إعادة توحيد قبرص ... للشرق المتوسّط أخباره السارّة أيضاً؟

بعد انتظار دام أكثر من 40 سنة، يستبشر القبارصة اليونانيّون والأتراك خيراً من التطوّرات الأخيرة، لجهة إعادة توحيد جزيرتهم. فمنذ استقلال #قبرص عن #بريطانيا سنة 1960 وانقسام الشعبين بحكم الأمر الواقع سنة 1974 وإعلان إنشاء جمهوريّة شمال قبرص التركيّة سنة 1983، تفتقد الجزيرة للاستقرار والتواصلِ بين شعبيها المفصولين بمنطقة عازلة تقارب مساحتها 250 كيلومتراً مربّعاً.

مؤشّرات كثيرة تشير الى أنّ الأوضاع على وشك التحوّل ... الى الأفضل، على عكس التحوّلات في المنطقة ربّما. وزيرة خارجيّة قبرص التركيّة #أمينة_تشولاك تحدّثت في مؤتمر صحافي عقدته في #واشنطن عن ديناميّات عدّة برزت في أوقات مختلفة منعت القبارصة من التوحّد. وتابعت الحديث عن تطوّرات إيجابيّة تسهّل ذلك الحدث المنتظر. صحيح أنّ جمهوريّة شمال قبرص لا تتمتّع باعتراف دولي، باستثناء الاعتراف التركي بها، لكنّ حديث وزيرة الخارجيّة سيكون له تداعيات أكثر إيجابيّة على الأجواء العامّة.

تشولاك تطرّقت أيضاً الى ما أسمته "الكيمياء الشخصيّة غير الاعتياديّة بين رئيس جمهوريّة قبرص اليونانيّة #نيكوس_أناستاسيادس ورئيس جمهوريّة قبرص التركيّة #مصطفى_أقنجي" اللذين اجتمعا في أيّار الماضي ضمن الخط الأخضر الفاصل بين شطري الجزيرة. وكان المستشار الخاص للأمين العام للأمم المتّحدة لشؤون قبرص إسبن بارث إيدي أبدى تفاؤله حينذاك بالأجواء الإيجابيّة التي سادت المحادثات بين الطرفين. وفي السادس عشر من هذا الشهر، أشار أمين عام الأمم المتّحدة #بان_كي_مون الى نفس الأجواء بالنسبة الى المسار الجديد الذي يسلكه القبارصة منذ فترة. علماً أنّ سلفه #كوفي_أنان كان قد وضع خطّة لتوحيد الجزيرة لكنّها رفضت عام 2004 ضمن استفتاء الشعب القبرصيّ اليونانيّ على مضمونها.

وكانت هناك نقاط عدّة خلافيّة بين الجانبين منها حقوق الملكيّة والتعويض عن الأضرار التي نزلت بالطرفين جرّاء النزاعات التي شهدتها البلاد على مدى سنوات. وعرضت تشولاك لخطوة إضافةِ معبرين ضمن الخط الأخضر وشبكةٍ كهربائيّةٍ موحّدة لكامل الجزيرة وشبكة أخرى للاتصالات الخلويّة.

ونقلت صحيفة "الواشنطن تايمس" الأميركيّة أنّ رئيسي شطري البلاد وافقا أيضاً على إنشاء لجنة "ثنائيّة الاثنيّة" من أجل النظر في قضايا الملكيّة ومطالب التعويض المختلفة. ورأت الصحيفة أنّ اكتشاف حقول جديدة للغاز قرب الجزيرة واحتمال أن تسلك الصادرات طريقها الى أوروبّا عبر تركيا وفّرت توقيتاً جيّداً للوصول الى تسوية سياسيّة.

معهد "ستراتفور" الأميركي يؤكّد الأجواء نفسها بالنسبة الى إعادة التوحيد ويقول إنّ الجزيرة أقرب الى تلك الخطوة من أيّ وقت مضى. ويضيف أنّ الرئيسين اتفقا على مناقشة دولة فيديراليّة بمنطقتين تحترمان وجود الأقلّيّة التركيّة في شمال البلاد والأقلّيّة اليونانيّة في جنوبها. وقد تشهد المراحل الأولى لإعادة التوحيد مراقبة خارجيّة ينفّذها كلّ من #الاتحاد_الأوروبي و#الأمم_المتّحدة.

ويرى المعهد فائدة اقتصاديّة كبيرة من وراء التوحيد. فبحسب دراسة صادرة عن "مركز قبرص لأبحاث السلام" سيؤدّي توحيد الشطرين الى زيادة الدخل الفردي بحوالي 1860 دولاراً خلال السنوات الخمس الأولى. وستطال الإيجابيّات القطاع السياحي كما سوق العمل عبر خلق وظائف جديدة، بطريقة "تسمح بوضع أزمتها الاقتصاديّة خلفها". ويرى المعهد أنّ استغلال مخزونات الطاقة يدخل في الحسابات. ففي جنوب قبرص يبرز حقل "أفروديت" الذي يضم 4 تريليونات قدم مكعّب من الغاز الطبيعي. ولكون الخلافات مع تركيا حول منطقة اقتصاديّة يقع فيها الحقل قد تعيق مشاريع الحكومة القبرصيّة، يبدو حلّ الخلافات مع قبرص التركيّة حلّاً إيجابيّاً يرجّح تسهيل أعمال التنقيب والتصدير.

وفي بداية هذا الشهر، كان وزير الخارجيّة الأميركي #جون_كيري قد انضمّ الى الأصوات المتفائلة ببشرى التغيير الايجابي وقال:"أنا مقتنع أكثر من أيّ وقت مضى بأنّ حلّاً للانقسام الطويل الذي شهدته قبرص هو في المتناول". جاء هذا الكلام بعد أيّام على لقاء-قمّة إيجابيّ آخر عقد بين الاتحاد الاوروبي وتركيا حيث خرج المجتمعون آنذاك بأجواء خير أيضاً.

البروفسور في التاريخ والعلوم السياسيّة في جامعة نيقوسيا هوبرت فوستمان، وفي حديث مع صحيفة "الغارديان" البريطانيّة في تشرين الأوّل الماضي، تطرّق الى ما عدّه أمراً جوهريّاً في مسألة إعادة توحيد قبرص: موافقة أردوغان.

فالرئيس التركي #رجب_طيب_أردوغان مفتاح أساسي لباب أوصد فترات طويلة. وفي هذا المجال قال فوستمان للصحيفة نفسها:" السخرية هي أنّ أردوغان القويّ، أردوغان المتسلّط هو حلّ جيّد لمشكلة قبرص". ومن هنا تشير "الغارديان" الى أنّه على رغم احتفاظ #تركيا بنحو 35000 جنديّ تركي في الجزيرة، فإنّ أردوغان تحدّث مراراً عن وجوب التوصّل الى تسوية سياسيّة، "معرباً عن إحباط تجاه الأنماط العلمانيّة للقبارصة الاتراك وكلفة تمويل دويلتهم الخاصّة".

والى جانب فوستمان، تحدّث أيضاً هاري تزيميتراس، رئيس "مركز قبرص لأبحاث السلام" عن أنّ التسوية قد تزيل حاجزاً مهمّاً من بين تلك التي تحول دون انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي. وتسمح التسوية أيضاً بتطوير علاقات تركيا مع الغرب بشكل عام بالاضافة الى تحسين علاقاتها مع جارتها اليونان. وسيكسب أردوغان بعض النقاط الايجابيّة في الداخل التركي أيضاً. ولذلك، يبدو أنّ الأجواء التركيّة بشكل عام مسهّلة أو على الأقل غير رافضة، حتّى الآن، لمساعي التوصّل الى حلول مرضية.

وبالحديث عن القبارصة الأتراك العلمانيّين، كتب بن رايت في صحيفة "التيليغراف" البريطانيّة يتحدّث عن أنّ هؤلاء هم "واحد من أكثر المجتمعات المسلمة علمنةً في العالم" وفي نفس الوقت يريدون "الهرب من ظلّ التسلّط المتصاعد" للرئيس التركي. وعلى رغم ذلك، يرى الكاتب منافع استراتيجيّة كبيرة من إعادة توحيد الجزيرة. فازدياد أعداد المهاجرين من سوريا الى أوروبا، ارتفاع منسوب تهديد المتطرّفين للغرب، والتوتّر الروسي التركي، عوامل دفعت الى تحريك الملف القبرصي بوتيرة أسرع من قبل. فقبرص التي تقع في أقصى شرق الاتحاد الأوروبي باتت ذات أهمّيّة كبرى بالنسبة الى تلك الدول لأنّها البوّابة الجنوبيّة الشرقيّة له تجاه دول الشرق الأوسط.

وانطلاقاً من هنا ستتّجه الأنظار أكثر الى آفاق التحرّك القبرصي الداخلي وانتهاز الديبلوماسيّة الأمميّة الفرصة لملاقاة هذا التحرّك من أجل طيّ صفحة طويلة من النزاع والتباعد وفتح واحدة جديدة تجلب الرخاء والاستقرار للجزيرة القبرصيّة. علّ #اليونان و#تركيا ودول #الاتحاد_الأوروبّي تتأثّر إيجاباً من تلك التسوية التاريخيّة التي قد تبصر النور بأسرع ممّا توقّع البعض.