الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ترحيل مخيمات اللاجئين من محيط قاعدة رياق الجوّية لدواعٍ أمنية يخلق أزمة إنسانية

المصدر: "النهار"
زحلة – دانييل خياط
ترحيل مخيمات اللاجئين من محيط قاعدة رياق الجوّية لدواعٍ أمنية يخلق أزمة إنسانية
ترحيل مخيمات اللاجئين من محيط قاعدة رياق الجوّية لدواعٍ أمنية يخلق أزمة إنسانية
A+ A-

"وين نروح يعني؟ بس قولولنا وين نروح؟" إستغاثة تسمعها بمختلف لهجات المناطق السورية في جولة على مخيمات اللاجئين السوريين في بلدة الدلهمية قضاء #زحلة، المعنية بقرار #الجيش اللبناني نقل مكان كل المخيمات التي تقع ضمن نطاق محدد في محيط قاعدة رياق الجوية لدواعٍ أمنية.


تؤوي بلدة الدلهمية نحو 40 الى 47 مخيما، بحسب مختار البلدة رفعت النمر، اكثر من نصفهم معنيون بقرار الترحيل. وبحسب مصدر أمني فان توصيف المخيم ينطبق على كل تجمّع يبدأ من 3 خيم وصعودا. أما عدد الذي يطاولهم القرار فيقارب 10 آلاف إنسان، وهو رقم تقريبي إذ إن اياً من الجهات المعنية غير قادر على إعطاء إحصاء دقيق أو أقله يمتنع عن الاعتراف بأنه يملك مثل إحصاء كهذا. ويقول المصدر الامني إن الحسابات الاولية السريعة كانت بهذا الحجم او اقلّ، ولكن بعدما كان قد جرى احتساب أن كل من يقطنون مربعاً ما، في المنطقة المعنية بالقرار، عليهم أن يغادروا، تبين عند الدخول في التفاصيل أن هذه الزاوية من هذا المربع أو تلك يمكن أن تستثنى، فانخفض الرقم الى أقلّ من ذلك، من دون ان يحدد رقماً.


 تنتهي المهلة المعطاة للمخيمات الاثنين المقبل، وغالبية المخيمات التي جلنا عليها في الدلهمية لم تبرح مكانها، في ظل ضيق الخيارات لأماكن بديلة. وبحسب المصدر الامني فقد جرى التوضيح لمخيمات المنطقة التي لا يمكن ان ينتقلوا اليها والتي لا تزيد عن 9 كيلومترات، وبالتالي هم قادرون على الانتقال خارجها مع البقاء ضمن النطاق البلدي عينه للبلدة التي يقطنونها، معتبرا أنه لا يعود للسلطة الامنية ان توجههم الى اين ينتقلون لان هذا سيكون وكأنها تحصرهم بمنطقة او مكان واحد، بل تركت لهم الخيار الكامل للانتقال الى حيث يريدون واعطتهم المهلة لذلك.



 


هنا بالذات تقع المعضلة، فالخيارات ضاقت جداً، في ظل رفض البلديات في البقاع إستقبال مخيمات جديدة إتقاء لاعتراضات الاهالي، إذ أفادنا اللاجئون السوريون ممن التقيناهم في جولتنا، أنهم وجدوا أراضي وافق اصحابهاعلى تأجيرها لهم لكنهم اصطدموا برفض البلدية.


وقد سعى محافظ #البقاع انطوان سليمان إلى ايجاد حلول، فاجتمع الاثنين الفائت مع رؤساء بلديات بر الياس، قب الياس ومجدل عنجر لاستطلاعهم حول امكان نقل المخيمات الى بلداتهم. وبدا المحافظ سليمان في اتصال معه، متفائلا بحلّ الازمة من حيث "المبدأ"، إذ ان بلدية مجدل عنجر عرضت إمكان استقبال اللاجئين، وأنها قادرة على استقبال نحو10 آلاف لاجىء لوجود أرض كبيرة هي مشاع للدولة على ما قال المحافظ، وكذلك أبدت بلدية بر الياس تجاوبا، "وقد أبلغنا وزارة الداخلية بذلك". وقال رداً على سؤال ان البلدتين لم تطلبا شيئا مقابل موافقتهما، باستثناء ان تهتم المنظمات الدولية بالترتيبات حيث سيقطن اللاجئون وتأمين المستلزمات الضرورية.


أما حصر الدعوة بالبلديات الثلاث دون سواها، فيعود بحسب المحافظ سليمان لاعتبار عدم ابتعاد اللاجئين كثيرا من اماكن عملهم في المناطق التي كانوا يقطنونها، وعدم خلق احتكاك مع بلدات معينة.


وبالتواصل مع رؤساء البلديات الثلاث، تبين أن موافقة بلدية مجدل عنجر مبدأية ومشروطة بلائحة من المشاريع لتمويلها من المنظمات الدولية مقابل استقبالها 5 الى 6 آلاف لاجىء في أرض للدولة اللبنانية عند حدود مجدل عنجر مع بلدة الدكوة في البقاع الغربي، على قول رئيس البلدية سعيد ياسين الذي اوضح ان هذه اللائحة تتضمن: معملاً لفرز النفايات، مدافن للسوريين واللبنانيين، قاعة بمساحة الفي متر مربع متعددة الاستخدامات، سوقا شعبية ومركزا صحيا للطوارىء يعمل على مدار 24 ساعة. إلا أنه لم يلق رداً على مطالبه بعد على ما قال ردا على سؤال. مع الاشارة الى أن هذا الموضوع اثار جدلاً في البلدة بين معارضين له ومؤيدين للبلدية.



 


وبسؤال الناطقة باسم المفوضية السامية للامم المتحدة لشؤون #اللاجئين في لبنان دانا سليمان عن مدى قابلية الموافقة على عرض بلدية مجدل عنجر استقبال اللاجئين المرحّلين مقابل لائحة مطالب، قالت موضحة انه في البداية "يعود للسلطات اللبنانية التباحث فيه، إن كانت توافق على بناء مخيم بهذا الحجم، في ظل قرار بعدم انشاء مخيمات جديدة في لبنان، وان كل المعطيات يجب ان يُتفق عليها من جانب رئيس البلدية مع أهل البلدة، وأن توافق السلطات اللبنانية، على أن يجري تقويم الموضوع من وجهة نظر انسانية من بعد كل هذه الموافقات التي لم تتم بعد بحسب علمنا".


أما رئيس بلدية بر الياس مواس عراجي فقد أفاد أنه وافق على استقبال ما بين 2500 و3 آلاف لاجىء فقط، لاعتبارات إنسانية ومن دون أي مقابل، على ان يجري توزيعهم على المخيمات القائمة في البلدة والتي لا يزال لديها قدرة على الإستيعاب، في ظل رفض المجلس البلدي إستحداث مخيمات جديدة في البلدة التي تؤوي 65 الف لاجىء و68 مخيما. وقد أخذت البلدية موافقة 3 مخيمات بإمكانها استيعاب نحو 300 خيمة، إلى مخيم تابع للجماعة الاسلامية تقطنه مئة عائلة، قادر على استيعاب 200 عائلة وقد بدأ تجهيزه لهذه الغاية.


وإذ أشار الى ان حركة الانتقال الى بر الياس لا تزال خفيفة، اوضح عراجي ردا على ما نقلناه اليه عن لسان بعض اللاجئين الذين التقيناهم في جولتنا بانهم حاولوا الانتقال الى مخيمات بر الياس لكن ووجهوا بالرفض، فقال ان السبب يعود الى "الخلاف بين الشاويش في المخيم المضيف وبين شاويش المخيم القادم، لانها كلها ورش زراعية" أي أن قاطني هذه المخيمات يعملون في الاراضي الزراعية لقاء أجر يأخذ الشاويش نسبةً منه. واضاف: "بالتالي يَشتَرط الشاويش المسؤول عن المخيم المضيف أن يضم اليد العاملة القادمة الى المخيم الى ورشته وهنا يقع الخلاف الذي نعمل على حلّه".



 


أما بلدية قب الياس- وادي الدلم فقد كانت قاطعة وصريحة، مجلسا ورئيسا، برفضها استقبال مخيمات جديدة في نطاقها البلدي. وقال رئيس البلدية جهاد المعلم: "نحن في قب الياس ما فينا يكفينا، يوجد لدينا اكثر من 40 الف لاجىء، و 34 مخيما بين البيوت والاراضي الزراعية". وقال ان موقف المجلس البلدي كان أن "قب الياس ما عادت قادرة على استيعاب مزيد من اللاجئين والمخيمات".


إذاً اللاجئون متروكون ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، وتسود البلبلة المخيمات، فثمة من يظن، متعلقاً بحبال شائعة، انه جرى صرف النظر عن القرار، فيما يؤكد المصدر الامني لـ "النهار" ان الاثنين المقبل هو الموعد لبدء الازالة مع الاخذ في الاعتبار الظروف الانسانية حيث يقتضي بافساح بعض الوقت لاستكمال ازالة الخيم او ايجاد موقع جديد، لكن القرار حاسم لجهة الانتقال.



 


والانتقال لسكان المخيمات، لا يعني فقط رحلة بحث شاقة عن مكان بديل، بل يعني أعباء اضافية. فمنهم من دفع بدل ايجار مساحة خيمته مسبقاً لصاحب الارض لن يتمكن من استعادته، وسيتوجب عليه دفع بدل إيجار جديد للخيمة في الموقع الجديد. ثم ان إزالة الخيمة تعني أضراراً في الشوادر والاخشاب المستخدمة في بنائها، والتي لن تعود صالحة للإستخدام، الى كلفة صبّ أرضية باطون جديدة، ناهيك عن ايجار النقل. لكن الاصعب هو في هذه الغربة المستمرة للاجئين السوريين التي بدأوها عن وطنهم، وتلاحقهم في بلد اللجوء. فمنهم من يكابد الانتقال للمرة الثانية ومنهم الثالثة، ودائما إنفاذا لقرار بدواع أمنية، من سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية الى محيط الطريق العام في دير زنون، والآن من محيط القاعدة الجوية في رياق. ومنهم من صار لهم ما بين 3 الى 5 سنوات مقيمين في مخيمهم، حيث بنوا نوعا من الاستقرار وسط مجتمع المخيم، وتآلفوا مع المكان وأهله، ووجدوا أعمالاً، وأرسلوا أولادهم الى المدارس، والانتقال سيعني تقطيع كل هذه الروابط، فأخشى ما تخشاه إحدى السيدات هو التفريق بينهم كجماعات واقرباء، فيما تسألنا سيدة أخرى إن كان عليها أن تدفع إيجار شهر نيسان لمالك الارض أو تمتنع عن ذلك، "سنبقى ام سنرحل؟"، وتشكو ثالثة من أن إحدى المدارس التي كان يرتادها أطفالها إمتنعت عن استقبالهم منذ صدور قرار ترحيل المخيمات، فالاسوأ هو انقطاع الاولاد عن متابعة دراستهم، في وقت لم يبق أكثر من أسابيع على نهاية العام الدراسي. إلا أن السؤال الذي لا يجد له اللاجئون جواباً هو: "ما الخطر الذي نشكله على قاعدة رياق الجوية، وأين نحن منها؟ وإذا أرادونا أن نرحل لماذا لا يؤمنون لنا أماكن بديلة تستوفي الشروط المقبولة لدى الدولة اللبنانية أمنياً واجتماعياً ولمرة أخيرة؟".



(الصور لدانييل خياط).


تسعى المفوضية العليا في الامم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، بحسب المتحدثة باسمها دانا سليمان، لدى السلطات اللبنانية الى تمديد المهلة المعطاة للمخيمات في محيط قاعدة رياق الجوية، "لأن ثمة اشخاصا استثمروا في خيمهم وصار لهم سنوات، وثمة خسارات مادية، الى جانب الخسارات الاخرى المتمثلة بالمدارس وتفاصيل حياة الانسان اليومية والعادية. نحاول ان نمدد المهلة الى ان يجدوا الحل البديل في ظل مشكلة الحصول على موافقة البلديات على انتقال المخيمات إلى نطاقها البلدي، وضيق القدرة الإستيعابية في البقاع، الى جانب ارتفاع الاسعار". في هذا الوقت تعمل المفوضية على مساعدة العائلات، على ما تقول سليمان، من خلال "استطلاع حاجاتهم إذا كانت هناك مساعدات مادية معينة على صعيد الايواء، أو ثمة أشخاص من ذوي الحاجات الخاصة، فنحن نتابع الامور وعلى تواصل مع العائلات". ومن الأمور التي توليها أهمية هي "أن يتابع الأولاد دراستهم، لكن العملية ستأخذ وقتا ولا تحل بلحظة، ونحن ننظر في كل هذه التفاصيل بدقة والاولاد هم الأهم".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم