الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

تذكرة مجانية لحياة أخرى... كتب "أبو علي" على رصيف بعلبكي تجذب المثقفين

المصدر: "النهار"
بعلبك – وسام إسماعيل
تذكرة مجانية لحياة أخرى... كتب "أبو علي" على رصيف بعلبكي تجذب المثقفين
تذكرة مجانية لحياة أخرى... كتب "أبو علي" على رصيف بعلبكي تجذب المثقفين
A+ A-

كتب جديدة وقديمة، تأكلت أطراف أوراقها الصفراء المملوءة بكلمات الفلسفة والتاريخ والحروب والحب والسياسة والاقتصاد وغيرها. بشتى الألوان والطبعات افترشت هذه الكتب الرصيف المحاذي لمكتب بريد بعلبك والمحكمة الجعفرية في شارع رأس العين في بعلبك لتشكل مصدراً جديداً قديماً لثقافة شباب بعلبك وبلداتها وقراها.  

كل يوم يقف الستيني حبيب فقيه "أبو علي" ابن بلدة علي النهري منذ ساعات الفجر الأولى حتى المساء الى جانب كتبه التي يرصفها بإتقان على الرصيف فوق قماشة وداخل سيارته منتظراً الباحثين عن كتب رخيصة أو نادرة لكنها الأفضل على حد وصفه.

"أبو علي" الذي يبيع الكتب على الرصيف نفسه منذ ما يزيد على 20 عاماً وينقلها يومياً بسيارته، يؤكد انه لم يعد هناك سوى فئة محددة من المثقفين الذين يعرفون ماذا نعرض على هذا الرصيف وما قيمته الحقيقية. ولهذا يأتون اليه حيث يقرأ المارة كل ما يقع في مرمى دهشتهم فالكتاب يمنحهم تذكرة مجانية لحياة أخرى.

مئات الكتب والمجلدات والجرائد هي كل ما يملكه "أبوعلي" على الرصيف وداخل سيارته لتتكون مكتبة صغيرة ثقافية بعلبكية من طراز خاص تجذب الفقراء والأغنياء من طالبي العلم والثقافة حيث يجدون ضالتهم بين آلاف الكتب القديمة والحديثة في مختلف العلوم والمعارف.



يصف لـ "النهار" أن مهنته مشوقة وزادت من حبه للقراءة ولا يفكر بتغيير مهنته بائعاً للكتب. وعن واقع المردود المالي لمهنته، يراه جيداً فهو يؤمن المصروف اليومي ويتمم حالته المعيشية مشدداً على دوره التنويري في بيع الكتب. فهناك أجيال من المثقفين والباحثين والأدباء يجدون ضالتهم عنده.

وعن مدى الإقبال على شراء الكتب، رأى ان الإنترنت له تداعياته السلبية على القراءة والإقبال على الكتاب يتراجع وانه من واقع 20 عاماً قضاها في المكان لا مقارنة بين الامس واليوم وان السوق فقد الكثير من روحه التي كانت موجودة قديماً. ويختصر الوضع بالقول "سابقا لم تكن تراني اجلس وكان يؤلمني ظهري من كثرة العمل اما اليوم تمر ايام لا يأتي الى هنا إلا المضطر سواء كان باحثاً يحضر رسالة علمية، أو أكاديمياً جاء ليبحث عن مجلة أو كتاب".

يلفتك إصرار "أبو علي" على اختلاف بسطته أو ما يطلق عليها "مكتبة جوالة" عن المكتبات داخل السوق التجاري لأسباب عدة تجعله محافظاً اكثر على البيع ومنه تفاوت الاسعار. فالكتب في المكتبات اسعارها مرتفعة ويصل سعرها في اغلب الاحيان 6 اضعاف عن السعر لدى "ابو علي" حيث يراوح سعر الكتاب عنده بين 1000 ليرة و 3000 ليرة لبنانية التي تلفت المارة ايضا للشراء، اما في المكتبات فلا يتوجه اليها سوى القاصد للشراء ليشبه الامر تجارياً الثياب التي تعرف بالبالة فعندما يكون هناك كمية كبيرة ومتوافرة تصبح رخيصة.

تجد كتباً مسعَّرة، مثلاً ثمة كتاب من "دار الثقافة" بسعر 3000 ليرة لبنانية بعنوان "من الخطاب"، وكتاب اخر يحمله بيده "مدخل الى الطب النفسي" ايضا بـ 3000 ليرة لبنانية ولكن يبقى هناك كتب مرتفعة الثمن حيث لا يتوافر منها الا القليل.

وعن اكثر الكتب مبيعاً، يقول:" الادبية والتاريخية بالدرجة الاولى وتليها الكتب الدينية والروايات لفئة الشباب حيث ان الشباب يركزون على القصص منها (احلام مستغانمي، روايات برازيلية، جبران خليل جبران، توليستوي) اما اصحاب الاختصاصات فيأتون للعثور على غاياتهم وتجد الكثير ممن يقصدوني من اماكن بعيدة ان كان من زحلة او الهرمل او القرى البعيدة وعدد كبير منهم يطلب مني تأمين كتب لهم.

وردا عن مصدر كتبه المعروضة اوضح أن هناك مصادر كثيرة ومختلفة من اهمها دور النشر التي تبيع الفائض والقديم من انتاجها باسعار زهيدة بالاضافة الى ان الكثير من الافراد يعمدون على بيع مكاتبهم الشخصية التي تجد فيها كتب نادرة كما حصل ايضا على بعض كتبه من قبل الورثة لبعض المكتبات الشخصية بسبب وفاة اصحابها بأسعار زهيدة جدا لعدم رغبة الورثة باقتنائها فأرادت بيع هذه المكتبات لأنها تريد أن تستغل مكان وجودها ويبيعها بالثمن الذي يريده المشتري واضاف : " عند شرائي كميات كبيرة من الكتب احصل عليها باسعار زهيدة قد يصل ثمن بعضها 1000 ليرة لبنانية للكتاب الواحد وانا ازيد على سعرها الف ليرة اخرى ليكون سعره النهائي 2000 ليرة لبنانية فقط كما انني احتفظ بكميات كبيرة من الكتب كنت اشتريتها منذ اكثر من خمس سنوات وبعضها منذ العام 2003 واليوم اعرضها للبيع وهي كتب متنوعة وشيقة وسعر الكتاب 2000 ليرة فقط".

الرصيف حيث بسطة " أبو علي" بات مقصداً يومياً للعديد من الكتاب والقراء والمثقفين وليس للشارين فقط، ومواضيع كثيرة تدور بين المجتمعين.

المدرس محمد ياغي الذي يمر كل أسبوع على بسطة " أبوعلي" تجده باحثاً عن كتاب بعينه او ملقياً نظرة على ما قد يثير اهتمامه بين الكتب المتنوعة المستعملة والجديدة كالفلسفة والاقتصاد وكتب يسارية وكتب تعود للعهد السوفياتي الى جانب كتب ليبرالية انكليزية وعربية وفرنسية كلها معا تجمعها قماشة بسطة "أبو علي".

ويقول ياغي:"لا يمكن ان اجد الكتب التي تهمني في المكتبات بل هنا أجدها بسهولة اكثر وبأسعار رمزية".

عند اخر البسطة تجد الاستاذ علي عبد الرحمن وهو فلسطيني الجنسية منهمكاً في ايجاد كتاب لشرائه يؤكد انه لا يغيب عن المجيء الى بسطة " أبو علي"، "سوى الايام التي لا ياتي فيها أبوعلي الى المدينة". وقال:" كنت اتوجه سابقا الى معارض الكتب في بيروت وصيدا وزحلة وغيرها من المعارض لشراء الكتب فيما اليوم فكل ما نريده بات يؤمن من هنا وباسعار جيدة وان لم اجدها يعمل " ابو علي" على تأمينها لي. أما الكتب التي ارغب فيها فهي التي تتحدث عن قضيتي وهويتي اضافة الى الكتب السياسية والدينية وقد اعتدنا القراءة ومناقشة الكتاب مع " ابو علي" الذي اصبح مطلعاً على ما عنده من كتب وما يبحث عنه زبائنه".

ولا يخفي أحد الزبائن اعجابه بتنوع الكتب وعناوينها المعروضة واسعارها الزهيدة وتجده منهمكا بالبحث عن كتب يستطيع تقديمها لابنته التي طلبت منه احضار بعض الكتب القانونية التي تفيدها في مجال عملها كمحامية.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم