الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

السود ليسوا كتلة ناخبة واحدة... ما الذي لا يستطيع بايدن تحمّله؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
السود ليسوا كتلة ناخبة واحدة... ما الذي لا يستطيع بايدن تحمّله؟
السود ليسوا كتلة ناخبة واحدة... ما الذي لا يستطيع بايدن تحمّله؟
A+ A-

"أنا لست سوداء"

أطلق كلام بايدن ردوداً واسعة في أوساط الأميركيّين-الأفارقة وأوّلهم "شارلمان" الذي انتقد بايدن والديموقراطيّين باعتبارهم يضعون تصويت السود لصالح الحزب الديموقراطيّ كأمر بديهيّ. كذلك فعل المرشّح الجمهوريّ من أصل أفريقيّ إلى مجلس الشيوخ جون جايمس الذي أشار إلى أنّ بايدن يعتقد أنّه يعرف حاجات السود أفضل من السود أنفسهم. وأشاد بالرئيس الأميركيّ دونالد ترامب لأنّه زار قبل يوم ميشيغان "واستمع فعليّاً لحاجات الناس السود من أناس سود." وكان "شارلمان" قد أعرب أيضاً عن امتعاضه من بايدن لأنّه يخوض حملته الانتخابيّة "من الطابق السفليّ" في منزله بدلاً من زيارة الأميركيّين والسود والاستماع إلى مطالبهم.

انضمّت شخصيّات بارزة من المجتمع الأميركيّ-الأفريقيّ إلى المواقف المنتقدة لبايدن مثل مغنّي "الراب" شون ديدي والممثّل الشهير "آيس كيوب". وغرّدت الرئيسة المشاركة لحملة بيرني ساندرز نينا تورنر مطالِبة الحزب الديموقراطيّ "بالتوقّف عن اللعب بأصواتنا". كما طالبت المجتمع الأسود باستغلال اللحظة لتحسين أوضاعه، خاتمة تغريدتها بهاشتاغ "أنا لست سوداء".

في شباط، تمتّع بايدن بنسبة تأييد أعلى في المجتمع الأميركيّ-الأفريقيّ بالمقارنة مع بايدن. لكنّ نتائج انتخابات يوم الثلاثاء الكبير قلبت موازين القوى وأعطت بايدن تقدّماً خصوصاً في كارولاينا الجنوبيّة التي تضمّ نسبة كبيرة من الناخبين الأميركيّين من أصل أفريقيّ. بالتالي، إنّ ما كتبته تورنر قد يعبّر عن امتعاض متجدّد لدى مؤيّدي ساندرز من المنحى الذي آلت إليه الانتخابات التمهيديّة.


أخطاء ومؤشّرات

تراجع بايدن لاحقاً عن تصريحه معترفاً بأنّه كان موقفاً استعلائيّاً، نافياً أن يكون قد تعامل في أيّ لحظة من حياته على أنّ التصويت الأسود وكأنّه "تحصيل حاصل". لكنّ تصريح بايدن في هذا الشأن لم يكن الأوّل من نوعه، ولا حتى الأقسى لجهة الشكل والمضمون. سنة 2012، استخدم بايدن لهجة جنوبيّة لتنبيه السود الذين سيصوّتون للمرشّح الجمهوريّ ميت رومني إلى أنّ الأخير سيعيدهم إلى العبوديّة.

كسب بايدن سمعة خاصّة لجهة ارتكاب أخطاء كثيرة خلال تصريحاته. الكلام الذي وجّهه لشارلمان لم يكن سوى أحد الأمثلة على ذلك. اليوم، يبقى السؤال عمّا إذا كان مقتل فلويد سيحجب الخطأ الذي ارتكبه بايدن منذ عشرة أيّام وأنّه تحديداً سيعيد تزخيم كتلة الناخبين السود لصالحه. ليس من إحصاءات كثيرة تظهر أرقاماً محدّدة بعد. لكن قبل مقابلته الإعلاميّة، كان بايدن يحظى بتأييد 81% من السود وهو رقم غير كافٍ باعتبار أنّ هيلاري كلينتون حصدت نسبة 88% من أصوات تلك الفئة وخسرت السباق.

مع ذلك، وفي استطلاع رأي أجرته شبكة "أي بي سي" الإخباريّة وصحيفة "واشنطن بوست" بين 25 و 28 أيّار، حظي بايدن بتأييد 89% من السود. لكن من غير المؤكّد مدى ترك مقتل فلويد تأثيره على الاستطلاع الذي ركّز على موضوع تفشّي "كورونا". وعلى مستوى النتيجة العامّة، تقدّم بايدن ب 8% على ترامب، بعدما كان متقدّماً عليه بنسبة 2% فقط في الاستطلاع الذي أجرته الجهة نفسها في 25 آذار الماضي.

ليس هذا الرقم وحده كافياً لرسم الاتّجاه العام حول تصويت الأميركيّين من أصل أفريقيّ. ثمّة ضرورة لأخذ نسبة الإقبال على التصويت بالاعتبار. ففي 2016، تدنّت هذه النسبة إلى مستوى قياسيّ عند 59.6% بعدما كانت قد ارتفعت إلى مستوى قياسيّ وبلغت 66.6% سنة 2012، حين صوّت السود بنسبة 98% لصالح أوباما.


"لا يكفي ألّا تكون ترامب"

بحسب تحليلات عدّة، بما فيها لصحف معارضة لترامب، قد لا يكون مقتل فلويد محفّزاً للسود كي يقترعوا لبايدن بكثافة. في تقرير تحت عنوان "التظاهرات تفرض تحدّياً على بايدن: جذبُ الناخبين السود الأصغر والأكبر سنّاً"، نقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن المشارِكة في تنظيم التظاهرات شايكيراه باركر، قولها: "(على بايدن) إظهار أنّه يتمتّع بالشجاعة لإحداث تغيير على طول الطريق (في النظام السياسيّ)."

حتى تصويت الأميركيّين-الأفارقة لصالح "أهون الشرّين" يمكن ألّا يكون مضموناً. يقول الناشط الحقوقيّ في فيلادلفيا عبد العلي محمد للصحيفة نفسها إنّ العديد من الشبّان تخلّوا عن المسار السياسيّ وعن النقاش الانتخابيّ لأنّهم يظنّون أنّ النظام لم يعد نافعاً بالنسبة إليهم. وقال إنّ قرار التصويت لصالح ترامب أو بايدن يعادل اختيار السيّئ عوضاً عن الأسوأ مشيراً إلى أنّ المجتمع تبنّى هذا الخيار لفترة طويلة: "وأين نحن اليوم بعدما تبنّينا ذلك الخيار؟. لسنا في موقع أفضل ممّا كنّا عليه من قبل." من جهته، ذكر أستيد هيرنتون في صحيفة "نيويورك تايمس" نقلاً عن عدد من المقابلات أنّ "لدى الأميركيّين السود رسالة للديموقراطيّين: ألّا تكون ترامب ليس كافياً."


"خيار سهل"

يناقض ذلك تحليلاً سابقاً للدكتور تيودور جونسون المتخصّص في شؤون سلوكيّات الناخبين الأميركيّين من أصل أفريقيّ، والباحث البارز في "مركز برينان" لحماية الديموقراطيّة وإصلاح العدالة. وأوضح جونسون في آذار أنّ تصويت الديموقراطيّين لصالح بايدن في الانتخابات التمهيديّة هو تصويت "براغماتيّ".

وتابع: "تنظر غالبيّة أميركا إلى جو بايدن كنائب لأوّل رئيس أسود في التاريخ. وينظر الناخبون السود تحديداً إلى الرئيس أوباما ويقولون إنّه إذا كان بايدن جيّداً بما فيه الكفاية كي يثق به أوباما، إذاً فمن أنا حتى أشكّك نوعاً ما بذلك؟" وأضاف أنّ موقف الناخبين انطلق أيضاً من مقاربة تقول إنّ حظوظه أكبر في الانتصار.

لا يُجمع كلّ الناخبين السود على تفادي الخيار بين السيّئ والأسوأ. طبيب الأسنان ثيرون جونز يقول إنّه لا يحقّ لبايدن كرجل أبيض أن يوصّف ما هو نافع وما هو غير نافع للسود. "حتى مع كون بايدن آلة أخطاء، أن يتمّ أخذ تصويتك على أنّه مضمون (خطأ) يضعف بالمقارنة مع قتلك في الشوارع من قبل حشد لقي تشجيعاً من ترامب. خيار سهل."

فهل يعود الأميركيّون-الأفارقة إلى "البراغماتيّة" و"الخيار السهل" في تشرين الثاني؟ أم يهدّد هؤلاء بالمقاطعة حتى يعتمد بايدن "أجندة سوداء" بحسب تعبير "شارلمان"؟

حملت "النهار" هذه التساؤلات إلى جونسون فقدّم جواباً تفصيليّاً عن الموضوع ذاكراً مؤشّرات مهمّة يجدر تتبّعها.


"هذا ما نعرفه"

"يصعب جداً التنبؤ بنسبة الاقتراع في الانتخابات الرئاسيّة، لذلك من غير الممكن معرفة ما إذا كانت التظاهرات الحاصلة اليوم ستؤثّر على نسبة التصويت الأسود في تشرين الثاني. لكن هذا ما نعرفه: يلجأ الأميركيّون السود إلى التظاهر بعد أن تفشل محاولاتهم لإطلاق تغيير سياسيّ عبر الأساليب التقليديّة – مثل الانتخابات والضغط على المسؤولين الحكوميّين – في إنتاج سياسات أفضل. ما وجده علماء السياسيّة هو أنّ الغضب لا يعبّئ القوّة الانتخابيّة للناخبين السود كما هي الحال مع الناخبين البيض. بالتالي، لا يمكن توقّع أن تؤدّي العواطف التي يظهرها المتظاهرون إلى زيادة حتميّة في نسبة الاقتراع يوم الانتخابات."

جونسون، وهو عضو بارز سابق في برنامج زمالة البيت الأبيض وهو أعرق برنامج للقيادة وإدارة الشأن العام، تابع سرد جوابه ل "النهار" متطرّقاً إلى النقطة الثانية:

"هاكم ما هو صحيح أيضاً: لدى الرئيس ترامب تأييد ونسب موافقة (متدنّية بشكل) رهيب بين الأميركيّين السود. إنّه منخفض الشعبيّة بنسبة تاريخيّة في هذه الكتلة. نتيجة لذلك، وبالاقتران مع واقع انّ معدّل 90% من الناخبين السود صوّتوا للمرشّحين الرئاسيّين الديموقراطيّين في العقود الخمسة الماضية، من غير المرجّح أن يكون أداء ترامب أفضل بكثير من نسبة 6 – 8% من الناخبين السود التي فاز بها سنة 2016. لذلك، لدينا فكرة جيّدة جدّاً عن كيفيّة تصويت الناخبين السود، لكنّنا لا نعلم كم من الناخبين السود سيقترعون."


"لا يستطيع بايدن تحمّل هذا"

أردف جونسون مفصّلاً كيفيّة اتّخاذ المجتمع الأميركيّ-الأفريقيّ قرار التصويت وفقاً للشرائح العمريّة:

"من المرجّح أن يشكّل الناخبون البراغماتيّون السود – الذين يميلون لكي يكونوا أكبر سنّاً (فوق 40) وأكثر اعتدالاً – ما يقارب 2/3 (ثلثي) الناخبين السود يوم الانتخابات. إنّهم يصوّتون لبايدن ولا يوجد الكثير ممّا يمكن أن يحصل بين هذه اللحظة والانتخابات كيّ يهزّهم عن هذا الخيار. السؤال هو عمّا إذا كان أولئك الناخبون السود الأصغر سنّاً، الناخبون السود الأكثر تأدلجاً، والناخبون الأكثر تعرّضاً للتهميش سيقبلون (على التصويت لصالح) بايدن بنسبة قريبة من الناخبين البراغماتيّين. سيعتمد الجواب على قدرة حملة بايدن في التواصل مع هؤلاء الناخبين وإظهار التزامٍ في معالجة مخاوفهم. هذه المجموعة الأخيرة من الناخبين ستكون أكثر ميلاً إلى البقاء في المنزل أو التصويت إلى مرشّح من حزب ثالث – كما فعلوا سنة 2016 – عوضاً عن التصويت لصالح ترامب أو بايدن. لا يستطيع بايدن تحمّل هذا."

بالنسبة إلى جونسون، "على العموم، إنّ غالبيّة الناخبين السود الذين سيقترعون في هذه الانتخابات ستكون من البراغماتيّين. لكنّها لا تستطيع تسليم البيت الأبيض إلى بايدن، من دون الناخبين الأصغر سنّاً، والأكثر تأدلجاً والمعرضين للتهميش من الناخبين السود."

لذلك، على هذه الفئات أن تحظى بانتباه حملة بايدن، حيث ستكون الموارد والرسائل والخيارات السياسيّة كهويّة نائب الرئيس والمخصّصة للتأثير على تلك المجموعات ذات أهمّيّة حيويّة بالنسبة إلى الإقبال على التصويت. وختم جونسون: "لم تلقِ التظاهرات الضوء إلا على حاجة الحملة بأن تكون أكثر استباقيّة وتصميماً على كسب هؤلاء الناخبين."

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم