الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

سلبية مؤتمر "سيدر" ترتبط بنظرتنا إلى أداء الطبقة السياسية

بروفسور جاسم عجاقة - خبير اقتصادي واستراتيجي
سلبية مؤتمر "سيدر" ترتبط بنظرتنا إلى أداء الطبقة السياسية
سلبية مؤتمر "سيدر" ترتبط بنظرتنا إلى أداء الطبقة السياسية
A+ A-

قيل الكثير وكُتب الكثير عن مؤتمر "سيدر" حيث دافع البعض عنه في حين هاجمه البعض الآخر. وعلى الرغم من إيجابياته الاقتصادية، إلا أننا نلحظ أن نظرة المُجتمع اللبناني إلى مؤتمر "سيدر" ترتبط بشكل أساسي بنظرته إلى أداء الطبقة السياسية. 

تشريح مؤتمر سيدر1 يُظهر أن لهذا المؤتمر إيجابيات وسلبيات على الاقتصاد اللبناني، ولكن أيضًا على واقعه السياسي. وهذه الإيجابيات والسلبيات يُمكن مقاربتها من وجهة نظر علمية كما وسياسية، وتالياً يُمكن لهذه الإيجابيات والسلبيات أن تختلف باختلاف المُقاربة. في هذا المقال سنعمد إلى قراءة اقتصادية بحت لهذا المؤتمر قبل مزجها بالنظرة السياسية التي يرى من خلالها المواطن اللبناني نتائج هذا المؤتمر.

لكن قبل البدء بهذه القراءة، يتوجّب القول أن مؤتمر سيدر1 هو عبارة عن مؤتمر ضمّ 50 دولة لتقديم قروض استثمارية للبنان. وانتهى المؤتمر على تعهدات مشروطة من هذه الدول بلغت قيمتها 11 مليار و800 مليون دولار أميركي منها ما يُقارب الـ 500 مليون دولار أميركي على شكل هبات (مشروطة أيضًا). وتالياً لن يستفيد لبنان من هذه القروض إلا إذا طبّقت الحكومة اللبنانية التعهدات التي التزمت بها أمام هذه الدول والتي تحوّلت إلى شروط.

إيجابيات مؤتمر سيدر1 

لمؤتمر سيدر1 إيجابيات اقتصادية ونقدية مُهمّة والتي إذا ما استغلت بشكلٍ صحيح قد تُشكّل باب خلاص:

– من أهمّ الإيجابيات التي يُمكن ذكرها ضخ استثمارات في الماكينة الاقتصادية وهذا ما يفتقده الاقتصاد اللبناني بشدّة وذلك منذ هجرة الاستثمارات الخليجية والتي دفعت بالنمو الاقتصادي إلى التراجع بشكلٍ حاد. هذه الاستثمارات ستسمح برفع النمو بنسبة 1% لكل مليار دولار أميركي استثمارات في الماكينة الاقتصادية اللبنانية.

– هذه الاستثمارات لن تمرّ بالطبع من دون خلق فرص عمل جديدة قدّرها رئيس الحكومة سعد الحريري بـ 900 ألف وظيفة على فترة عشر سنوات، في حين أن تقديراتنا هي بحدود الـ 30 ألف وظيفة سنويًا إذا ما تمّ ضخ كل مبلغ الـ 11.8 مليار دولار أميركي. ومن أهمّ القطاعات التي سيطالها خلق الوظائف قطاع البناء، قطاع المحاماة، قطاع الدراسات الهندسية، قطاع النقل، والقطاعات الداعمة الأخرى.

– النموّ الذي سيُسجّل من الاقتصاد اللبناني، وبفرضية الالتزام بسقف الإنفاق الحالي، سيسمح بامتصاص العجز عبر رفع الميزان الأوّلي وتالياً تخفيف خدّمة الدين العام.

– البنية التحتية التي سيعمل عليها، مُمكن أن تؤسّس لاستخدام لبنان كمنصّة لإعادة إعمار سوريا. وتالياً وفي هذه الحالة، سيكون النمو الاقتصادي أعلى بكثير نتيجة الاستثمارات الأجنبية المُباشرة التي سترتفع بشكل كبير يتجاوز الأربعة مليارات دولار أميركي.

– دخول العملة الصعبة إلى الاقتصاد اللبناني سيُحسّن ميزان المدفوعات، وتالياً سيدعم الليرة اللبنانية ويُحسّن من تصنيف لبنان الائتماني. التحسن في هذا الأخير ستكون له تداعياته على خدمة الدين العام التي ستنخفض حكمًا.

– الشروط المفروضة على لبنان في ما يخص الإصلاحات تطال عشرة قطاعات على رأسها الكهرباء، الاتصالات، الجمارك، المالية العامّة، محاربة الفساد، الإدارة العامّة، تحديث القوانين... هذه الشروط ستُحسّن من مناخ الأعمال وستزيد حكمًا من الاستثمارات الخاصة إن مباشرة أو عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

– زيادة الثقة الدولية في لبنان وإظهار الدور الاستراتيجي للبنان والواضح من خلال وجود 1.5 مليون نازح سوري، موقع لبنان الجغرافي كمنصّة لإعادة إعمار سوريا، الثروة النفطية، خطاب ماكرون الختامي...


سلبيات مؤتمر سيدر1 

في مقابل هذه الإيجابيات هناك سلبيات عدة تشوب هذا المؤتمر وعلى رأسها:

– عدم دعم قطاعي الصناعة والتكنولوجيا واللذين يُعدّان الأساس في الاقتصادات المُتطورة من ناحية استمرارية الوظائف ومن ناحية خلق صناعات ثقيلة.

– عدم استمرارية الوظائف بحكم أن كل الوظائف التي ستتوافر، ستختفي مع انتهاء هذه المشاريع في ظل غياب خطط اقتصادية لدعم قطاعي الصناعة والتكنولوجيا.

– وضع لبنان تحت وصاية اقتصادية أجنبية غير مباشرة من ناحية أن لبنان لم يعدّ حرًا كليًا في قراراته الإقتصادية إلا إذا أراد الإنسحاب من مؤتمر سيدر1 وهذا شبه مُستحيل مع الوضع الاقتصادي والمالي الحالي.

– ارتباط التمويل بالاتفاق السياسي في لبنان وهو ما يُعدّ من الأمور الصعبة والتي ستزيد تعقيدًا بحسب نتائج الإنتخابات النيابية.

– عدم وجود أي كوتا على عمل اللبنانيين في هذه المشاريع على مثال ما حصل في القطاع النفطي الذي فرض أن يكون 80% من العمالة لبنانية.

– احتمال أن يكون قسم من هذا المبلغ هو قروضاً على شكل swaps أي تبديل الدين المُستحقّ لهذه الدول بدين آخر، وتالياً سيحرم الاقتصاد من هذه الأموال.


"سيدر" وأداء الطبقة السياسية

ليس بالجديد القول أن ثقة الشعب اللبناني بالسلطة السياسية هي في أدنى مستوياتها على الرغم من وجود استثناءات لبعض الشخصيات السياسية. إلا أنه وبالمجمل هناك تراجع للثقة بالأحزاب وبالأداء السياسي للمسؤولين. وهذا الأمر ينعكس تلقائيًا على نظرتنا كلبنانيين إلى مؤتمر سيدر1. فنتائج مؤتمرات باريس 1، 2 و3 كانت مُخيّبة على صعيد التطبيق حتى ولو أن وعود التمويل كانت كبيرة.

وهنا يُطرح السؤال: ألم تكن الأحزاب هي نفسها في السلطة في ذلك الوقت؟ ماذا تغيّر الآن؟ وما الذي سيجعل تطبيق مؤتمر سيدر مُختلفًا عما سبقه من مؤتمرات دعم؟

هذه الأسئلة تبقى رهينة الأداء السياسي في المرحلة القادمة خصوصًا بعد انتهاء الإنتخابات النيابية والبدء بتشكيل الحكومة حيث تُشير التوقعات على أن الصراع بين القوى السياسية على وزارتي الطاقة والمال ستكون ضارية. من هذا المُنطلق يُمكن القول إن فترة شهرين كحد أقصى لتشكيل الحكومة هو مؤشّر لبوادر خير في حين أن مدة تشكيل حكومة أطول من شهرين هو نذير شؤم.

يبقى القول إن نظرتنا كلبنانيين لمؤتمر سيدر1 تنبع من أداء السلطة السياسية خلال العقدين الماضيين، وتالياً فإن النظرة السلبية (المُحقّة) لمؤتمر سيدر1 هي نِتاج نظرتنا السلبية لأداء القوى السياسية وذلك بغضّ النظر عن التقييم الاقتصادي الفعلي لهذا المؤتمر. لكن يبقى هناك أمل كبير في أن ضغط المُجتمع الدولي على السلطة السياسية في لبنان لناحية إجراء إصلاحات اقتصادية، مالية، إدارية وقانونية هي من أهم النقاط الواجب إظهارها والتي قد (ونُشدّد على كلمة قدّ) تُغيّر من نهج السلطة السياسية الُمتّبع على صعيد إدارة البلد اقتصاديًا وماليًا.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم