الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

اليوم العالميّ للّغة العربيّة... اللبنانيّ

المصدر: "النهار"
الدكتور بيار شلالا
اليوم العالميّ للّغة العربيّة... اللبنانيّ
اليوم العالميّ للّغة العربيّة... اللبنانيّ
A+ A-

كتب الأديب سلمان زين الدين في المجلّة التربويّة التي يصدرها المركز التربويّ للبحوث والإنماء، في العدد 56- آب 2014، ما يلي: "اللغة العربيّة وسيلة تواصل، وأداة إبداع، وناقل معرفة، ووعاء فكر، وحافظ تراث، ومكوّن من مكوّنات الهويّة. ويضيف: "وانطلاقًا من أهميّة هذه الوظائف وخطورتها، لا يعود إتقان اللغة مجرّد ترف معرفيّ، بل يغدو واجبًا أخلافيًّا اجتماعيًّا ومعرفيًّا ووطنيًّا". انتهى الاقتباس. 

وعليه، وبمناسبة اليوم العالميّ للّغة العربيّة الذي تحتفل به الأمم المتّحدة سنويًّا في 18 ك1، ثمّة سؤال يفرض نفسه في لبنان، البلد المعنيّ الأوّل في دنيا العرب بالحفاظ عليها والحرص على مستواها ومصيرها. هو الذي بَعَثَها حيّة في مستهلّ القرن العشرين الفائت، شاهرًا إيّاها سيفًا في وجه التتريك آنذاك، على أيدي اليازجيَّين والبساتنة والمعالفة وجبران ونعيمة والريحاني وعبود وآخرين، والذين، إذا بُعثوا أحياء اليوم، لَصُدِموا بتدنّي مستواها عمومًا وفي الإعلام خصوصًا.

وهذا اليوم العالميّ 18 ك1 يجب أن يكون مناسبة لعرض الواقع المرير تمهيدًا لطرح الحلول.

ففي جولة على منشورات الدوائر الرسميّة والمؤسّسات التربويّة – جامعات ومدارس – والمجتمع المدنيّ، إليكم ما آلت إليه اللغة العربيّة من تدنٍّ في المستوى. (نموذج واحد فقط لكلّ مؤسّسة).


أوّلاً – المؤسّسات الرسميّة

ففي مرسوم صادر عن مجلس الوزراء، رقمه 7919، وَرَدَ في المقطع الآتي حرفيًّا:

"يضمن كيان تنفيذ المشروع أن التقارير الماليّة المؤقتة غير المدقّقة للمشروع تُعَدّ ويُزوَّد بها إلى البنك الدولي في مهلة لا تتخطّى خمس وأربعين يومًا بعد نهايةكلّ فصل وهي تغطي الفصل في الشكل والمضمون اللتين تكونان مرضيتان للبنك الدوليّ".

ففي هذا المقطع الصغير أخطاء لغويّة وأخطاء شائعة كثيرة إضافة إلى خلوّه من أي علامة وقف.

الأخطاء اللغويّة: خمس وأربعين يومًا، والصحيح خمسة وأربعين يومًا - في الشكل والمضمون اللتين تكونان مرضيتان: اللذين يكونان مرضيّين.

والأخطاء الشائعة: المؤقتة : الموقّتة – غير المدقّقة: غير المدقّق فيها.

ثانيًا – المؤسّسات التربويّة

1- ففي أحد تعاميم الجامعة اللبنانيّة رقمه 26، وَرَدَ ما يلي:

"تعلن الجامعة عن بدء قبول الطلبات ضمن برامج دعم مشاريع الأبحاث المقدّمة من أفراد الهيئة التعليمية. ... وتكون لنتائجها دورًا إيجابيًّا... والالتزام بما يلي ... مدّة البحث سنتين... يُستثنى من نصاب الـ 200 ساعة الأساتذة المتعاقدين".

في ما سبق ركاكة فاضحة وأخطاء لغويّة وأخطاء شائعة. الركاكة في العبارة الآتية: ... مشاريع الأبحاث المقدَّمة من أفراد الهيئة التعليمية. والصحيح : ... التي قدّمها أفراد الهيئة التعليميّة. فكلمة "مقدَّمة" اسم مفعول يُصاغ من الفعل المجهول الذي تقول القاعدة إننا نجهل فاعله. والأخطاء اللغويّة: تكون لنتائجها دورًا إيجابيًّا: دورٌ إيجابيٌّ – مدّة البحث سنتين: سنتان – يستثنى ... الأساتذة المتعاقدين: المتعاقدون.

2- في مذكّرة معلّقة على لوحة إعلانات إحدى الكليّات في الجامعة اللبنانيّة: ... المستندات المطلوبة للتسجيل: صورتين شمسيتين: صورتان شمسيّتان – للطالب الغير مضمون: غير المضمون (وهذا خطأ شائع).

3- وهذامقطع من بيان لمجلس إدارة صندوق تعويضات أفراد الهيئة التعليميّة في المدارس الخاصّة: "إن القانون أعطى الصندوق مهلة ثلاثة أشهر للبتّ بطلبات التعويض والتقاعد... المؤسسات التربويّة غير الملتزمة يتمّ التعامل معها وفقًا للقانون حيث يتم إرسال إنذارات... وصولاً إلى إلقاء حجز على عقارات مملوكة من قبل أصحاب إجازات تلك المدارس، علمًا بأنّ الصندوق قام بتحصيل الكثير من... وقد تمّ التمييز من قبل مجلس الإدارة بين المؤسّسات الممتنعة عن الدفع.

بربّكم، هل هذه لغة عربيّة؟ بل هل هذه لغة أصلاً؟

والصحيح: للبتّ بطلبات: بتّ طلبات – يتمّ التعامل معها: تُعامَل – يتمّ إرسال إنذارات: تُرسَل – مملوكة من قبل أصحاب إجازات: يملكها أصحاب.. – قام بتحصيل: حَصَّل – تمّ التمييز من قبل مجلس الإدارة بين: ميّز مجلس الإدارة بين...

4- في مسابقة تاريخ في إحدى المدارس، وَرَدَ:

أذكر الأسباب الغير المباشرة للحرب: غير المباشرة – كيف أثّرت مشاركتها في الحرب على سير المعارك: في سير المعارك (خطأ شائع) –أذكر أربعة دول: أربع دول.


ثالثًا – المجتمع المدني

1- الكتب

واخترت من المجتمع المدني مؤلفين اثنين هما: "شريد المنازل" لجبور الدويهي و"كميل شمعون بقلم طبيبه" لزيدان كرم. وهما، من دون أي شكّ، ممتازان مضمونًا وأسلوبًا، ولكن يعتورهما بعض الأخطاء اللغويّة. وإليكم نماذج منها في الصفحات الخمسين الأولى من كلّ منهما.

ففي "شريد المنازل": ... لم تعرف بمَ تجيبه: بما تجيبه (ص14) – إنصاع لكتابة يافطته (خطأ شائع): لافتته (ص15) – نشؤ الأمم: نشوء (ص15) - ... بتخليصه من أسماء شقيقاته نجيحة وزين الدار: من اسمَيْ شقيقتيه (ص16) - ... وخصوصًا واحد منهم: واحدًا (ص17) – بدأت صديقات صباح افتقاده. تخبرهم أمه، وهي تقدّم لهم الكنافة: تخبرهنّ ... لهنّ(ص25) - ... على أصابع يديه الثلاثة: الثلاث (ص37) – تضطر لرفضه (خطأ شائع): إلى رفضه – حتى يخرجان: يخرجا(ص50) – ممن يكبروهم: يكبرونهم (53).

وفي كتاب "كميل شمعون بقلم طبيبه" : تعرفت عليه (خطأ شائع) : تعرفت إليه (ص13) – وإنّ في إطلالته سحرٌ: سحرًا (ص13) - ... وأن يتمعنون: ان يتمعّنوا (ص14) – سوى دويُّ: دويِّ – لا شكّ أنّ (خطأ شائع): لا شكّ في أنّ – ولعلّ هذا التقدّمُ الثقافيُّ : التقدّمَ الثقافيَّ (ص27) – في تعلّم اللغات الفرنسيّة والعربيّة: اللغتين (ص28) – إلى ذلك الرجلَ القصيرَ: الرجلِ القصيرِ (ص33) – ابن التسع عشر سنة: التسع عشرة (ص41) – على مدى اثنتي عشر عاماً: اثني عشر (ص43) – العائلة اللبنانيّة هي الخليّةَ العائليّةَ: الخليّةُ الاجتماعيّةُ (ص46).


2- المجتمع المحلّي

ومن المجتمع المحلّي، لافتتان لإحدى البلديّات في استقبال البطريرك بشارة الراعي:

- نرفع صلواتنا إلى الله ليبقى صوت البطريرك عالٍ كأرز لبنان: عاليًا.

- عظمة وحكمة البطاركة صنعت مجد لبنان: عظمة البطاركة وحكمتهم صنعتا مجد لبنان.

إضافةً إلى إعلانين انتشرا بكثرة في المناطق اللبنانية على لوحات كبيرة:

- تمنّى وحقّقْ (لأحد المصارف): تمنَّ.

- اشربْها ترتوي (لإحدى شركات المشروبات الغازية) : ترتوِ.

- رابعًا- الإعلام

وصولاً إلى الإعلام، وهنا الطامة الكبرى، ورقيًّا وإلكترونيًّا.

1- ورقيًّا: صحافتنا تنحدر، وإن كان بعضها يحافظ على مستوى ممتاز لغويًّا، لكن الأخطاء اللغويّة والشائعة تطغى على معظمها، عناوين وأخبارًا وإعلانات.

- العناوين

هذا عنوان مانشيت الصفحة الأولى لصحيفة "الديار" (السبت 25 تشرين الثاني 2017) :

هل ينجح الغطاء العربي بإحياء التسوية أم يُسقطها الصراع السعودي الإيراني؟

محمّد بن سلمان: خامنئي هتلر والحريري مسلم سنّي لن يمنح غطاءً لحزب الله

طهران: أمراء آل سعود عملاء لإسرائيل ورفضوا الحوار ويقودون السعودية للإنهيار

في كلّ سطر مما سبق خطأ شائع: ينجح... بإحياء: في إحياء – لن يمنح غطاءً لحزب الله: لن يمنح حرب الله غطاء – ويقودون... للإنهيار: إلى الانهيار.

وفي جريدة "الأنوار": أيمن نور يطعن بقرار حرمانه من الترشّح: يطعن في قرار حرمانه الترشّح

وفي جريدة "الجمهوريّة": مخاطر الإدمان على الكحول: مخاطر إدمان الكحول.



- الأخبار

إليكم مقطعًا من مانشيت عدد "الديار" نفسه أعلاه:

"... ربما يعقد مجلس الوزراء جلسة في غضون اسبوع لإعلانه بيان رسميّ يشكّل ملحقًا توضيحيًّا للبيان الوزاريّ ويتمّ الالتزام به من كلّ الأطراف... ولا شيء يمنع ذلك طالما أن هناك نوايا وأنّ هناك إشارات على أن البلد ذاهب... ورغم هذا التفاؤل فإن المعنيّون الأساسيّون في المشاورات الجارية لا يسقطون من حسابهم حصول أمور تؤدّي إلى تغيير حكوميّ واعترفت المصادر أن أصوات بارزة تستّرت بالكلام على خلافات... حتّى إن الولايات المتحدة لم تغطّي التصرّف السعودي".

في ما سبق أخطاء لغوية وخطآن شائعان وركاكة :

• الأخطاء اللغويّة : لإعلانه بيان رسميّ : بيانًا رسميًّا – إنّ المعنيّون الأساسيّون : المعنيّين الأساسيّين – إنّ أصوات بارزة : أصواتًا – لم تغطّي : لم تغطِّ.

• خطآن شائعان: نوايا: نيّات – إشارات على: إشارات إلى.

• الركاكة : يتم الالتزام به من كلّ الأطراف: يلتزمه الأطراف كلّهم.


وفي جريدة "النهار"،6 ك1، ورَدَ في أحد أسرار الآلهة: وجَدَ مواطنون عرباً صعوبة: عربٌ.


- الإعلانات

إليكم نماذج من بعض الإعلانات الفاضحة لغويًّا:

• مشترين منتجات مخابز: مشترو

• رأسمالها مايتين وخمسة وثلاثين مليار ليرة: مايتان وخمسة وثلاثون.

• غير المدقّقة: غير المدقّق فيها.

• تتمّ خدمتهم: يُخدَمون – سبعة آلاف موظّفًا: موظّفٍ.


2- أمّا عن الإعلام الإلكترونيّ فحدّث ولا حرج. وسأكتفي بعرض نموذجين من "ليبانون ديبايت" و"ليبانون فايلز". وهما من الأكثر شهرة والأكثر زيارة وقراءةً، وبالتالي تأثيرًا سلبيًّا.

الأوّل من "ليبانون ديبايت" في 10 كانون الأوّل الحاليّ بعنوان "توقيف جو معلوف في أحد مطارات تركيا":

"هي ليست المرة الأولى التي يغادر بها الإعلاميّ جو معلوف لبنان متوجهًا إلى تركيا... وبالتفاصيل ... تمّ استدعاء معلوف من قبل عنصري امن بلباس مدني عرّفا عن نفسهما بأنهما شرطيَّين دوليّين. وأفادت المعلومات أنّ معلوف اصطُحب إلى غرفة صغيرة حيث خضع للاستجواب من قبل الشرطيين... كما تمت مصادرة هاتفه المحمول... وبخاصة انه تم رصده منذ لحظة نزوله من الطائرة".

والأخطاء هي: يُغادر بها: فيها – تم استدعاء معلوف من قبل عنصري امن: استدعى عنصرا أمن معلوف – عرفا عن نفسهما: نفسَيهما – بأنهما شرطيين دوليين: شرطيان دوليّان – خضع للاستجواب من قبل الشرطيين : استجوبَه الشرطيّان – تمّت مصادرة هاتفه المحمول : صودِرَ هاتفه – تمّ رصده: رُصِدَ.

الثاني، خبر من"ليبانون فايلز" في 15 كانون الأوّل الحاليّ بعنوان "عندما يعيش شعب بكامله تحت رحمة النفايات". وفيه:

"منذ أيام حددت بلدية الغبيري – الشياح تسعيرة الـ 5 امبير لمولدات الاشتراكات بـ28 الف ليرة وهو بحسب الأسعار المحدّدة من وزارة الطاقة... ولكن أصحاب المولدات رفضوا ... وهددوا بقطع الكهرباء إذا لم يتم رفع التسعيرة... الشعب اللبناني بأكمله يعيش... وهو بات مجبر على التقيّد بأسعارهم... لأنه إذا قام حزب سياسي بتأمين... سيتم اتهامه بالفساد...".

والأخطاء هي: بلدية الغبيري – الشياح: هما بلديتان (الغبيري والشياح) - المحدَّدة من وزارة الطاقة: التي حدّدتها – إذا لم يتمّ رفع التسعيرة: إذا لم تُرفَع – الشعب اللبناني بأكمله : كلّه – بات مجبر : مجبرًا – قام حزب سياسي بتأمين: أمّن – سيتم اتهامه: سَيُتَّهَم.

أخيراً، ربّ سائلٍ: أإلى هذه الدرجة تدهورت اللغة العربيّة؟ أجيب: كلّا. لكنّ ما سبق من سوداويّة يطفو على السطح. وهنا يصح المثل العامّي: "الفاجر بياكل مال التاجر". فثمّة مؤسّسات إعلاميّة، ومنها ما تناولناها نقدًا اليوم، تحرص على لغة صحيحة. كما ثمّة مؤلّفات أدبيّة ترقى إلى مستوى عالٍ من الفصاحة والبلاغة. لكنّ، أيضًا، لا شكّ في أنّ هناك تردّيًا يشوب اللغة العربيّة، أخطاءً صرفيّة ونحويّةً، وأخطاءً شائعةً، وركاكةً. وندقّ ناقوس الخطر: فإذا لم يُكبَح هذا التدهور فسننعى اللغة العربيّة، وتحمل نعشها لغة الفيسبوك والواتس آب...

كفى تشاؤمًا!!! فما الحلول المناسبة لتجنّب هذا المصير؟

ففي رأينا، إنّ ثمّة ثغرة أساسيّةً تُسبّب هذا التردّي. وهي أساس تعليم اللغة العربيّة بدءًا من المراحل الابتدائية والمتوسّطة والثانوية وصولاً إلى الجامعيّة، إضافةً إلى طغيان اللغة الإلكترونية العجيبة الغريبة بأحرفها التي سيطرت على الحوارات المكتوبة المتبادلة بين الناس. لذلك نقترح:

-تعديل المناهج،التي تعود إلى عام 1997أي إلى عقدين شهدا تطوّرًا مذهلًا وتبدّلًا جذريًّا نتيجة انتشار وسائل تواصل اجتماعيّفرضت نفسها إعلامًا لا يُقاوَم سحره،بحيث تخاطب عقول المتعلّمين المهاجرين هجرة جماعيّة إلى عالم الإنترنت والفضائيّات والمواقع الالكترونيّة بإيراد محاور لغويّة تواكب العصر ومتطلّبات الأجيال. فالمناهج الحاليّة تقبع جامدة في عالم القرن الفائت البائد.

-استنباط اساليب تعليميّة حديثة،بعيدًا من التلقين الكلاسيكيّ المملّpower point…))،مواكَبَةً للعصرنة،وردْمًا للهوّة بين عالم المتعلّم ومدرسته.

-وجوب عدم غياب قواعد اللغة العربيّة عن منهج المرحلة الثانويّة،فيبقى المتعلّم على تواصل مستمرّ لا يسمح بأي فجوة في مكتسباته.

-تشدّد المحطّات في احترام اللغة العربيّة باختيار محرّريها ومحرّراتها،مندوبيها ومندوباتها ممّن يتقنون اللغة العربيّة،صرفًا ونحوًا، فصاحةً وبلاغة.

-إيلاء المؤسّسات الإعلاميّة،على اختلاف أنواعها المكتوبة والمسموعة والمرئيّة والالكترونيّة،التدقيقَ اللغويَّ أهمّيةً قصوى،بحيث لا تُنشَر مادّة ولاتُبثّ إلّا بعد إخضاعها للتصحيح.

أستاذ في الجامعة اللبنانية كليّة الإعلام - الفرع الثاني 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم