الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

أين مصر من إعادة تشكيل المنطقة؟

المصدر: "النهار"
أمين قمورية
أين مصر من إعادة تشكيل المنطقة؟
أين مصر من إعادة تشكيل المنطقة؟
A+ A-

تجري الآن إعادة تشكيل المنطقة وتطمح دول عدة للمشاركة ضمن هذه الإعادة، ولهذا نسأل: من هم المشاركون في إعادة تشكيل الخريطة؟ ومن هي الدول العربية التي ستشارك وماهي خططها؟ واي من القوى العظمى ستقدم الدعم لهذه الدول وستتعاون معها؟ وماهي عواقب المشاركة في عملية إعادة التشكيل وعدمها؟


تظهر هذه الأسئلة مجتمعة مدى صعوبة الأمر على المنطقة عموما وعلى القوى الفاعلة خصوصا. فاللعبة هنا تتمثل بالمخاطرة في رهان عشرات السنين المقبلة ومدى الضرر المترتب على ذلك.


روسيا والاوروبيون
واذا كان القرار الاميركي بالابتعاد من الشرق الاوسط للتفرغ لمناطق اخرى اشد اهمية بالنسبة الى استراتيجية واشنطن، احدث فراغا تسارع دول عدة دولية واقليمية الى سده، فان اميركا تظل الغائب الحاضر دوما ولها الكلمة العليا في شؤون المنطقة، تاركة النصف الاخر الفارغ للاخرين يتسابقون لملئه. وعندما سيرت موسكو بداية شهر أيلول جيوشها إلى سوريا، أعلنت قيادتها أنّ الهدف الرئيسي، من هذه الحملة، القضاء على تنظيم "الدّولة الاسلامية" (داعش) وإنهاء المجموعات التي تعارض النظام السوري، وتحارب من أجل إسقاط رأس هذا النظام.


لكن الهدف الحقيقي الكامن وراء التدخل الروسي العسكري في سوريا، واضح للجميع، وهو إثبات وجوده في منطقة الشرق الأوسط، وبسط سيطرته على شرق البحر الأبيض المتوسط، وإبلاغ منافسيها من الغرب، بأنّ روسيا موجودة في هذه المناطق. وبهذه الوسيلة أراد الرئيس فلاديمير #بوتين أنّ يستفيد من حالة عدم الاستقرار في سوريا، لإحكام سيطرته ووجوده في هذه المناطق، كما فعل سابقاً في أوكرانيا وجورجيا.


والحقيقة تُقال، إنّ روسيا نجحت في تطبيق هذه الاستراتيجية خطوة تلوى الأخرى، فمن جهة استطاعت إعطاء جرعة حيوية للنظام السوري الذي كان قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ومن ناحية أخرى تمكنت موسكو من تعزيز قدراتها العسكرية والسياسية ايضاً في منطقة الشرق الأوسط.


إذا ما نظرنا إلى التعزيزات العسكرية والجهود السياسية المبذولة من قِبل الروس للحفاظ على نظام الأسد، نستطيع أن نستنتج بأنّ الروس ينوون البقاء لفترة طويلة في #سوريا. والحقيقة أنّ دعم بوتين للرئيس السوري #بشار_الأسد، ما هو إلّا حجة لترسيخ وجوده في سوريا. ومن غير المعقول أن ترسل روسيا صواريخها المتطورة مثل "اس 300" و"اس 400" فقط من أجل محاربة تنظيم داعش، والإرهابيين. فإرسال الروس لهذه الصواريخ بالتزامن مع الأزمة الحاصلة مع تركيا، وإنشائها لقاعدة عسكرية ثانية في سوريا، يوضّح أنّ هناك سباق في تعزيز القوة بين الدول العظمى في منطقة الشرق الاوسط. فالروس يحاولون التفوق على منافسيهم في هذه المنطقة.


وعقب الاجتماع الأخير لحلف شمال الاطلسي، بدأ عدد من الدول الأعضاء بتسيّر سفنها الحربية إلى المنطقة. فالفرنسيين أرسلوا حاملة الطائرات "شارل ديغول" إلى البحر الأبيض المتوسط، كما ارسلت الدنمارك، سفينة حربية، فيما قررت الحكومة الألمانية إرسال طائرات الـ "تورنادو" إلى قاعدة إنجيرليك العسكرية التركية. أمّا بريطانيا فقد بدأت بقصف مواقع "داعش" في سوريا، بعد موافقة مجلس العموم البريطاني على قرار الحكومة في هذا الشأن. واذا كانت هذه الدول تقول ان هدفها هو القضاء على تنظيم "داعش"، لكن هناك هدف آخر وهو تحقيق التوازن مع الروس في هذه المنطقة. ما يذكرنا بأيام الحرب الباردة التي دارت بين الغرب وروسيا.
تركيا وايران
وخلف الروس والاميركيين والاوروبيين، تتنافس #تركيا و #إيران على قيادة الفعل السياسي على الارض في المنطقة، حيث تسعى كل منهما لبناء منظومة سياسية قادرة على قيادة المنطقة تكون هي محركها الأساسي وصاحبة التأثير الأكبر فيها.
وتعول إيران على ثمار الاتفاق #النووي من أجل دعم مشروعها الرامي للهيمنة على القرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث سيوفر لها الاتفاق النووي سيولة مالية ضخمة يمكن توظيفها في دعم أذرعها الممتدة بالدول المضطربة في المنطقة من العراق الى سوريا الى لبنان الى اليمن والبحرين، كما أنه سيعيد تأهيلها كشريكة وعضوة فاعلة في المجتمع الدولي يمكن التعامل معاه والتعويل عليها في تحقيق مصالح الدول الكبرى بالإقليم.
أما تركيا فقد سعت خلال السنوات الماضية لدعم المد الاسلامي في المنطقة لقناعاتها أن الناتج عن هذه الثورات في حال نجاحها سيكون أنظمة سياسية قريبة في توجهاتها من حزب العدالة التركي، وتاليا سيكون من الممكن التفاهم والتعاون معها لبناء منظومة قادرة على ملء فراغ الهيمنة الناشىء عن الانكفاء الأميركي.


غير أن طول أمد الأزمات وانهيار الدولة الحاصل في سوريا والعراق وضعا الدولة التركية أمام تحديات ومخاطر عدة ناجمة عن بروز الجماعات الإسلامية المتطرفة من جهة، وكذلك ناجمة عن تعاظم طموحات بعض الجماعات الكردية من جهة أخرى، الأمر الذي استوجب التدخل العسكري التركي المباشر على رغم محاولة تجنبه خلال السنوات الماضية، حيث يهدف التدخل العسكري التركي إلى تحقيق عدة أهداف مرحلية تخدم الرؤية المستقبلية لتركيا حول دورها وتموضعها في المنطقة ويحقق شيئا من التوازن مع التقدم العسكري والسياسي الإيراني. لكن الوجود العسكري الروسي في سوريا والاحتكاك العسكري الذي حصل بين انقرة وموسكو وضع ليس فقط المنطقة الامنة التي تسعى اليها انقرة في شمال سوريان بل كل ايضا كل العلاقة التركية الروسية ومعهما الطموح التركي ، على المحك الصعب. مع التذكير بان الدور التركي كان تلقى ضربات قاسية في مصر وتونس واليمن مع اقصاء اصدقائه عن الحكم والادوار السياسية الفاعلة في هذه البلدان.


السعودية
اما المملكة العربية السعودية التي يفترض انها احد ابرز اللاعبين العرب الاقوياء، فان حملتها العسكرية لمنع الحوثيين من حكم اليمن والسيطرة عليه قد تحدد دورها في الشرق الأوسط لسنوات ومعالم الخصومة الإقليمية بينها وبين إيران حليفة الحوثيين.
وإذا نجحت الحملة فإنها ستعزز مكانة الرياض كزعيمة فعلية للدول السنية في المنطقة التي استطاعت جمعها في تحالف للمشاركة في عملية مسلحة معقدة وتشجعها على اتباع نهج أكثر حزما وصرامة في مواجهة ما ترى أنه مطامح توسعية لعدوها اللدود إيران في العراق وسوريا ولبنان والبحرين.
وأما الفشل فقد يضعف قدرة الرياض على إقناع الحلفاء والجيران بالانضمام إليها في مغامرات في المستقبل وقد يكون نكسة لعاهلها الجديد الملك سلمان وكذلك الأمراء الكبار الآخرين في أوائل حكمه، لابل اكسر نكسة للدور العربي في غياب اي عربي اخر على ساحات الازمات الممتدة من العراق الى ليبيا وفي القلب سوريا.


مصر الغائبة
اما الغائب الاكبر عما يجري فهي مصر التي تغير العالم العربي بقدر ما تتغير. واليوم يصعب الادعاء أن مصر استعادت دورها على نحو يؤثر بعمق فى إعادة التوازن إلى الإقليم. ولاشك في ان خلل التوازن أفضى إلى ما وصل إليه العالم العربي من تدهور مرعب.


عام ١٩٧٩ خرجت من الصراع العربي ــ الإسرائيلي بتوقيع معاهدة السلام. وفي العام نفسه دخلت إيران إلى الإقليم بقوة دفع ثورتها الإسلامية وخطابها الجديد فى القضية الفلسطينية.


كانت تلك اللحظة بداية الخلل الفادح فى توازنات المنطقة.
وفى عام ٢٠٠٣ احتلت بغداد وانكشف العالم العربي بالكامل عند بوابته الشرقية. حدث الانكسار الثاني، واتسع الفراغ الاستراتيجي في الإقليم. ولان التاريخ لا يعرف الفراغ تقدمت إيران وتركيا لملء الفراغ. إيران بقوة مشروعها الإقليمي، الذي تمدد بأكثر من طاقتها، وتركيا بقوة نموذجها الاقتصادي والسياسي قبل أن يتبدد إلهامه.


استدعاء الدور المصري يعنى بالضبط البحث عن توازن يفتقده الإقليم بقسوة. الازمات الخانقة تستدعى حضورا مصريا على مسارحه في لحظة تقرير مصائر. هناك طبخات محتملة لتسويات وصفقات كبرى، تبدأ من سوريا لكنها لا تتوقف عندها.


تفكيك العقدة السورية قد يفضى إلى حلحلة أزمات مستعصية أخرى من العراق الذى يعانى صراعاته المذهبية وحروبه مع "داعش"، إلى اليمن الذى يبحث عن تسوية سياسية وفق القرار الأممي ومخرجات حواره الوطني المعطلة، إلى لبنان الذي تكاد مؤسساته تتقوض داخلا إلى المجهول.
فى كل الملفات الدور المصري مطلوب ومستدعى. إذا كان هناك حوار عربي ــ إيراني محتمل، فالدور المصري لا يمكن الاستغناء عنه. إيران تطلب الحوار الديبلوماسي مع مصر وتُلح عليه.


الروس يطلبون حضورا مصريا، والأميركيون لا يتحمسون ولا يعارضون.
تركيا لا تملك القدرة على التحفظ، وإيران تراها فرصة للانفتاح الديبلوماسي العلني مع الدولة العربية الأكبر.
وسط الحسابات المتناقضة تغيب مصر والكل يريدها ان تكون حاضرة... الم يحن آوان الاستيقاظ؟

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم