الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

2015-2016: ليس بالإرهاب وحده يبتلي الشرق الأوسط

المصدر: "النهار"
امين قمورية
2015-2016: ليس بالإرهاب وحده يبتلي الشرق الأوسط
2015-2016: ليس بالإرهاب وحده يبتلي الشرق الأوسط
A+ A-

 2015 كانت سنة #الإرهاب من أولها الى آخرها ولم ينافسها على عرش السنوات "الإرهابية" سوى عام 2011 الذي شهد انهيار البرجين في نيويورك وما تلاه من أحداث غيّرت وجه العالم، علماً ان الإرهاب الحاضر، لا سيما منه إرهاب "داعش"، أضاف بصمات بشعة على سجلّ التوحش البشري بالتفنّن في حز الاعناق وقطع الرؤوس وشوي الاجساد وكثافة الانتحاريين وانتشارهم على امتداد الخريطة الكونية، ابتداء من لاهور وكراتشي وكابول وصولاً الى قلب باريس وكاليفورنيا، مروراً بالضاحية البيروتية وسيناء وتونس وأنقرة وباماكو، في وقت لم يهدأ ابدا مسلسل القتل اليومي في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال ونيجيريا.


لا شك في ان هذا التوحش تصدّر الشاشات والاخبار والعناوين الرئيسية، وفرض اجندات سياسية وتحوّلات عميقة في المشهد الدولي، لعلّ أبرزها تحوّل شرق البحر الابيض المتوسط وبلاد الشام الى بحيرة حربية يتجمع فيها كل اشكال السلاح والطائرات والمدمّرات والاساطيل المتعددة الجنسية. لكن الاهم انه حجب الانظار عن احداث عالمية غاية في الاهمية، من شأنها اذا ما ترسخت ان ترسم مستقبلا مغايرا للبشرية، ويؤسس لقرية كونية جديدة لها في آن تداعياتها السلبية والايجابية. مع الاخذ في الاعتبار ان بعض هذه الاحداث مرتبطة بظواهر وعوامل شكّلت او تشكّل سببًا من اسباب الاضطراب والإرهاب في المنطقة. وهي ستكون الى الإرهاب في صدارة عناوين العام المقبل.
ابرز هذه الاحداث اتفاق باريس لمكافحة التغيير المناخي، الذي جرى قبل نهاية العام بقليل، ويلزم الولايات المتحدة والصين وما يقرب من 200 دولة أخرى بالحد من الانبعاثات المسبّبة للاحتباس الحراري، واتخاذ إجراءات أخرى لمكافحة هذه الظاهرة، وربما يكون نقطة تحول في تاريخ الأزمة المناخية العالمية.


وجاء مؤتمر باريس ليؤكد على التداخل المتصاعد بين تهديدات الأمن التقليدي ذات الطابع الأمني والعسكري التي تتمحور حول الدول، وتهديدات الأمن غير التقليدي البيئي والمجتمعي والإنساني التي تتمحور حول المجتمعات والأفراد، ومن ثم أضحت ظاهرة تغيّر المناخ تتسبب في تهديدات أمنية مثل الصراعات الداخلية والإرهاب وعدم الاستقرار.


وعلى رغم عدم تجاوز إسهام منطقة الشرق الأوسط في الانبعاثات الحرارية، بالمقارنة بالدول الأكثر تقدماً، إلا أنها الأكثر تضرراً من تداعيات التغير المناخي، حيث تسببت موجات الجفاف والتصحر في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وتراجع منسوب المياه في الأنهار، وتآكل الثورة التعليمية، مما أجج الصراعات على الموارد.


ومثالا على ذلك اورد الخبير الدولي جون وتربري في دراسة عن "الاقتصاد السياسي للمناخ في المنطقة العربية" عام 2013، ان موجات الجفاف السابقة لعام 2011 أدّت الى تدمير الأراضي الزراعية في شرق سوريا التي ينتفع منها ما لا يقل عن 800 ألف شخص، وتسببت في نفوق ما لا يقل عن 85 في المئة من الثروة الحيوانية الخاصة، وتسبّب ذلك في نزوح سكان المناطق الريفية للبحث عن فرص للعمل في المدن الكبرى، واسسوا حزامًا من التجمعات العشوائية الطرفية التي تحيط بالمدن الكبرى مثل حماة وحمص ودرعا، وهو ما أسهم في تفجّر الصراع في سوريا عقب استخدام نظام الرئيس بشار الأسد للقوة العسكرية ضدهم.


ينطبق الأمر ذاته على الصراع في درافور بالسودان، حيث انخفاض معدل سقوط الأمطار بنسبة 30 في المئة وتراجع الإنتاج الزراعي بنسبة 70 في المئة وارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوي بمعدل 1.5 درجة مما أدى إلى تفجّر الصراع بين القبائل الرعوية والقبائل العاملة بالزراعة نتيجة الصراع على مراعى الماشية.


وتتضح أهمية الموارد لدى التنظيمات الإرهابية في سعي تنظيم "داعش" للسيطرة على سدود الفلوجة والموصل في العراق، ومناطق زمار وسنجار وربيعة، بهدف التحكّم في مياه نهري دجلة والفرات في العراق، والموارد المائية في سوريا، فضلاً عن السيطرة على المناطق الخصبة القابلة للزراعة في الدولتين.


كما أكدت دراسة أعدها أرون سيان صادرة عن معهد السلام الأميركي في 2011، إلى أن نشأة تنظيم "بوكوحرام" في نيجيريا ترجع إلى التحولات البيئية وتغير المناخ، حيث ارتبط تأسيس مروي محمد للتنظيم في الثمانينات بانتشار ضحايا الأزمات البيئية في نيجيريا، وافتقادهم للطعام والمأوى والاحتياجات المعيشية الأساسية، وفي مرحلة تالية افاد "بوكو حرام" من هجرة 200 ألف مزارع تشادي إلى نيجيريا عقب موجات الجفاف والتصحر في تشاد، حيث جنّد عدد كبير من النازحين التشاديين ضمن مقاتليه.
كما أدت التغيرات المناخية أيضاً لمضاعفة تهديدات الأمن الإنساني. وتكاد تتفق أغلب الدراسات البيئية على أن تغير المناخ من المرجح أن يؤدي لزيادة النازحين واللاجئين في منطقة الشرق الأوسط، حيث يتوقع أن يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر، خاصة في البحر المتوسط، إلى نزوح نحو 3.8 ملايين شخص من سكان دلتا النيل والسواحل إلى المناطق الداخلية، وفق تقرير البنك الدولي الصادر في 2014، يضاف إلى ذلك أن مدنًا ساحلية مثل الإسكندرية، مصر وبنغازي، ليبيا والجزائر، باتت معرضة للغرق نتيجة ارتفاع مستويات البحر المتوسط.
وتاليا يمكن القول إن التهديدات الناجمة عن التغير المناخي باتت تتجاوز نطاقات الأمن البيئي والأمن المجتمعي والإنساني، وأضحت ترتبط بالأمن التقليدي والاستقرار الداخلي في منطقة الشرق الأوسط.
الاتفاق خبر جيد على رغم المقاومة الضمنية له من بعض الدول الكبرى، لكن في ظل تفكك دول عربية اساسية، وضعف دور الدولة في بلدان اخرى، والغياب شبه التام لمؤسسات المجتمع المدني، وعدم قدرة هذه الدول على تلبية الاجراءات الضروية التي أرساها اتفاق باريس، يظل الخطر البيئي والمناخي قائمًا وتظلّ تداعياته السلبية قائمة في المنطقة وعلى اهلها.


اسعار النفط
الامر الثاني المهم الذي شهده العالم هذا العام، هو انهيار اسعار #النفط التي بلغت أدنى مستوياتها منذ سبع سنوات، ما أدّى إلى تكهّنات واسعة بأننا نتّجه نحو "نهاية النفط". وتشير الوفرة في إمدادات النفط العالمية، والتكنولوجيات الجديدة لإنتاج الطاقة الخضراء واتفاق باريس للمناخ، إلى الحد من إنتاج النفط على المدى الطويل، وعوامل أخرى، إلى أننا قد نشهد انخفاضاً مستمراً - وربما دائماً - في أسعار النفط، وفعلا، فإن تراجع أسعار النفط قد تسبّب في حدوث أضرار اقتصادية في فنزويلا وروسيا والسعودية وغيرها من الدول المنتجة للبترول، وربما تؤدي إلى تآكل النفوذ الديبلوماسي السابق للدول النفطية بشكل دائم.
وقد يترك هبوط أسعار النفط آثارًا واسعة النطاق على الدول المنتجة للنفط وغالبيتها هي دول شرق اوسطية، ابتداء من معدل النمو الاقتصادي إلى توازن الموازنة وسعر العملة الوطنية وميزان المدفوعات والبطالة وتدفق الاستثمارات إلى الخارج وتوقف البدء في إنشاء مشروعات جديدة، خصوصا مشروعات البنية الأساسية المكلفة.
وحسب البنك الدولي، فإن صدمة أسعار النفط تجلب تحديات معقدة لآفاق النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا يحتاج الامر كثيرا إلى معرفة ان الفقر والاهمال والتهميش والتخلّف، كلها عوامل تشكل بيئة صالحة لعدم الاستقرار الامني والاجتماعي، وتاليا للإرهاب لا سيما في مجتمعات اعتادت على انتاج هذه الظاهرة وصارت شكلا من اشكال ثقافتها. وكما ان الحرب المعلنة على الإرهاب والتي تدّعي بعض الدول الشرق اوسطية (الغنية بمواردها النفطية) مشاركتها فيها، ستنتأثّر بدورها بفعل تراجع مواردها المالية.


تفكك الاتحاد الاوروبي


الامر الاخر الذي ترك بصمة واضحة في العام المنصرم، هو التلويح بتفكك الاتحاد الاوروبي، بفعل ازمة الديون اليونانية، والأهم بفعل سيل اللاجئين من سوريا والعراق والدول الاخرى، التي تواجه الاضطراب الامني والإرهاب على انواعه في الشرق الاوسط. ومع انها ليست المرة الأولى التي تواجه فيها دول الكتلة الـ 28 مشكلة، إلا أن رئيس المفوضية الأوروبية خوان كلود يونكر أقرّ بأن "قصة حب" أوروبا مع التكامل ربما تنتهي. وهذا حتما ليس خبرًا سارًّا لمنطقتنا التي ستكون اول المتضررين من تراجع دور جارتها الاوروبية التي ترتبط بها بروابط عدة. مع التذكير بأن السدود اللازمة لمنع تدفق سيول اللاجئين مرشحة لمزيد من الشقوق والانهيارات.


الشركة الباسيفيكية


حدث آخر بارز سجل عام 2015 ، وهو اتفاق الشركة التجارية عبر الهادي، الذي جرى التوصل إليه بين الولايات المتحدة واليابان وأوستراليا وكندا والمكسيك وبيرو وتشيلي وخمس دول أخرى مطلة على المحيط الهادي، ويمثل الاتفاق التجاري 40 في المئة من اقتصاد العالم، وهو جهد مموّه بذلته الولايات المتحدة واليابان لمواجهة النفوذ الاقتصادي للصين في المحيط الهادي.


المؤشر الاول لهذا الاتفاق هو انتقال قلب العالم من المتوسط والاطلسي الى المقلب الآخر من العالم وتاليا استئثاره باهتمام العواصم الكبرى. وفي ظلّ العجز العربي عن إيجاد حلول للقضايا العربية المستعصية وتكالب الدول الاقليمية الصغرى والكبرى على قضم الخريطة العربية وتنازعها، فإن تغييب هذه المنطقة عن دائرة الاهتمام الدولي وتجاهلها لملفاتها المعقدة ليس بالضرورة خبرًا مفرحًا لأهل الشرق الاوسط لا سيما العرب منهم.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم