الثلاثاء - 14 أيار 2024

إعلان

نحن النساء إننا بذور فلا تُحاوِلوا دفننا

مايا عمار
نحن النساء إننا بذور فلا تُحاوِلوا دفننا
نحن النساء إننا بذور فلا تُحاوِلوا دفننا
A+ A-

كتبت مايا عمّار، الناشطة الاجتماعية في مجال الدفاع عن حقّ المرأة في الحياة والحرية والكرامة والكِبَر والأنفة والسعادة والفرح والحبّ، هذه الكلمة – المنارة، غداة مقتل أربع نساء خلال أسبوع واحد (ارتفع العدد إلى خمس)، في لبنان، لتكون عشية رأس السنة الجديدة، صفعةً إيجابيةً من جهة، وتكون، من جهة ثانية، دعوةً ملحاحة إلى قيام دولة المساواة والقانون في هذه المسألة، وفي كلّ مسألة مماثلة. 


يوحي القرب بالدفء. بالألفة. بالإصغاء. بالأمان.

القرب في حياة امرأة يوحي أيضًا بالخطر.

تعيش المرأة طوال عمرها أسيرة هذه الازدواجيّة.

تستعدّ لتعرضها للاستباحة من القريب والبعيد.

تتحضّر للاستهتار بها.

تتوقّع العنف ضدّها.

تنتظر التحرّش بها.

تتهيّأ لاستغلالها.

تتجهّز لعرسها كما تتجهّز لدفنها.

وإذا لم تتعرّض لما توقّعته، تكون قد أرهقتها حال التأهّب هذه، في أحسن الأحوال.

"حاولوا دفننا ولم يعلموا أنّنا بذور".

نُسبت هذه الجملة إلى الكاتب اليوناني دينوس كريستيانوبولوس الذي يقال إنّ الكثير من أعماله حُجبت أو أُهمِل طلب نشرها بسبب كونه مثليًّا.

لهذه الجملة صيغة أخرى بلغة الشاعر الأصليّة، هي "فعلتم كلّ شيء لتدفنوني ولكن نسيتم أنّني بذرة".

ألهمت هذه الجملة حركاتٍ ثوريّة وتغييريّة كثيرة من حول العالم، لما تحمل من أملٍ واعدٍ بالنهوض بعد السقوط، مثل حركة "الساباتيستاس" في المكسيك خلال تسعينات القرن الماضي.

في لبنان، استعارتها مبادرةٌ صغيرة لنساء مستقلّات كأحد شعارات لوقفةٍ نظّمنها بعنوان "كان فيها تكون أنا"، أضأن خلالها الشموع حدادًا على نساءٍ قتلهنّ العنف الذكوري.

نساء، على الأرجح، أمضين حيواتهنّ يتهيّأن لهذه اللّحظة، وربّما تمرّسن عليها كصورة، أو استعارة، أو مجرّد احتمالٍ واردٍ في كلّ لحظة.

تسبّب مقتل 4 نساء في أقلّ من أسبوع باختلاط مشاعر الغضب والخوف. الصدمة والعادة. الوحدة والتلاقي. الحزن والأمل.

هي الازدواجيّة من جديد.

لكن الحدث ليس بجديد، لا في لبنان ولا في العالم، حيث على الأقلّ واحدة من بين ثلاث نساء تتعرّض لأحد أشكال العنف في حياتها، وفي معظم الحالات، يكون المرتكب رجلاً مقرّبًا منها.

لا أرقام في لبنان، ولا داعي في الأساس لأن تكون الأرقام سبيلاً للتصديق أو وقودًا للفعل.

يكفي ما حدث، وما سيحدث.

يكفي ما حدث في العام 2017، وما سيحدث في 2018.

خلال العام 2017، رصدتُ في وسائل الإعلام أخبارًا وثّقت مقتل 13 امرأة نتيجة عنفٍ أسري، و4 نساء نتيجة اعتداء جنسي أو على يد حبيب.

بين 13 و18 كانون الأوّل، سُجّلت أعلى نسبة قتل، حيث عُلم بمقتل 4 نساء، واحدة تلو الأخرى، إحداهنّ بالكاد أكملت الـ15 عامًا من عمرها. وقد لحقت بالضحايا الأربع الضحيّة ملاك، بعد يوم واحد من إحياء "كان فيها تكون أنا".

غضبنا، وخفنا، وشعرنا مرّةً أخرى كم أنّ الجريمة قريبة والمجرم قريب. اهتزت العلاقةّ بالقرب من جديد. تذكّرنا أنّ لوجه القرب قناعَين متخاصمَين ابتُلينا بهما في وجهٍ واحد، نحن اللواتي نصارع كلّ يوم من أجل قربٍ آمنٍ طالما حُرمنا منه عنوةً.

في أقلّ من لحظة، عدنا إلى المتاريس.

اختبأنا وراءها.

قفزنا فوقها.

استعددنا للمعركة.

تحضّرنا لتلقّي العنف من جديد.

في أقلّ من لحظة، تذكّرنا حزمة مشاريع القوانين المنتظرة أن يلتفت المشرّعون الذكور إليها.

تذكّرنا وجوه عناصر الأمن المستخفّة أو التائهة وأسئلتهم الغريبة.

تذكّرنا قصور المنظومة القانونيّة والقضائيّة في تأمين الحماية والعدالة اللّازمتَين. تعليقات الأصدقاء "الموضوعيّة"، وبالأحرى المشكّكة أو الاتّهاميّة.

في أقلّ من لحظة، استحضرنا ذواتنا. ذواتنا نفسها التي نحيا بها في كلّ لحظة.

ليس الأمر بجديد، لكن خسارة 5 حيوات خلال أسبوع ونيّف، تبقى حدثًا مرعبًا. عادت الكثرة الرنّانة لتلفت انتباهنا من جديد. وإذ بالقضيّة تستنجد بالوفرة تصدّيًا لخطر نسيانها.

تستشعر قرب النسيان فتستنفر.

ها هو القرب من جديد يدقّ ناقوس الخطر.

قرب النسيان الذي سيظلّ يُقابل بطفرة الأحداث، إلى أن تتوقّفوا عن نسياننا.

ثقوا أن في كلّ مرّة تُطعَن واحدة، تستيقظ أخرى.

في كلّ مرّة تُردى واحدة بطلق ناري، تنطلق أخرى.

في كلّ مرّة تُخنَق واحدة، تتحرّر أخرى.

في كلّ مرّة تُحرَق واحدة، ترتوي أخرى.

وأنتم تدفنونهنّ، لا تنسوا أنهنّ بذور.

وأنتم الذين تتفرّجون على دفنهنّ، لا تنسوا أنّ تحرّرهنّ، وتحرّرنا، كان ممكنًا بلا سفك دماء، لولا تخاذلكم وإهمالكم وغروركم.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم