصد حوالي 42% من الأصوات في الانتخابات التشريعيّة خلال حزيران الماضي، وهذا يعني أنّه خسر ما قد يصل إلى 10% من شعبيّته خلال أقلّ من سنة.

الخسارة لن تكون موقّتة

بالمقابل، في حال تمكّنه من تحقيق انتصار ديبلوماسيّ يقضي في أحد أوجهه بالمساهمة في تأسيس "المنطقة الآمنة" والبدء بإبعاد الأكراد عن حدوده بفضلها، يستطيع إردوغان حينها تجيير هذا "الانتصار" في صناديق الاقتراع إلى حزبه وتفادي شرخ محتمل مع القوميّين الذين تحالف معهم الصيف الماضي. بذلك، سيكون إردوغان قد اختار الطريق الأقلّ مخاطرة في الموازنة بين العوامل الاقتصاديّة والسياسيّة، الداخليّة والخارجيّة، قبل 31 آذار، إذ إنّه لن يتحمّل أن يخسر حزبه فيها المدن الكبيرة. وفي هذا السياق، يبدو أنّ #اسطنبول نفسها، العاصمة الاقتصاديّة لتركيا، تشعر بوطأة الأزمة الاقتصاديّة بشكل كبير.

إلى جانب هالته التي يهتمّ إردوغان بعدم تعرّضها للاهتزاز، قد تنبئ خسارة محتملة بعد شهرين بوجود مسار سلبيّ بالنسبة إلى الرئيس التركيّ كما يرى البعض، ومن بينهم المحلّل التركيّ البارز غارث جنكينز عندما قال في حديثه إلى "رويترز": "إذا خسر أنقرة أو اسطنبول هذه المرّة بغضّ النظر عن التحالف، فستعني (الخسارة) أنّ مسيرته السياسيّة في تلاشٍ. قد يكون تلاشياً طويلاً وبطيئاً، لكن في نهاية المطاف، إنّه تلاشٍ".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم