الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

المرأة السعودية... قائدة مجتمع لا مركبة

المصدر: "النهار"
سليمان العقيلي- كاتب سعودي
المرأة السعودية... قائدة مجتمع لا مركبة
المرأة السعودية... قائدة مجتمع لا مركبة
A+ A-

لا تمثّل خطوة السماح للمرأة السعودية بقيادة المركبات، التي بدأت اليوم، حدثاً بيروقراطيآ معزولاً عن سردية النهضة في المملكة المحافظة، بل هي إعلان تحوّل تاريخي في دور المرأة في الفضاءات العامّة للبلاد.

والأمر ناتج من التحوّلات الهيكلية والجذرية لبنية الاقتصاد والمجتمع السعوديّين، التي أطلقتها رؤية 2030، التي هندسها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي ربما وصفه العالم الغربي بالمستعجل، بينما خلعت عليه نخب الشعب السعودي أوصاف الإقدام والشجاعة.

ويراهن الأمير محمد على قدرة شعبه على الاستجابة لطموحاته العريضة، فيما يؤكّد هو قدرته السياسية على توفير التوافق الوطني، وخاصةً مع المؤسسة الدينية، التي تُبدي قلقاً مبالغاً فيه على الأخلاق من المشروعات التحديثية.

وقد يكون هناك عدد ضئيل من أعضاء المؤسّسة الدينية غير مرتاح لهذه التطورات، لكنه لم ولن يبوح برأيه الخاص، تقديراً منه لحقّ ولي الأمر في تقرير مصالح الأمة، ولأن هذا الخلاف يندرج ضمن مسألة تقديرية جريئة بشأن (سد الذرائع )، المؤدّية إلى الفساد، وهو ما وفّرت السلطة له حلاً توفيقياً بإقرارها قانوناً صارماً لمكافحة التحرش، تُراوح عقوباته القصوى بين نحو 28000 دولار، وسنتين سَجناً، إلى 80000 دولار و5 سنوات سجناً، في حالة التحرش بالجنس نفسه أو بالقصّر، أو بذوي الاحتياجات الخاصة، أو استخدام السلطة في عموم التحرش .

لكنّ هذا القانون، وفق بنوده المتنوّعة، يبدو أنه لم يوجَّه فقط لحماية قائدة المركبة من اعتداءات الطفيليّين في الطرقات، بل لكي يصون كرامة المرأة وأطفالها أيضاً في كل الفضاءات العامة التي ستقتحمها، والتي لا شك في أنها متسمة بالاختلاط وعدم الفرز الجنسي. بمعنى آخر، إنّ حقّ قيادة المركبات في الطرق العامة رمز لحقّ المرأة في الوصول إلى مواقع العمل العامة، بما يمكّنها أيضاً من الحصول على حقوق الرجل نفسها في فرص العمل، في مختلف مؤسسات الدولة، والقطاع الخاص.

وأخيراً جرى تمكين المتخرّجات من كليات الحقوق من الوظائف العدلية في المؤسّسات القضائية، التي يديرها علماء ورجال الدين، وهذا تطوّر لافت، لتوافق عمل المرأة وعمل القاضي الشرعي في بيئة واحدة!


وأخيراً وبدءاً من اليوم، ستنخرط المرأة في سلك التحقيق بالحوادث المرورية، في إشارة إلى تحقيق العدالة القانونية بين الجنسين. وهو عمل ميداني مجهِد (في البيئة الصحراوية الحارّة)، لكنه جذّاب لأنه يمنح المحقّقة سلطة شبه قضائية على الرجال والنساء معاً، وهذا أمر لم يكن أحد يتصوّر حدوثه قبل عام واحد فقط! 

المرأة الآن بائعة في شركات السيارات، وتجارة التجزئة، بما في ذلك بيع قطع غيار المركبات؛ ما يعني أن هذه الخطوة تفتح الباب واسعاً لفرص عمل جديدة للمرأة، التي ترمي الرؤية الى أن تمثّل ما لا يقل عن 30 في المئة من قوة العمل السعودية في المرحلة الأولى .

حدث تنموي

إذاً قيادة المرأة على الطريق العام حدث اقتصادي وتنموي بامتياز؛ وفي تقديرات الاقتصاديين أنّ النتائج المباشرة لهذه الخطوة، ستدفع نحو 50 في المئة من السائقين الأجانب، البالغ عددهم الكلي نحو مليون و300 ألف - 90 في المئة منهم آسيويون- إلى مغادرة المملكة. والأمر سيوفّر أكثر من 5 مليارات دولار داخل البلاد.

دمج المرأة


إنّ دمج المرأة في المشروع الوطني الجديد لتنويع مصادر الدخل، وفطم الدولة عن إدمان النفط، سيكون له آثار ذات طبيعة ثورية؛ فكثير من المفاهيم التقليدية بشأن دور المرأة داخل الأسرة، والمجتمع السعودي، ستتعرّض مع الوقت لكثير من التآكل والتغيير. وستقترب من حقوق متساوية مع الرجل في القانون السعودي، فضلاً عن حقوق الإرث التي قرّرها القرآن. وستحقّق المرأة مكاسب على مستوى الأسرة والمجتمع والدولة. 

هذا العام نالت المرأة السعودية 10 حقوق، منها إنشاء صندوق النفقة للمطلّقات والأبناء، وهو صندوق يكفل للمرأة ولأبنائها دخلاً شهرياً سيُقتصّ من مال الرجل المطلِّق، بعد صدور الحكم القضائي لاحقاً. ومشروع منع زواج القاصرات، وكذا الحصول على الخدمات الحكومية مباشرةً من دون موافقة، أو تفويض من ولي أمر الأسرة. وأصبح من حقها دخول الملاعب الرياضية، وممارسة الرياضة في المدارس والأندية الخاصة، والمشاركة الرياضية في المسابقات الدولية.

إنّ تعيين السيدة تماضر الرماح، نائبة لوزير العمل والتنمية الاجتماعية، بمرتبة وزير، يعطي الدليل على الإرادة الصلبة لدفع المرأة إلى مراتب صنع القرار، وإدارة المجتمع، وهو مشروع كان ينقصه فقط أن تملك وسيلة نقلها وتقودها، وأن تسير حرّة وقائدة في الطريق العام نحو مواقع صنع القرار والإنتاج، من دون وصاية زوج، أو أب أو أخ...

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم