الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

من مراهقة مطلّقة الى عالم "الدعارة"... أحلام كادت تخسر حياتها وأطفالها!

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
من مراهقة مطلّقة الى عالم "الدعارة"... أحلام كادت تخسر حياتها وأطفالها!
من مراهقة مطلّقة الى عالم "الدعارة"... أحلام كادت تخسر حياتها وأطفالها!
A+ A-

وُلدت أحلام في كنف أب محب وأم مكتئبة تعاني اضطرابات في الشخصية. كانت تعيش مع أخواتها الثلاث في احدى القرى الشمالية المتمسكة بالتقاليد المحافظة. لم يتسنَ لها ان تختبر مراحل الحياة وتعيش مراهقتها وتكمل تحصيلها العلمي، كانت أنظارها متوجهة الى حياة اخرى، الى حب ظنت انه سيُسعدها كما تحلم كثيرات لكنه انتهى بطلاق مُخلفاً وراءه طفلة صغيرة. محطات كثيرة اجتازتها وأخرى تقف عندها مراراً وتكراراً، عالقة في دوامة مغلقة عاجزة عن الخروج منها. من مراهقة الى امرأة تمارس الجنس الى ام لولدين غير مسجلين، حياة مليئة بالإنكسارات انتهت بمحاولة الانتحار والنجاة بأعجوبة. في هذه السطور تروي احلام قصتها بكل تقلباتها.


أحداث كثيرة ومتتالية قلبت حياة أحلام رأساً على عقب، اخفقت في أحيان كثيرة وعاكسها الزمن في أوقات أخرى. خيارات خاطئة دفعت ثمنها غالياً وانتهاكات معنوية ونفسية قست عليها وجعلتها تعيش في دوامة مغلقة مع خساراتها. تروي أحلام قصتها بعناوينها العريضة مسترجعة بداياتها "تزوجتُ من أحد أقاربي عندما كنت في 17 من عمري لكننا تطلقنا بعد فترة بسبب مشاكل بين العائلتين. لم يُكتب لزواجنا النجاح لكن وجعي الكبير كان بسلب أمومتي بعدما حرمتني المحكمة حضانة طفلتي الصغيرة. كانت هديتي الوحيدة قبل أن افقدها لأسباب خارجة عن ارادتي". تزوجت باكراً وهي ما زالت مراهقة في أول عمرها، ودفعت ثمن ذلك لتتوالى الأحداث تباعاً. 

برأي أحلام أن وضع والدتها الصحي واضطراباتها النفسية كان السبب وراء قرار المحكمة. عادت الى منزل والديها لكنها سرعان ما اصطدمت بالشائعات حول سلوكها وعلاقاتها العاطفية مما أدى الى احتجازها في المنزل. هكذا كُتب عليها ان تعيش ذنباً لم تقترفه وتُحرم من الحياة الطبيعية والدعم النفسي والمعنوي، معاملتها السيئة والقاسية جعلها تبحث عن مخرج سيُكلفها الكثير الكثير.


خفايا عالم "الدعارة" 

لم يكن أمامها خيارات كثيرة، كان عليها ان تخرج من هذا السجن، تقول: "هربتُ من المنزل وتوجهتُ الى منطقة نهر الموت حيث عملتُ في شركة تنظيفات وإستأجرتُ شاليهاً صغيراً للعيش فيه. لم أكن ابحث سوى عن لقمة العيش، ومع مرور الوقت تعرفتُ الى 3 جارات يعملن في "الدعارة". هكذا بدأتُ أتعرف إلى هذا العالم الغامض وأسأل عنه قبل ان أنزلق فيه لتبدأ رحلتي في ذلك العالم".

هناك، بين الأضواء والزبائن تعرفت أحلام إلى زوجها الثاني ومن أجله تركت عملها في "الدعارة" وقلبت تلك الصفحة السوداء في حياتها. تتحدث عنه بحبِ "كان زوجي سوري الجنسية وأنجبتُ منه طفلاً. كان طيباً معي وداعما لي وبفضله اجتمعتُ بعائلتي من جديد. لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً، فبعد اندلاع الحرب السورية أُجبرت زوجته السورية الى المجيء الى لبنان لتندلع المشاكل بيننا وتنتهي في نهاية المطاف بالطلاق".


من امرأة مطلقة الى امرأة ضائعة غارقة في همومها. عادت أحلام الى العمل في"الدعارة" مجدداً. لم تكن تعرف انها عالقة في الدوامة نفسها، عوامل نفسية كثيرة جعلتها ضحية سلوكيات خاطئة وصورة مهتزة عاجزة عن إيضاحها في عقلها. كانت تبحث عن رجل قادر ان يُحبها ويكون هذا الشريك الذي لم تعرف معالمه كثيراً. عادت الى "الدعارة" لتتعرف إلى احدهم وتُنجب منه طفلين غير مسجلين حتى اليوم. تصف احلام حياتهما على انها "اشبه بلعبة اليويو، يوم حلو ويوم مرّ. هي عبارة عن خلافات مستمرة يشوبها فترات من الهدوء والهدنة. لكن ذلك لم يدم كثيراً، فبعدما ضربني قررتُ اللجوء الى احدى الجمعيات بحثاً عن مكان آمن".

محاولة انتحار فاشلة 

أحداث متتالية رسمت حياتها المتقلبة، وفي الجمعية المكان المفترض ان يكون آمناً، بدأت فصول جديدة وانتهاكات نفسية، برأي احلام "إعتبرت المساعدة الاجتماعية انه بسبب عملي في "الدعارة" وتعرضي للعنف، بأنني غير مؤهلة لتربية طفلي، فقامت بفتح ملف حماية للطفل بدون علمي". لم يشرح أحد لأحلام سبب قرار الجمعية ولماذا عليها ان تُحرم من طفلها، هل بسبب عملها او مشاكلها النفسية وغيرها، علماً ان هناك اشخاصاً كثراً يعانون بعض المشاكل لكنهم قادرون على تربية اطفالهم.

وتضيف أحلام قائلة "حاولتُ عدة مرات ان اقنعهم بأنني لا اريد التنازل عن ابني واريد الرحيل ببساطة لكنهم منعوني من ذلك. محاولاتي اليائسة دفعتني الى محاولة الانتحار عبر الشنق، حيث استخدمتُ حزام الجاكيت وحاولت قتل نفسي في الحمام. لم يكن امامي الكثير من الخيارات، كنت حزينة ويائسة، لم أجد من يمدّ لي يد العون، كل ما وجدته أحكام تنهال عليّ وقرار بحرماني من طفلي. انتحار جعلني أمكث مدة شهرين في قسم العلاج النفسي في المستشفى".

لم تفهم احلام كيف ارتأت المساعدة الاجتماعية أن احلام غير مؤهلة لتربية طفلها وانه في خطر معها. فمن تخرج مع الزبائن ليست اهلاً لتربية طفل. وعوض مساندتها ومساعدتها حجزت اوراقها الثبوتية ومنعت التواصل مع طفلها بعد خروجها من المستشفى والاقتراب منه. تردف احلام "لم أفهم كيف وجدوا اني اشكل خطراً على طفلي، لم تُسجل بحقي اي حالة تعنيف او اساءة تجاهه، لقد أسأتُ الى نفسي ولكن ليس تجاهه".

3 اشهر لم تر احلام طفلها الى ان حكم القاضي بحق استرجاعه. انتهاك معنوي جعلها تفقد الأمل في الحياة، لم يكن يكفيها كلام الناس المؤذي والقاسي فكان عليها ان تتحمل من كان من المفترض ان يساعدها لا ان يُحاكمها.

 اعتداء نفسي وسوء معاملة  

"أثار وجودي في المستشفى بلبلة بين العاملين فيها، فبحسب احلام "كنتُ اسمعهم يقولون "مدري ليش منتحري، شو في وراها هالقصة، اكيد جوزا كامشا مع حدا .... اقترب مني رئيس قسم الممرضين وسألني عن سبب وجودي هنا، فقلتُ له بسبب محاولتي الانتحار. بدأت جلسة الاستجواب قائلاً لي "انتو بتطلعوا مصاري كتير ونازلين على حساب الوزارة؟ آخذين محلات ناس معترين وانتو ما بتستاهلوا"؟

منذ ذلك الحديث، بدأ يُسيء معاملتي ويتأخر عن مواعيد ادويتي ولم يسمح لي بالتواصل مع الجمعية. لم يفوت فرصة إلا ويُهينني، وعندما أُصارحه برغبتي في الخروج من المستشفى يرد بسخرية "ليش عبالك ترجعي تضهري تشتغلي دعارة"؟

سمعت أحلام كثيراً من الإساءات، لم تكن في وضع يسمح لها بالردّ والدفاع عن نفسها. كانت في قرارة نفسها تشعر انها ضعيفة ولن تقوى على مجابهة كل هؤلاء الأشخاص. جميعهم اقوى منها، ماضيها الذي يرافقها لم يرحمها، كان بمثابة سجن دائم لها.

يشار الى أن هذه الحالات توثقها كل من جمعية العناية الصحيّة، جمعية عدل ورحمة وجمعية دار الأمل. تمّ تطوير هذه المنشورة من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID). يشار إلى أنّ محتويات هذه المنشورة هي مسؤولية الاستشاري، ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر أو آراء الوكالة الأميركية للتنمية أو حكومة الولايات المتحدة.

اقرأ ايضاً: من أم عزباء وزوجة مُعنّفة... قصّة نور المرأة المحطمة

اضطرابات سلوكية وصورة أب غائبة

قصة أحلام ترويها بكل تقلباتها وفصولها الحزينة، لم تجد أحداً ينتشلها من هذا المستنقع الغميق. لكن ما هي الأسباب والدوافع النفسية التي جعلت أحلام تُعيد تكرار فصول حياتها وتدور في دوامة مغلقة؟

تشرح المعالجة النفسية سارة بريش انه "يبدأ الطفل في عمر ثلاث سنوات بمرحلة التماهي بأهله، وبالنسبة إلى أحلام تماهت بأمها التي تعاني من اضطرابات سلوكية ومن ضمنها اضطرابات مزاجية (كتلقلب المزاج والأفكار السوداوية والسلبية الحادة وصولاً الى الانتحار. نتيجة مرض والدتها خيارات الأم الخاطئة كانت الشيء الوحيد الذي تراه امامها. قلّدت احلام والدتها وعندما كبرت اصبحت هذه السلوكيات الخاطئة في شخصيتها وطبعها. مرض والدتها وتغييب والدها عن تأدية دوره فوصلت أحلام المراهقة من دون ان تملك صورة واضحة لنموذج الشريك الآخر. لم تجد صورة لوالدها، لذلك كانت تخوض التجارب لأن صورة الأب مهتزة وضائعة في نظرها".

"لجوؤها الى الدعارة لم يكن سوى لإعادة الدوامة ذاتها" وفق بريش التي تضيف "لم تكن تعرف كيف يتعاطى الرجال مع المرأة، لذلك لم تكن تميّز بين الشخص الجيد والاستغلالي. لم تتحمل الأم مسؤوليتها وهي اليوم تُعيد تكرار الشيء نفسه مع اولادها. الضوابط السلوكية غائبة عندها، واكتفت بتكرار التربية التي تلقتها، وستبقى تدور في الدوامة نفسها الى ان تخضع لعلاج نفسي"
تشدد المعالجة النفسية على اهمية أن "نعطي ادوية لأحلام لمعالجة المزاجية باتزان نسبي إضافة الى علاج السلوك المعرفي للحصول على نتيجة سريعة". 


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم