الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

أول شجرة بعد الطوفان

المصدر: "النهار"
فدوى القاسم
أول شجرة بعد الطوفان
أول شجرة بعد الطوفان
A+ A-

هذا صدرك، لم يزل يشتاقه خدي، لأنني أعرف الحياة قبل أن يصبح صدرك بحراً ميتاً، وقبل أن يصبح خدي سهلاً عند قدم جبلٍ بركاني. الحياة الآن تنتظر منا موتاً أو بركاناً. مع ذلك، هناك ثغرٌ بين جسدينا، يشعّ منها حلم. 

أتجروئين أن تحلمي؟

أتجروئين أن تحلمي؟

أتجروئين أن تحلمي؟

 تسألني كل عشر دقائق، كمنبّه عتيق، مصدّع.

كيف لا أجرؤ، ونحن نستلقي هكذا في العراء؟ لا يستر علينا شجر الزيتون هذا، بضع شجيرات على أرض أصبحت جرداء كصلعة جدّي. نسند ظهرينا على جدران تلامس السماء وتشطر هواءنا نصفين، ونقرأ هذه القصائد، قصائدنا، رغم أنها تسرق ما تبقّى لنا من أوكسيجين.

أجرؤ، ونحن نراقب أحلامي تطفو على سطح البحر الميت، ولا تستر أحزاننا الثائرة التي لا تنام من شدة البرد.

نبتعد أحدنا عن الآخر فترات، لكنك، في كل مرة، تعرف أين تجدني.

ستجدني هنا، في صمت الجدار، أهرّب أطفالاً، وحقائب مدرسية. أخاف على الضفائر والأيادي الصغيرة. أمتصّ الرصاص والغضب والحنين والألم. أحفظ الحكايا وأحوّلها إلى رسوم.

وستجدني هنا، تحت مدينتنا، نائمة. أتسرّب إلى جوف الأرض كجمرة خضراء. في التربة حيث تتكاتف الجذور رغم غياب الجذوع، وأسمع أنين الكبار والصغار، وكل من مات قبل أوانه، والساعات والأيام المسروقة، وأنتَ من تعرف أنها تجعل مني كائنين، أحدهما ظهره منحنٍ والآخر له ساقان تسابقان أشعة الشمس.

وستجدني هنا، في هذه البقعة الصغيرة حيث نستلقي، التي لا نراها إلا بالقلب المجرد. هنا، حيث دفنتُ الأمل حياً، ووضعتُه في تابوت خشبي مزخرف. لملمتُ له رزم الخزامى وبعض القصص الطويلة، والشموع والكبريت، وقليلاً من الماء أو النبيذ... نسيت.

قلت له انتظرني. لن تموت وحيداً. لن تموت جوعاً. لن أموت قبلك، فلا تمتْ قبلي.

لكنني كذبتُ عليه.

وكذبتُ على شجر الزيتون، عندما قلت لها لا أحد يستطيع قلعها أو حرقها، فهي من سلالة أول شجرة نبتت بعد الطوفان.

أتجروئين أن تحلمي؟أ تجروئين أن تحلمي؟ أتجروئين أن تحلمي؟

تسألني. وأنا أسألك، أتعرف أن غداً سيّغذي رفاتنا زهور وفاكهة من نهبوا أرضنا؟ وغداً ستأتي الرياح، وتحملنا، فهل تسمح لي بأن أحلم بأن هناك من سيميز بين رفاتنا ورفاتهم؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم