الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الشرق والغرب: من سيقوم بمراجعة أسباب الإنحطاط؟

المصدر: "النهار"
رامي الريس
الشرق والغرب: من سيقوم بمراجعة أسباب الإنحطاط؟
الشرق والغرب: من سيقوم بمراجعة أسباب الإنحطاط؟
A+ A-

حق لكل مراقب، مواطن، محلل، مفكر، فيلسوف، باحث أو مطلق إنسان، أن يتساءل: كيف وصلنا إلى هنا؟ ما العناصر والمسببات التي جعلت أمة سبق لها أن حققت فتوحات وصلت إلى مشارف الأندلس ودقت أبواب أوروبا، أن تنحدر إلى هذا الدرك من الإنحطاط القيمي والأخلاقي والسياسي؟ من حق أيٍّ ممن ذكرتُ صفاتهم أعلاه التساؤل: كيف السبيل للخروج من هذا الواقع المأزوم الآخذ في التعقيد والتطرف بشكل جنوني يلامس جوهر الوجود البشري وعمق مبرراته؟
قال أحدهم: "إذا كان التعصب هو داء الكاثوليكية والنازية مرض ألمانيا، فمن المؤكد أن الأصولية هي داء الإسلام". هناك من يعتبر أن الأمة الإسلامية، في مكانٍ ما، تعيش أزمة غلبتها في ما مضى من القرون، التي كانت بداياتها في القرن الرابع عشر، إلا أن حدّها الفاصل كان في القرن الثامن عشر مع حملة نابوليون بونابرت على مصر. لم تكن الغزوة منفصلة عن نزاع الهويات، والإنتماءات. إنها رد الغرب على تقدم الشرق.
قد تكون العودة إلى الكتاب المرجعي للمفكر إدوارد سعيد، "الإستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء"، ضرورية في هذه الحقبة، ولا سيّما أن مستويات سوء الفهم والكراهية والحقد بين الشرق والغرب آخذة في التصاعد التدريجي والسريع، وخصوصاً أن الكاتب حاول رسم العلاقة الجدلية بين الشرق والغرب انطلاقاً من الموروثات الثقافية والاعتبارات التاريخيّة والسياسيّة.



لكن قبل التوجه إلى فهم المسببات الخارجيّة التي تقاطعت في ما بينها لتوليد هذا القدر من التراجع، إن لم يكن الإنهزام والإستسلام، وبعيداً من نظريّة المؤامرة التي فعلت فعلها في العالم العربي واستخدمتها الأنظمة كفزاعة لقهر الشعوب والتمادي في سجنها؛ قد يكون البحث عن الأسباب الداخلية أجدى وأهم، ولا سيّما أنه يكشف عن المحاولات الحثيثة التي بذلها بعض المفكرين لإعادة بناء الترابط بين التعاليم الدينية والمقتضيات العقليّة. وكانت ثمة جهود مشهودة لإعادة تظهير ما في التعاليم الإسلامية من عناصر عقلانية تسمح بالإنفتاح على الحداثة.
لعل هذه الإشكاليّة مرتبطة بإعادة تعريف الحداثة التي قد يعتبر البعض أنها أصبحت تتصل بثورة المعلومات والتكنولوجيا التي تركت وتترك آثاراً بالغة الأهميّة، في إيجابياتها وسلبياتها، على المجتمعات المعاصرة. الدليل أن المجموعات المتطرفة تستند إلى الإعلام الحديث ووسائل التواصل الإجتماعي في بث فيديوات الرعب والذبح والقتل الذي تتفنن فيه بسادية فظة ومقززة.
المطلوب في هذه اللحظة قيام خطاب إسلامي جامع، بعيداً عن مجرد الإستنكار والإدانة، يؤكد مرة جديدة التعاليم والقيم الأساسيّة التي قد تكون عمدت بعض الجهات أو الجماعات، عن قصد أو غير قصد، إلى تشويهها، فضربت مرتكزاتها الأخلاقيّة والفكريّة ورسمت لها، بالدم والحديد والنار، مساحات مختلفة عن مسارها الأصلي. وهي بذلك، لا تعود إلى الأصول، بل تطيحها وتعيد تركيبها بما يتناسب مع مصالحها الآنية التي غالباً ما تكون غير مرتبطة بالدين أو مندرجاته!
وإذا كان بعض الغرب يتلطى خلف عناوين براقة مثل الحريات العامة وحقوق الإنسان والديموقراطيّة لإمرار الكثير من مصالحه الإقتصادية والنفطيّة على حساب الشعوب وحقوقها المشروعة، والدليل تحالفاته غير المخفية مع العديد من الأنظمة التوتاليتارية تحقيقاً لهذه الأهداف، فإن المنطقة العربية مدعوة كذلك للإنتفاض ضد أولئك الذين يلوّحون بالشعارات الدينية ضماناً لمصالحهم التي لا تمت إلى العقائد المقدسة بصلة!



وإذا كان المطلوب، في مجال آخر، من شعوب المنطقة العربيّة، أن تعيد صوغ مفاهيمها الأساسيّة للحريات، حتى ولو كان ذلك على قاعدة المواءمة مع اتجاهات فكريّة معيّنة تدور في الفلك الديني، قياساً إلى موروثات سياسيّة وتاريخيّة وتقليديّة معينة بعيداً من هيمنة الغرب وتسلطه الذي عبّر في بعض الأحيان عن نفسه من خلال سلطات محليّة متحالفة مع الخارج حفاظاً على ديمومتها (وليس ديمومة أوطانها)؛ فإن المطلوب أيضاً، وبالقدر ذاته، من الغرب أن يعيد تركيب فهمه للشرق بما لا يتطابق بالضرورة مع مصالح الشركات العابرة للقارات، أو أقله ألاّ يبني تلك المفاهيم والمقاربات في تعاطيه مع الشرق من منظار مصالح تلك الشركات بل من منطلقات القيم الإنسانية المترابطة بعضها مع بعض في أنحاء الكرة الأرضيّة.



لقد قدمت حوادث باريس الأخيرة براهين ساطعة وقاطعة أن الحدود الجغرافيّة التي كانت تُحمى في السابق بالإسمنت المسلح والإرتفاعات الشاهقة كجدار برلين الذي انهار في العام 1989، لم تعد كافية لضمان الأمن. لكن الهدف القول إن تنامي سوء الفهم وتفاقمه يؤسسان لتجذير ثقافة العنف والإرهاب ويوسّعان قواعد التطرف ويؤججان مشاعر الإنغلاق والتقوقع ويفسحان المجال أمام استيلاد مبررات لا ترتكز إلى أي فهم إنساني أو إخلاقي أو إجتماعي. إنها ليست نهاية التاريخ لكنها تكاد تكون نهاية الإنسانية!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم