السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

تدريبات البحريّة الروسيّة شرق المتوسّط.. رسالة تذكيرية؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
A+ A-

بين أيلول واليوم

إنّ المناورات التي أجرتها روسيا في أيلول الماضي، تزامنت مع توتّر إقليميّ كبير بسبب الهجوم الذي كانت تعدّه #موسكو و #طهران و #دمشق على محافظة #إدلب. حينها، طالبت #واشنطن بضرورة تفادي العمليّة العسكريّة، كما حذّرت، بالاشتراك مع #باريس و #لندن، من مغبّة استخدام السلاح الكيميائيّ. وفي تصريح شهير قال الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب إنّه "إذا حصلت مجزرة، فإنّ الولايات المتّحدة ستغضب كثيراً". في سياق ذاك التوتّر، برزت المناورات الروسيّة خصوصاً أنّ الغرب بدأ أيضاً يرسل أساطيله إلى شرق المتوسّط خلال الفترة التي سبقت التوصل إلى اتفاق سوتشي.

اليوم، يبدو المشهد العسكريّ في سوريا أهدأ بشكل نسبيّ. لكنّ هذا الهدوء لا ينعكس على المشهد الساسيّ. في 19 كانون الأوّل، حقّق ترامب مطلباً روسيّاً قديماً بسحب قوّاته من شمال شرق #سوريا. على الرغم من إيجابيّة هذا القرار من الناحية المبدئيّة فإنّه ترك الكثير من الغموض في مسألة إعادة رسم التحالفات في المنطقة وفي تحريك مسار الحلّ السياسيّ داخل سوريا. وازداد هذا الغموض عندما قرّر ترامب أواخر السنة الماضية تعديل قراره بحيث تباطأ قرار الانسحاب بشكل بارز. في هذه الأثناء، قرّرت الإدارة الأميركيّة إرسال وزير الخارجيّة مايك #بومبيو ومستشار شؤون الأمن القوميّ جون #بولتون في جولة شرق أوسطيّة لتطمين الحلفاء. وعاد بولتون ليحذّر دمشق من استخدام السلاح الكيميائيّ في وقت يجول بومبيو على دول عربيّة وخليجيّة ترغب واشنطن بأن تتّحد تحت مظلّة "ناتو عربيّ" لمواجهة إيران.


استياء وغموض

خرجت تركيا مستاءة من جولة سياسيّة، صحيح أنّها لم تستثنها من الزيارة لكنّها على الأرجح استثنت مصالحها في سوريا خلال مرحلة ما بعد الانسحاب. لكنّ تركيا قد لا تكون وحدها المستاءة من تلك الجولة. اليوم لا تجد روسيا نفسها في صلب المحادثات الإقليميّة المرتبطة بوضع المنطقة بعد رحيل الأميركيّين. حتى انسحاب واشنطن من سوريا ليس واضح المعالم بالنسبة إليها لجهة التوقيت والحجم وربّما لجهة حقيقة حصول هذا الانسحاب أساساً. وإذا تخلّى ترامب عن الملفّ السوريّ فسيكون أمام الرئيس الروسيّ فلاديمير #بوتين عدد من المسائل الشائكة التي سيضطر للتعامل معها دفعة واحدة. ويرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط أليكسي خلبنيكوف أنّ الانسحاب الأميركيّ من سوريا، معطوفاً على تحسّن العلاقات الثنائيّة بين واشنطن وأنقرة، يخلق "مخاطر جديدة لموسكو" ويثير مزيداً من الأسئلة. وفي "معهد الشرق الأوسط" ذكر أنّ من بين هذه الأسئلة ما يرتبط بديمومة اتّفاق إدلب أو بقدرة تركيا على التفاوض حول اتّفاق في شرق الفرات مع موسكو أو باستمرار أنقرة ملتزمة بمسار أستانا.

لكن إذا بدا منذ حوالي ثلاثة أسابيع أنّ العلاقات بين الولايات المتّحدة وتركيا آخذة بالتحسّن، فإنّ تصريحات المسؤولين الأتراك لا تترك مجالاً للشكّ في أنّ مسار التحسّن قد توقّف بشكل دراميّ. يمكن أن ينعكس ذلك بطريقة أفضل على الروس لأنّه يعزّز إطار أستانا من جهة ولأنّه يعيد موسكو إلى مركز تقاطع مصالح محلّيّة وإقليميّة مختلفة. ولعلّ أبرز مصلحتين متناقضتين في هذا السياق هما مصلحتا الأتراك والأكراد الذين أرسلوا وفوداً إلى روسيا طلباً للحماية في ما يتعلّق بمصير الإدارة الذاتيّة أو للسماح بتحرّك عسكريّ ضدّها في ما يتعلّق بالرغبة التركيّة.

موقع موسكو

بحسب ما أشارت إليه صحيفة "ذا واشنطن بوست"، فإنّ روسيا لم تلتزم بمساعدة أي من الطرفين. لا شكّ في أنّ تأجيل إعطاء أجوبة نهائيّة للأتراك أو الأكراد يعطي الروس إمكانيّة انتزاع تنازلات إضافيّة من كلا الفريقين. لكنّهم بالمقابل، يريدون أن تتّضح الصورة الكبيرة قبل القيام بتقديم أي ضمانات، وهذا الوضوح غير متوفّر بعد. يمكن ملاحظة اختلاف أجوبة المراقبين حول الموقع الروسيّ الحقيقيّ في هذه الأثناء. ففي حين شكّك خلبنيكوف بالفرضيّة التي تقول إنّ روسيا هي المنتصر الأوّل من قرار ترامب، يرى آرون شتاين، مدير برامج الشرق الأوسط في "معهد أبحاث السياسة الخارجيّة" أنّ لدى روسيا الموقع الأفضل من أجل التوسّط لإيجاد حلّ. ويقول للصحيفة نفسها: "الولايات المتّحدة خارجة، وتتحرّك الدول الأخرى من أجل ملء الفراغ، وهي تتكلّم جميعها. لكنّها لا تتكلّم إلى الولايات المتّحدة".

لم يكن سهلاً على موسكو قراءة تداعيات إعلان ترامب سحب قوّاته من سوريا، خصوصاً أنّه تمّ بناء على اتّفاق مع الرئيس التركيّ رجب طيّب إردوغان وهو تطوّر غير مريح بالنسبة إلى الكرملين. وما عزّز من ترقّب موسكو السلبيّ في هذا الإطار إبطاء الإدارة الأميركيّة لسحب جنودها. وإذا كان التوتّر الأميركيّ التركيّ خبراً جيّداً بالمجمل لروسيا، فإنّ الاندفاعة الأخيرة للديبلوماسيّة الأميركيّة في الشرق الأوسط، يمكن أن تخلط الأوراق من جديد. أكانت التدريبات العسكريّة التي أشارت إليها وكالة "تاس" مرتبطة بتذكير اللاعبين الإقليميّين بمرجعيّة موسكو في المنطقة أم لم تكن كذلك، فقد بات من المرجّح أنّ هذه المرجعيّة لن تتأكّد بطريقة آليّة بمجرّد مغادرة القوّات الأميركيّين لشمال سوريا.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم