الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

الحركة المسكونيّة "هرطقة"؟

الأب جورج مسّوح
الحركة المسكونيّة "هرطقة"؟
الحركة المسكونيّة "هرطقة"؟
A+ A-

​قال يوحنّا: "يا معلّم، رأينا واحدًا يُخرج الشياطين باسمك فمنعناه، لأنّه ليس يتبع معنا". فقال له يسوع: "لا تمنعوه، لأنّ مَن ليس علينا فهو معنا" (لوقا 9، 49-51). يأتي هذا الكلام في سياق شفاء صبيّ من "الروح النجس" الساكن فيه، وعلى الأثر كان سؤال يوحنّا وجواب يسوع في الآيتين الآنفتين.

​لكنّ الروح النجس لا يمكن حصر المقصود به الأمراض وحسب، بل هو يعني بخاصّة الشرّ الذي يمارسه الإنسان بحقّ أخيه الإنسان. الروح النجس لا يدخل بقوّته الذاتيّة إلى الإنسان، بل الإنسان هو الذي يدعوه بطيب خاطر ليسكن فيه ويرشده إلى طريق الشرّ. وعند وقوع أمر جلل، يسارع هذا الإنسان ليشتم الشيطان المسؤول عن أفعاله الشرّيرة مبرّرًا نفسه، فيما هو المسؤول الأوّل والأخير عن أفعاله الشرّيرة.

​اليوم، تسود في بعض أوساط الكنيسة الأرثوذكسية لغة تكفيريّة تعتبر الحركة المسكونيّة "هرطقة مسيحيّة". كما تعتبر هذه الأوساط المتطرّفة أنّ المشاركين في أعمال هذه الكنيسة المسكونيّة هراطقة، وتضمّ لائحتهم أسماء بطاركة ومطارنة وكهنة أنطاكيّين، علمًا أنّ بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، غبطة يوحنّا العاشر هو رئيس مشارك في مجلس الكنائس العالميّ.

​لا بدّ بدءًا من القول، على الصعيد العقائديّ، أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة، في حواراتها المسكونيّة لم تقدّم أيّ تنازل عقائديّ كي ترضي شركاءها في الإيمان المسيحيّ. لا يمكن أحدًا أن يطلق حكمًا بالهرطقة على سوى ما يمسّ جوهر الإيمان، أي ما أقرّه دستور الإيمان وبعض الأحكام التي أقرّتها المجامع المسكونيّة، كالقرار الذي أصدره المجمع المسكونيّ السابع في شأن ضرورة إكرام الأيقونات... أمّا أن يصلي المسيحيّون معًا في أسبوع الصلاة من أجل المسيحيّين، أي خارج الأسرار، فذلك ليس هرطقة البتّة. ألم يصلّي بطرس وبولس معًا على الرغم من خلافهم الشديد كي يلهمهم الربّ طريق السلام والمصالحة والحبّة...

​المسيح لم يطلب ممّن يريد إخراج الشياطين باسمه أن يكون من التابعين له أم لا، لم يطلب منه تلاوة دستور الإيمان أو إلى أي كنيسة ينتمي، قال كلمة واحدة: "فمَن ليس علينا فهو معنا". ما هذه الكبرياء قاتلة المحبّة التي تريد احتكار العمل باسم يسوع لنفسها، ترفض أن يصنع آخر باسم يسوع العمل الذي ترغب بإتمامه. يسوع نفسه منع تلاميذه من أن يحتكروا هذا الأمر لهم، وهم يريدون احتكار المسيح لهم وحدهم من دون سائر البشر. يبدو أنّهم أعظم من التلاميذ، والله أعلم.

شركاؤنا في مجلس الكنائس نسعى معهم من أجل استعادة الوحدة المنظورة، وإلى أن يتمّ ذلك وجب علينا القيام بخطوات كبرى منها أن نعترف بأنّها كنائس لا جماعات مسيحيّة، كي نستطيع الجلوس معًا والحوار في شأن ما يفرّقنا. فالكنيسة لا يمكنها أن تحاور سوى كنيسة تعترف بها يجمعها معها أمور كثيرة ويفرّقها عنها أمور أخرى. فلماذا التركيز على الخلافات لتأكيد الفراق، وعدم الاعتراف بالمشتركات لإتاحة حلّ الخلافات؟ ومع ذلك لم يقُل أرثوذكسيّ واحد أنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة لا يتحقّق فيها كمال العبارة التي أقرّها دستور الإيمان "وبكنيسة واحدة جامعة مقدّسة رسوليّة".

ماذا يمنع أن نُخرج، نحن الأرثوذكس، مع سوانا من الكنائس الأخرى، الشياطين باسم يسوع، مع الكنيسة الكاثوليكيّة، والكنائس غير الخلقيدونيّة، وبعض الكنائس البروتستنانتيّة. والشيطان الأوّل الواجب إخراجه هو شيطان الانشقاقات والخلافات التي تفرّقنا وبخاصّة في الشرق. أليس شيطانيًّا مَن لا يريد الاعتراف بشهادة الأقباط في مصر، أو السريانيّ والكلدانيّ في العراق، أو بشهادة الكاثوليكيّ في سوريا.

الهرطوقيّ هو مَن لا يعترف بعمل الروح القدس في العالم، في المسيحيّ وغير المسيحيّ. لذلك نجرؤ على أن نتحدّث عن هذيان القائلين بهرطقة الحركة المسكونيّة والعاملين فيها.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم