الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

ميركل لم تضرب سوريا ... "نمر من ورق" أم "سيّدة تسويات"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
ميركل لم تضرب سوريا ... "نمر من ورق" أم "سيّدة تسويات"؟
ميركل لم تضرب سوريا ... "نمر من ورق" أم "سيّدة تسويات"؟
A+ A-

اكتفى غوركا بهذه الجواب منتقلاً إلى تقديم أدلّته عن أحقّيّة الرئيس الأميركيّ دونالد #ترامب في شنّ الضربات على مواقع سوريّة. لكنّ هذه الإجابة المقتضبة لا تفي الوضع الداخليّ الألمانيّ المعقّد حقّه في هذا المجال. ألمانيا التي شهدت مؤخّراً ولادة عسيرة لحكومة طال انتظارها منذ أواخر الصيف الماضي، لم تكن قادرة بسهولة على الانخراط في التحالف الغربي. صحيح أنّ ألمانيا هي القوّة الاقتصاديّة الكبرى في أوروبّا لكنّ التطوّرات السياسيّة داخلها جعلت من شبه المستحيل عليها الانضمام إلى عمليّة كان من الصعب معرفة حجمها ومداها الزمني.


موقفاها بين نيسان 2017 و 2018

قد يكون دعم ميركل للضربات، أو بطريقة أخرى، وقوفها الإعلامي ضد استخدام السلاح الكيميائي من دون التورّط عسكريّاً، حلّاً وسطاً يرضي الحكومة والمعارضة في آن، خصوصاً بعد وصول اليمين المتطرّف إلى البوندستاغ الألمانيّ في الانتخابات الأخيرة. فقبل شنّ العواصم الثلاث هجماتها قالت ميركل إنّ #المانيا لن تشارك في العمليّة "لكنّنا نرى وندعم (فكرة) أنّ كل ما يتمّ تحقيقه هو لإرسال إشارة حول أنّ استخدام الأسلحة الكيميائيّة غير مقبول". جاء ذلك، خلال استقبالها رئيس الوزراء السويدي لارس راسموسن في برلين. أمّا بعد تنفيذ التحرّك، فقد أعلنت أنّ الضربة كانت "ضروريّة ومناسبة".

وجاء هذا التعبير مشابهاً إلى حدّ ما لذاك الذي استخدمته #ميركل السنة الماضية لتوصيف الضربة الأميركيّة على مطار الشعيرات العسكريّ وإن كان حينها أقلّ وضوحاً. فهي دعمت التحرّك الأميركي سنة 2017 بشكل خافت مشيرة إلى أنّ الضربات "محدودة وهادفة" وبالتالي إنّ ما قامت به الولايات المتّحدة "مفهوم". لكنّها مع ذلك، اتّهمت الرئيس السوريّ بشّار #الأسد في بيان مشترك مع الرئيس الفرنسيّ السابق فرانسوا أولوند بأنّه "المسؤول الوحيد عن التطوّرات الأخيرة" في الهجوم الكيميائي على خان شيخون. وربّما أتى الدعم الألماني هذه السنة أكثر صراحة نسبيّاً ممّا كان عليه سابقاً، بسبب الغطاء الغربيّ الأوسع التي تمتّع به التحرّك الأخير.


تفادت الإجابة مرّتين

بالنسبة إلى ضربات السبت الماضي، أيّد مسؤولون في الحزب الديموقراطيّ الاجتماعيّ حليف ميركل في الائتلاف الحكومي، الغارات على سوريا، إذ كان لوزير الخارجيّة الألمانيّ هيكو ماس توصيف مشابه وقد تحدّث عن أنّ الأسد استخدم الأسلحة الكيميائيّة مرّات متعدّدة ضدّ المدنيّين. لكنّ الأحزاب المعارضة مثل "الخضر" و "اليسار" و "البديل لأجل ألمانيا" عارضت الضربة. تشير قناة "دي دبليو" الألمانيّة إلى أنّ ماس صرّح أنّ الولايات المتّحدة لم تطلب من ألمانيا أي مساعدة في #سوريا. وسئلت ميركل مرّتين عن خطاب الرئيس الأميركي وتغريداته وما إذا كانت تصعّب العمل الديبلوماسيّ، لكنّها تفادت الإجابة في كلتا المرّتين. وبحسب كلام بعض المسؤولين، يبدو أنّ التواصل بين برلين وواشنطن ليس في أفضل أحواله.



يشرح منسّق الحكومة الألمانيّة للتعاون الأطلسي بيتر باير أنّ طريقة تعبير #ترامب غير الاعتيادية تطرح "تحدّيات جديدة" للألمان. فبعدما قال للشبكة نفسها إنّ الولايات المتّحدة تبقى أهمّ شريك لألمانيا وأوروبا عموماً أضاف أنّه على صعيد آخر، هنالك "تغيّر في كيفيّة تواصلنا عبر الأطلسي مقارنة مع أوقات سابقة. لذلك نواجه تحدّيات جديدة".


سيّدة التسويات الكبرى

يرى الكاتب السياسيّ ليونيد برشيدسكي في مقاله ضمن موقع شبكة "بلومبيرغ" أنّ لمّحت في بيان لها إلى أنّ بلادها لا تتحمّل المسؤوليّة نفسها التي تتحمّلها دول التحالف الثلاثيّ. فهذه الأخيرة على عكس ألمانيا هي عضو في مجلس الأمن الدوليّ. ويشرح أنّ ميركل هي سيّدة التسويات الكبرى فهي ستميل باتّجاه التهدئة الداخليّة على حساب إعلان ولائها لترامب الذي لا تكنّ له الكثير من الودّ بحسب رأيه. ويشير إلى أنّه حين تكون ألمانيا محتضنة لنصف مليون لاجئ تقريباً، لن يكون الانحياز لصالح الأسد أو معارضيه منصبّاً لمصلحة المجتمع الألمانيّ كما يضيف.

إضافة إلى العوامل المحلّيّة، قد يكون للعلاقات الألمانيّة الروسيّة دورها في اتّخاذ ميركل موقفها الأخير. شاركت برلين في التحرّك الديبلوماسيّ الغربيّ ضدّ #موسكو بعد قضيّة تسميم الجاسوس الروسيّ المزدوج على الأراضي البريطانيّة. وبعدما طردت ألمانيا أربعة ديبلوماسيّين روس من أراضيها، قال منسّق الحكومة للعلاقات الألمانيّة الروسيّة جيرنوت إيرلر إنّه "يجب علينا فعل كلّ شيء لتفادي حرب باردة جديدة مع روسيا" بحسب وكالة "رويترز". وينتمي إيرلر إلى الحزب الديموقراطيّ الاجتماعيّ الذي شهد انقساماً حول الردّ الألمانيّ على الروس، فيما كاد بعض مسؤوليه يوجّه انتقادات إلى التحرّك الألمانيّ الديبلوماسيّ.


ما هو اختيارها؟

لو تحرّكت ميركل عسكريّاً في سوريا، لأمكن أن ينعكس ذلك بمزيد من التوتّر داخل ائتلاف حكوميّ بالكاد تجاوز عمره شهراً واحداً، وقد سبق له أن عانى من مشاكل حول أزمة خارجيّة أولى مرتبطة بروسيا. على الأرجح، تدرك ميركل أنّ ولايتها الرابعة في منصبها قد تكون الأصعب على الإطلاق، لذلك هي لا تريد أن تبدأها بواسطة خطوات تعرّض بلادها لاهتزازت داخليّة. من هنا، قد يكون موقفها الأخير تجاه سوريا مجرّد تسوية مقبولة تمرّر المرحلة من خلالها بأقلّ الأضرار الممكنة. ومن الممكن تلخيص الموقف الألمانيّ برأي صريح لبرشيدسكي: "لم ترغب ميركل مطلقاً بالحصول على مكانة دوليّة أعلى لألمانيا مقابل وضع داخليّ أكثر اضطراباً. ولا تزال عند الرغبة نفسها."







الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم