الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سر الغرام التركي بالموصل؟

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
سر الغرام التركي بالموصل؟
سر الغرام التركي بالموصل؟
A+ A-

عام 1934، أجرت عصبة الامم استفتاء في ولاية الموصل لتحديد مصيرها وتبعيتها لاي من المملكة العراقية او الجمهورية التركية بعدما رفضت تركيا، الاعتراف بالحدود الجديدة التي رأت انها فرضت عليها من المنتصرين في الحرب العالمية الاولى. وكانت النتيجة كاسحة لصالح بقاء الموصل ضمن الدولة العراقية. وصوت اهل المدينة من مختلف اطيافها وتلاوينها الطائفية والعرقية، بمن فيهم الاكراد لمصلحة عراقية الموصل، في حين عملت بعض العائلات الموصلية، ممن لها صلات ومصالح بالدولة العثمانية، على الحاق الولاية بالدولة التركية التي تحولت الى جمهورية بعد وصول كمال اتاتورك الى السلطة وانهائه الخلافة العثمانية، بالقصة المعروفة. وكان من بين هذه العائلات آل النجفي وغيرهم من الضباط المتقاعدين والموظفين السابقين في الحكومة العثمانية.


انطوت تلك الصفحة من الجدل العراقي التركي، لكن انقرة ظلت تنظر الى الموصل وملحقاتها،على انها امتدادا عثمانيا للدولة التركية، الحقته الارادة الدولية الاقوى منها، حينذاك، بالعراق. والان وقد صار العراق منقسماً على نفسه فإن تركيا تسعى الى أن تنتزع منه ما تتوهم أنه حق لها.
واي متتبع للتاريخ يلاحظ بأن الجيش التركي لم يتخل طوعاً عن اي منطقة دخلها لاحتلالها او تحت ذريعة تقديم المساعدات. وهذا الجيش أرسل اخيرا قواته الى منطقة بعشيقة الواقعة قرب مدينة الموصل في شمال العراق بموافقة ضمنية من الحزب الديموقراطي الكردستاني الحاكم في كردستان العراق وبطلب من محافظ نينوى السابق اثيل النجيفي من اجل اهداف عدة في مقدمها تحقيق حلم الاتراك التاريخي في السيطرة على الموصل.



وتشير دلالات عدة في التاريخ العراقي الحديث الى ان الاتراك يريدون السيطرة على المناطق النفطية في العراق ومنها كركوك و الموصل. وكان احمد داود اوغلو الذي كان وزيرا للخارجية التركية صرح عام 2009 عندما زار الموصل :"في يوم من الأيام دخل أجدادنا هذه المنطقة وهم يركبون الخيول وسيأتي يوم نعود نحن الى هذه المنطقة و لكن بمعدات حديثة". والآن ها هو الجيش التركي يأخذ راحته في الدخول الى هذه المنطقة و يستقر فيها.


 


وهذه ليست المرة الأولى التي يقتحم فيها الاتراك السيادة العراقية، ذلك انه خلال العقود الماضية، وعندما كان الاكراد يخوضون حربا داخلية بين عامي 1994 و1996 دخل الجيش التركي شمال العراق بطلب من الحزب الديموقراطي الكردستاني العراقي لدعم قوات زعيمه مسعود البارزاني لكن القواعد العسكرية التركية في هذه المنطقة بقيت موجودة حتى الآن ولم يكترث الاتراك بمطالبات حكومة اقليم كردستان العراق لاخلاء هذه القواعد. وبعد عام 2003 ايضا تسبب الجيش التركي بقتل مدنيين عزل في كل المناطق الحدودية مع العراق بذريعة مواجهة "حزب العمال الكردستاني" التركي الانفصالي كما العديد من القرى في قصفه الجوي.



اليوم تتذرع انقرة بالتدخل الايراني الكثيف في الشؤون العراقية، لتبرير تدخلها العسكري في الشمال، وليس خافياً على أحد ان تركيا تعيش حالة منافسة سرية مع ايران التي ترى أنها تقوض مصالحها في العراق وسوريا. إلا أن القادة الأتراك لن يعترفوا بهذا علناً نظراً الى حاجة بلادهم الماسة للغاز الطبيعي والنفط الإيراني لمواصلة نموها الاقتصادي الهائل. ومع ذلك ردت تركيا على التحدي الإيراني عبر بناء نفوذ في الأجزاء الشمالية من كل من العراق وسوريا. فمن خلال توقع تطبيق اللامركزية في سوريا ما بعد الرئيس بشار الأسد والتطلع إلى الافادة من الحكم الذاتي للأكراد في شمال العراق، تحاول تركيا بناء حزام مني واقي على امتداد شمال الهلال الخصيب إلى جانب بناء نفوذ داخل مناطق تمركز السكان الأكراد، فضلاً عن المراكز السكانية الكبيرة مثل حلب والموصل.



وتفيد التسريبات ان القوات التركية في شمال العراق تضم وحدات تابعة للاستخبارات التركية العامة، وأيضا استخبارات الجيش، إلى وحدات تابعة للقوات الخاصة التركية (من ذوي القبعات الزرق والحمر)، والفرقتان معروفتان بالقدرات القتالية العالية في المناطق الجبلية وفي إدارة المواجهات القريبة والقيام بعمليات كشف وتثبيت للمواقع الاستراتيجية للعدو وتوجيه ضربات لمحوها. من هنا، لا يبدو أن مهمة هذه القوات ستقتصر على التدريب بل قد تكون القيام بعمليات محدودة وسريعة في المنطقة تستهدف قادة وأماكن حساسة تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وربما قوات "حزب العمال الكردستاني"، الذي اقترب من مناطق سهل نينوى عقب استعادة البشمركة الكردية مدينة سنجار، ودخول مقاتلي الحزب إلى المدينة بهدف اتخاذها معقلاً لهم عقب خسارتهم في معاركهم مع الجيش التركي في جبال قنديل ومنطقة خاوة وليفيان على الحدود العراقية التركية.



وعلى رغم التكتم التركي النسبي إزاء الخطوة والنيات، والتضارب في المعلومات حول الحدود المرسومة تركيّاً، إلا أن الأكيد يبقى أن أنقرة ستضرب عصافير عدة بحجر واحد: زيادة وجودها العسكري في العراق، بهدف إيجاد حالة من التوازن مع إيران، حيث تعتقد انقرة ان بغداد صارت العاصمة المركزية للتنسيق بين محور إيران وونظام الرئيس الأسد وروسيا.



ومع اتفاق روسيا والولايات المتحدة على "خطة انتقال موقت في سوريا بوجود الاسد"، وعلى دعم حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي في سوريا الذي يعتبر امتدادا لـ"حزب العمال الكردستاني" ، تصبح انقرة اكثر الحاحاً على تدريب البشمركة التابعة للبرزاني ، بهدف أنْ تواجه قوات البيشمركة حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي السوري برياً، بعدما صارت وحدات الحماية الكردية التابعة لهذا الحزب تعتبر أكبر عنصر تهديد بالنسبة لتركيا في الوقت الراهن.


وعدا عن الأهمية التي توليها أنقرة للموصل كأكبر مدينة سنية في العراق، فان هذه المدينة تشكل حاجزاً طبيعياً بين أكراد العراق واكراد سوريا، كما انها تعتبر صاحبة الأولوية بالنسبة للولايات المتحدة للانطلاق منها نحو سحق "داعش" في العراق.
وفي أي حال، وفي حقيقة الأمر فان الدخول العسكري التركي الى شمال العراق كشف المدى الذي بلغه تفكك العراق بعد الغزو الاميركي عام 2003، والى اي مدى صار ملعباً للاخرين لاسيما الايرانيين والاتراك. 


@amine_kam


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم