الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أنصاف النساء

عصمت فاعور- ناشطة
أنصاف النساء
أنصاف النساء
A+ A-

معتوهة تلك الأنوثة إن لم تكن على سجيتها محطمة للقيود وللقوالب، فالغزل مرفوض لا قيمة له وإن جسّد #المرأة إلهة بين سطور الشعر وهي عديمة القدرة في الواقع. رديئة النظم المشبوكة كمظلة فوق رأسها، حتى لو حدث خرق فيها من هنا وهناك، فالمظلة لا تزال موجودة ولا بد من عاصفة تقتلعها إلى الأبد. قامت الثورات والتحركات العربية والمرأة شبه غائبة أو مغيبة حتى الإعلام شارك بعض الأحيان في تغييبها، وثمة من عمل على إقصائها بشتى الطرق، التحرش والاغتصاب والفتاوى والعيب والحرام والقوالب والأعراف المعدّة للمرأة بأدوار ثانوية مخزية، يا لخيبة مجتمعاتنا.


ثوراتنا ومقاوماتنا كشفت جميع الإفرازات الذكورية، ومع ذلك فكل تحرك لا تكون المرأة عماده، وفي واجهته، سيصبح لاحقاً نسخة عما تدعون محاربته، هو طاغية، هو مستبد، هو محتل، هو قافية ثورة ستظل تعرج بنا وبأبنائنا نحو الهاوية، ألم ندرك اليوم وبمراجعة ذاتية أن المرأة ليست من الخيال وليست فقط للشعر؟ إنها شريكة للقيادة، للفعل وليس المفعول به كما يحسب البعض وهم كثر للمناسبة.


الرجل الذكوري لا يمكنه أن يكون مستفزاً بقدر المرأة الجلادة. الجلادة التي تشبه السجان الذي يمتهن تعذيب الأسرى في السجون دفاعاً عن نظام ما. إنهن أسوأ النماذج المؤذية للمرأة.
النساء الجلادات هن الوجه المقموع والمعنف لهذا المجتمع، الذي يعود ليمارس ما مورس عليه كنوع من التنفيس، إنها سادية أنثوية ناتجة من ذكورية مفرطة، هذه النماذج يوجد منها نماذج أمهات أكثر تشدداً مع بناتهن من الزوج لأنهن تعرضن لنفس العنف والقمع في صباهن، يمارسن عنفهن بشكل لا إرادي على بناتهن.
ويوجد منهن نماذج قياديات في المجتمع والسياسة، وظيفتهن حماية المنظومة الذكورية وقيمها، نساء يبالغن بمحاضرات العفة لإثبات حسن نيتهن تجاه الأنظمة وجدارة إنتمائهن إليها، ومنهن ناشطات حقوقيات ونسويات يمضغن كل ما وصلهن من مفاهيم نسوية، وعندما ينقض المجتمع الذكوري على امرأة يكن أول المحاربين ضدها، ليثبتن لأنفسهن إنهن رياديات المجتمع الأنثوي، ومنهن انفصاميات من يقفن على الحياد السلبي خوفاً من المواجهة وخسارة رصيدهن وبالوقت عينه يحملن راية المرأة المستضعفة أو ذاك الحياد الخبيث المقصود منه تأييد الرابح.


عفن كثير موجود في مجتمعاتنا يجب مواجهته، والمعركة لم تعد مع الرجل فقط، المعركة مع أنفسنا أولاً، الرجل يأتي بالمرتبة الثانية ومع ذلك ثمة جزء من الرجال داعم لتحرر المرأة وجاهز ليكون فدائياً لقضية تحررها إذ أرادت القيام بذلك.


هل توافق المرأة أن يكون النضال النسوي بين مطرقتين؟ الأولى: مطرقة العداء المفرط للرجل. أو الثانية، استعراض أمام المجتمع الذكوري باسم الدفاع عن المرأة وحمايتها؟ وماذا عن انحناء الخطاب النسوي إلى السقف الذي يضعه المجتمع الذكوري؟ ماذا يصبح في تلك اللحظة النضال النسوي؟ لنقل إنه جزء من تقديم الطاعة للمجتمع الذكوري ولكن من نافذة الدفاع عن حقوق المرأة وتحررها، فيتحول الخطاب النسوي إلى خطاب توفيقي.
بين ما يريد المجتمع سماعه وبين المبادئ النسوية ثمة مشكلة كبيرة، معظم النسويات يلجأن أو يحتمين بحمل قضية الحقوق السياسية والقوانين المتعلقة بالمرأة وهو الطريق الأسلم والمقبول مجتمعياً. فمن البديهي أن يكون حق المرأة في إعطاء الجنسية مقدساً، وحقها بحياة بعيدة من العنف أيضاً مقدساً، مع أن هذا النوع من القضايا يتطلب نضال الجنسين أصلا لأن العنف الممارس على المرأة يؤلم أباها أكثر، ويؤلم أخاها أكثر، ويؤلم ابنها أكثر، إنهم معنيون بهذه القضية أيضا لأن الجرح يصيب الجميع هنا.


بالتوزاي مع النضال لوقف الظلم القانوني والسياسي والاقتصادي، ثمة عامل نفسي يخص المرأة وحدها، نتيجة سطوة الأعراف الذكورية على عقلها ووجدانها وتربيتها. كيف تتحرر من كل ذلك عندما تصبح سيدة على أفكارها وحياتها من دون أي ضغوط وأعراف تُحدد لها كيف تتصرف مع جسدها؟ فالمرأة غير القادرة على تحرير نفسها من نفسها أمام المرآة هي غير قادرة على مواجهة المجتمع، هي إن ناضلت قد تصل إلى بعض المساواة مع الرجل بالحقوق المدنية والسياسية ولكنها لن تشعر بالتحرر من تأثرها الدائم بنظرته لها.


المشكلة الأكبر هي أن النساء يتهافتن ليكن صورة مثالية للمرأة التي تعجب مجتمعها، تقدم كل البراهين على انها تتمتع بالطهارة والنقاء والولاء، تختبئ من ذاتها ولا تتجرأ على التعبير عن نفسها وعن أمور تخصها وحدها وتخص جسدها خوفاً من هواجس كثيرة تحاصرها، وأهمها ردات الفعل التي تتعرض لها. هي بالتأكيد تخاف من خسارة رضى المجتمع عليها. عندما تقمع المرأة رغباتها والتعويض عن إنسانيتها بما يريده المحيط القريب والبعيد، تقع في دوامة الانكسار واللا تحرر. حتى لو انتزعت ألف حق فلن يعزز ذلك ثقتها بنفسها وبجسدها.


تحرر الجسد هو جزء من تحرر المرأة، ونفي ذلك وإلغائه من الوجود هو التطرف وقلة الأخلاق وليس العكس. التغيير له اتجاهان متوازيان: التغيير الذي ينطلق من ذاتها وجسدها هو ما يتطلبه النضال النسوي حصراً، أما التغيير لتحصيل الحقوق المتساوية مع الرجل فيتطلب نضالاً مشتركاً من الجنسين معاً.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم