الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

الناخبون المصريون اجتازوا "الاسلام السياسي"... فماذا عن "المال السياسي"؟

المصدر: "النهار"
القاهرة- ديانا سكيني
الناخبون المصريون اجتازوا "الاسلام السياسي"... فماذا عن "المال السياسي"؟
الناخبون المصريون اجتازوا "الاسلام السياسي"... فماذا عن "المال السياسي"؟
A+ A-

على امتداد الطريق المؤدية من مطار القاهرة الدولي الى كورنيش النيل مروراً بشارع العروبة-صلاح سالم وبالدرب الأحمر والعباسية، تتبدى مصر واجهة انتخابية، وهي تخوض اليوم الدورة الثانية لانتخابات البرلمان مصحوبة بحملات دعائية ضخمة يتصدر معظمها رجال أعمال ومرشحون قلما عرف عنهم رجل الشارع او سمع بهم، الى القوائم التي تتشكل من ائتلافات بين أحزاب وشخصيات أمنية وسياسية سبق ان لعبت أدواراً في الماضي القريب. ولا مجافاة للحقيقة في القول ان "الكل بيلعب تحت سقف السيسي"، والعبارة نستعيرها من سائق التاكسي الذي يرافقنا محمد ابو الخير حامل بكالوريوس الزراعة من جامعة الاسكندرية والذي اضطرته الظروف لاختيار مهنة بعيدة من اختصاصه الجامعي.



 


زحمة وأمن


الى الزحمة المعتادة في شوارع القاهرة، يلفتُ الحضور الكبير لرجال الشرطة بالزي الأبيض، الأمر الذي يُربط برسالة الأمن والاستقرار التي يحرص الحكم على إشاعتها. فما عاد الناس هنا يسمعون بشكل يومي عن حوادث امنية كالتحرش التي كادت تطبع مصر في الفترة الأخيرة لحكم "الاخوان" او في بداية مخاض المرحلة الانتقالية.
ويبدو الهم الاقتصادي الحاضر الأكبر على موائد المصريين اليومية مع تراجع قيمة العملة، فيما ينخفض الاهتمام في السياسة كانعكاس لغياب دينامية التنافس بين مشاريع سياسية مختلفة. اما تحوّلات كالتي يرصدها مراقبون من الخارج كضعف الحريات العامة والتضييق على الصحافيين فليست من هموم القاعدة الشعبية الواسعة التي لا تزال في انتظار الازدهار الموعود مصحوباً بالاستقرار الامني.



 


مرشحون مجهولون
رجل الشارع العادي الذي يمثله السائق محمد (43 سنة) يعيد نسبة التصويت الضئيلة في الدورة الأولى للانتخابات (26 في المئة) الى ضعف الدعاية الانتخابية وعدم معرفة الشعب بالمرشحين.
تتوقف السيارة في زحمة شارع العروبة فيسأل محمد عن احدى المرشحات وهو يشير الى صورتها، "بالطبع هي كاتبة ممكن اقرالها لكن في السياسة انا انتخبها ليه...مشروعها ايه". وفي مقابل صورة الكاتبة، برزت لائحة إعلانية ضخمة جداً، فيسأل السائق "عارفة ده مين"، ليجيب: "بيتقال ده واحد من اصحاب الجيوب الكبيرة". ويسترسل في الحديث عن معلومات يجري التداول بها عن رشى قد يدفعها متمولون قبل اقفال الصناديق بوقت قليل تصل الى 800 جنيه للصوت.



 (الصورة للسائق الذي حدثنا في التقرير)


 


وفي رأي السائق الذي يصف نفسه بأنه "متفائل من كتر التشاؤم"، ان الانتخابات ليست استفتاءً على شعبية السيسي، لأن "الشعب قال كلمته وجاء بالسيسي ليخلصه من حكم الاخوان، ولم يكن يملك خياراً آخر، اما ما يحصل الآن فهو اختيار الوسيط بين الشعب وبين السيسي، وهناك شك كبير في ان يتمكن "الريّس" من جعل القطار يسير على السكة الصحيحة بسبب الفساد المتورط فيه مسؤولون سيعرقلون الخطط الاصلاحية...الريّس صاحب نوايا طيّبة لكنها لا تكفي لجعل مصر تقفز فوق نقطة الصفر".
ما يعبّر عنه السائق لا يبتعد كثيراً عن التحليلات المتداولة لأسباب ضعف نسبة التصويت في الدورة الأولى، فالأكيد ان الشعب ورغم الحملات الاعلامية التي حاولت التجييش من أجل التصويت لم يقتنع ان المعركة هي معركة تحضر فيها الاشباح التي نجحت غالبية مصرية بازاحتها، بل ان البرودة التي جرى التعامل فيها مع صندوق الاقتراع تكاد تحاكي اللامشاريع الواضحة لدى المرشحين "المجهولين". وفي رأي الكاتب فهمي هويدي ان "الانتخابات اعلنت ان المجتمع أو قطاعات عريضة منه ليس راضيا عن مجمل الأداء الذى تم فى ظل خارطة 2013. وهو تحليل إذا صحّ يدعونا إلى محاولة التوافق على خارطة طريق جديدة بأسلوب مختلف وعناوين مغايرة ".



 


برلمان من دون معارضة
من جهته، يرى الخبير في النظم الانتخابية في "الأهرام" يسري عزباوي في حديث لـ"النهار" ان ضعف المشاركة الانتخابية في الدورة الأولى يمكن ان يختلف في الدورة الثانية ويصل الى حدود 35 في المئة نتيجة وجود كتلة تصويتية أكبر في المحافظات التي تخاض فيها الانتخابات، أضِف الى ان المجال كان متاحاً بشكل أكبر للدعاية الانتخابية وكثيرون من المرشحين لجأوا للدعاية المباشرة.
وفي قراءته للمشهد الانتخابي، يرصد عزباوي وجود عدد كبير من رجال الأعمال المرشحين الذين يخوضون الانتخابات في الدورة الثانية، ويعتقد ان الأمر "لافت جداً" ويضع الرئيس في حرج شديد، لأنه قد يثبت المقولة التي تتخوف من عودة تحالف السلطة والمال الذي نشأ في عهد الرئيس حسني مبارك، علماً ان عدداً من رجال الأعمال هم اصحاب وسائل اعلام، الى مرشحين هم جنرالات سابقون يستفيدون من قربهم من السيسي في خوض الانتخابات.
اما الدور "البارز" في الانتخابات للمرأ ة والاقباط فيمكن اعتباره ايجابياً لكنه ليس محطة سعيدة تماماً في الانتخابات المصرية لأن نظام الكوتا ينتجه، وفق العزباوي.



 


إفلاس الخطاب؟
ويتحدث الخبير الانتخابي عن تنافس حقيقي بين القوائم الانتخابية، اما غياب البرامج السياسية والمشاريع الواضحة فـ"ليس عاملاً مؤثراً في ضعف الاقبال على التصويت لأن نسبة كبيرة من الناخبين المصريين لا تقترع لبرنامج، وهناك حضور قوي للخدمات والعلاقات والتقديمات...".


اذاً الدورة الثانية ستكرس وجود برلمان من دون معارضة حقيقية؟ يجيب عزباوي "لا يمكن الحديث عن حياة حزبية راسخة في هذه المرحلة الانتقالية، ويمكن الزعم ان الجميع يكاد يقدم نفسه على انه ظهيرٌ للسيسي، ومن المؤكد ان هناك نواباً سيعارضون مشاريع قوانين في البرلمان ولن يعارضوا شخص السيسي الذي سيستفيد من برلمان لا يعرقل خططه الآتية". ويستطرد: "نحن في مرحلة اعادة تعريف للمفاهيم بسبب الخلط الذي نراه في السياسة المصرية، فالاحزاب الليبرالية تتبنى خطاب العدالة الاجتماعية، فيما الخطاب اليساري أفلس وتلاشى". ذاهبون الى ترسيخ حكم الرجل الواحد؟ "لا يمكن الذهاب نحو هذا السيناريو، لأن نواة المعارضة موجودة في المجتمع وهي مؤلفة من تيارات سياسية وشخصيات ومن قوى موجودة تملك شارعاً وتعبّر عن ارائها من خارج المؤسسات..."، كما ان الحلف بين المؤسسة العسكرية والشخصيات الوطنية الذي طوى صفحة "الاخوان" لا يمكن توصيفه ب "الاستتباعي تماماً".






"حب مصر"
وتحدثت "النهار" الى أسامة هيكل، وزير الاعلام السابق، والمرشح البارز على قائمة "حب مصر" التي يترأسها الجنرال سيف اليزل، وهو يرفض التصنيف الذي يقول ان القائمة الظافرة في الدورة الاولى تنحو صوب اعادة انتاج نسخة جديدة من "الحزب الوطني"، مشيراً الى ان القائمة تضم "ائتلافاً عريضاً من شخصيات اتفقت على رؤية من 18 بنداً عنوانها العريض مدنية مصر وقررت استثمار خبراتها في العمل التشريعي حيث تعاني البلاد ازمة على هذا الصعيد". ويقرّ هيكل بوجود أزمة في تحديد مفهوم المعارضة في هذه المرحلة، وبقرب القائمة من الرئيس السيسي الا ان "الامر لا يمنع ان نقول رأينا بحرية في التشريعات فنعارض أحدها ونوافق آخر".


وينتقد هيكل الاتهامات التي يُرشق بها رجال الأعمال المرشحون، فـ"هم يمارسون حقهم الدستوري أولا واخيراً كمواطنين"، ويرى ان ضعف الاقبال في الدورة الاولى ليس معياراً بسبب تواضع الحملات االدعائية في بلدات الصعيد وصعوبة وصول المرشحين الى الناخبين"، متحدثاً عن تعقيدات النظام الانتخابي المعتمد.



 


"تجهيل المصريين"
المرشحة المستقلة الكاتبة الصحافية فاطمة ناعوت لا تخوض المعركة الانتخابية من منطلق "معركة كسر عضم" كما تقول لـ"النهار"، وتجد ان الناخبين تقاعسوا في الجولة الاولى عن النزول الى صناديق الاقتراع، وتحمل الاعلام جزءاً من هذه المسؤولية، "لأنه أفرد الهواء للمناظرات وعرض القوة المتبادل، ولم يشرح للناخب النظام الانتخابي بشكل جيّد، والفارق بين القائمة والفردي على سبيل المثال".
وتقول ناعوت "انها مرشحة من أجل اعادة تجذير الثقافة والوعي في المجتمع المصري، فلا شيء سيخرج مصر من النفق الذي كادت تدخله سوى رفع مستوى التعليم والتصدي لما تسميه التجهيل العمدي الذي وقع على المصريين، وجعل فئات واسعة من الشعب تتعامل بتجاهل واستسلام مع مظاهر القبح في المجتمع، كالقمامة والتحرش والفساد...".



وفي رأيها، ان المرحلة الأولى من الانتخابات "شهدت هزيمة تجار الدين في اشارة الى خسارة مرشحي "حزب النور" السلفي"، معولة "على سقوط تجار المال في الدولة الثانية".
أنت مرشحة موالية للسيسي؟ تجيب " انا من أنصار الرئيس، وقلت له خلال لقائنا معه ككتاب ومثقفين "انا لو جاني سفاح عاوزة حد ينقذني منو، ولو ابني مريض عاوزة طبيب"، فاجابني "وهو فين الطبيب"، في اشارة الى ان احداً وازناً لم يترشح في مواجهته، كما تروي.
وتخلص الى "انها لا تتوقع ان يتمكن هذا البرلمان من البناء لكن واجبه ان لا يدع احداً يهدم عبر المال السياسي او الاسلام السياسي"، وبواقعية تقول ناعوت ان "التعويل ربما يكون على البرلمان الي بعده"، وهو أمر يتفق معه كثيرون من المراقبين في القاهرة يعتقدون ان البرلمان لن يشكل مصدر عراقيل للتشريعات التي يحتاج الحكم اقرارها.


 



 


أرقام 


أجريت المرحلة الأولى من الانتخابات لشغل 226 مقعداً بالمنافسة الفردية، وفازت قائمة "في حب مصر" الداعمة للرئيس السيسي بستين مقعداً هي المقاعد المخصصة للقوائم في المرحلة الأولى، وتلاها حزب "المصريين الأحرار" الذي يترأسه رجل الاعمال نجيب ساويرس في المركز الثاني بـ 41 مقعداً، وحزب "مستقبل الوطن" بـ 30 مقعداً، فيما حلّ حزب "الوفد" في المركز الرابع بـ22 مقعداً، وبرز "حزب النور" السلفي كابرز الخاسرين في الدورة الأولى.
وكان من حق 27 مليون و402353 ناخباً الإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى التي شملت 14 محافظة بينها الجيزة والإسكندرية. ومن حق عدد مماثل تقريباً من الناخبين الإدلاء بأصواتهم في المرحلة الثانية التي ستشمل باقي المحافظات وعددها 13 من بينها القاهرة وتمتد خلال يومي 22 و23 تشرين الثاني وتواكبها اجراءات امنية كبيرة مع اعلان السلطات المصرية نشر 160 الف جندي في المحافظات التي تشهد انتخابات.
ويتألف البرلمان الجديد من 568 عضواً منتخباً هم 448 نائباً بالنظام الفردي و120 نائباً بنظام القوائم. وللرئيس حق تعيين نسبة خمسة في المئة من عدد الأعضاء.


 
[email protected]
@Dianaskaini


 


 


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم