في الجائحة والأزمة فرصٌ أيضاً
Smaller Bigger

"في معضلة الحياة والتاريخ التي تتوالى فصولها أمامنا، يشكل خطر فوات الأوان تهديدا حقيقيا"

(مارتن لوثر كينغ)

في خضم بحر السواد الذي يلفّنا من جراء تداعيات جائحة كورونا والانهيار المستجد، ثمة ومضات وثمة فرص يتوجب الإمساك بها لبنانيا وعالميا لبناء مستقبل أفضل واقتصادات أكثر استدامة.

فعلى الصعيد اللبناني، يشكل انخفاض الفاتورة النفطية للبلد الى معدلاتها الدنيا، نتيجة تراجع الأسعار العالمية للوقود بسبب تقلص الطلب عليها عالميا كما محليا، فرصة يستفيد منها لبنان في المدى القريب. وهذا ينعكس، ولو ظرفيا، انخفاضاً في عجز الكهرباء الذي يشكل مع بند الرواتب البندين الرئيسيين الوازنين في تكاليف الموازنة. ان تراجع الطلب على الوقود دوليا وانخفاض أسعاره كما تراجع استهلاكه محليا، اعطى الحكومة فرصة لضمان تلبية حاجات البلد الاستيرادية لفترة أطول. تراجُع أسعار النفط الدولية يشكل عاملا مساعدا للحكومة بغية تنفيذ اصلاح قطاع الكهرباء الذي يستنزف الدولة ويعيد بعض التوازن ولو لفترة قصيرة. كما يضمن عدم استنزاف مخزون العملات الصعبة في وقت قصير تلبية لحاجات البلد النفطية وغير النفطية ولحاجات دول اخرى. مما لا شك فيه انّ ارتفاع سعر الدولار هو انعكاس لطلب متزايد عليه في الأسواق، وهو مرتبط بالتهريب من البلد واليه. فقد ثبت انّ للتهريب مفاعيل كارثية أيضا على مخزون العملة الصعبة واسعارها في الأسواق اللبنانية، وسيتراجع حتما الى حد كبير إثر ارتفاع سعر الدولار الذي سيتمكن على ما يبدو من ضبط الحدود وسيكون الوسيلة الأفعل لذلك.

جائحة كورونا تسهّل وقف دفع فوائد الدين للعام 2020 من دون تبعات كبرى. فالجائحة رسمت معادلات جديدة، وأمْلت على الدائنين وقف استيفاء فوائد ديونهم لهذا العام، وجعلت هيكلة الديون العالمية الطبق الأساسي على المائدة بشقّيها السيادي وغير السيادي، سواء كانت المصادر الدول او البنك الدولي او الأسواق المالية. كورونا تخدم لبنان في بعض جوانبها إذا ما عرفت الحكومة تستفيد منها، فتعثّر لبنان تزامن مع الجائحة، ودخوله نادي الدول المتعثرة عالميا ترافق مع دخول الكثير من الدول التي وجدت نفسها عاجزة عن سداد ديونها نتيجة تقلص اقتصاداتها من جراء توقف شبكات الإنتاج وتراجع الطلب.

لقد أوقفت كورونا عداد فوائد الديون لهذا العام وربما لأعوام مقبلة، وقلبت الطاولة على الدائنين. لكن هل ستتمكن الحكومة من الإمساك بهذه الفرصة والاستفادة منها؟

نعم تأتي كورونا كي تساعد لبنان في إنجاح مفاوضاته مع الدائنين برعاية صندوق النقد الدولي. ستساعده على إعادة ترتيب سداد الفوائد والديون مع المدينين في شكل وفاقي وفق ظروف أملتها الجائحة. وكل هذا يشكل للبلد فرصة حقيقية. ومن هنا ضرورة تلقف الفرصة وخلق مناخات مؤاتية لذلك، وارسال رسائل مفيدة الى المجتمع الدولي في هذا الإطار حول جديتنا وتضامننا.

كما أتى الانهيار كي يخفض تكاليف الرتب والرواتب التي لم يعرف المسؤولون كيفية احتساب تكاليفها واستعجلوا إقرار سلسلتها من دون ان يترافق ذلك مع أي اصلاح يضمن زيادة الواردات. فكان تسريع انهيار الليرة. ولن يبقى الدولار على التسعيرة الرسمية الحالية حتما.

الازمة التي ترافقت مع تباعد كورونا سطّرت حلا وعممته على الناس دونما حاجة الى حكومات، وقبله الناس مرغمين. فشكلت الازمة الحالية فرصة حقيقية لإعادة بناء اقتصادنا على أسس مستدامة بعدما التهم القطاع الخدماتي كل القطاعات الإنتاجية.

لن اتطرق في هذه المقالة الى سلبيات الانهيار وكورونا والتي لا تحصى، وتأثيراتها على الناس، بل سأكتفي بما أضأتُ عليه لبنانيا.

أما على الصعيد العالمي، فالجائحة أظهرت الحاجة الى مد اليد الى ما وراء الحدود للحفاظ على ما هو داخلها. أظهرت للناس أهمية النظام العالمي وتفعيله، كما الحاجة الى تفعيل المؤسسات الدولية. قالت إن "ما يجري وراء اسوار جارك يهمك كثيرا لأنه قد يكون مصدر تهديد لأمنك ووجودك". من هنا تقوّضت مقولة "انا أولاً وبلدي اولاً وكل ما ليس ضمن حدودي لا يعنيني". أضحت كورونا اللاعب الاكبر في الانتخابات الاميركية. وآمل في ان تكون مفاعيلها إيجابية وبما يتوافق مع التصدي لتحديات الأوبئة، فتعيد الحياة الى أدوار الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في نطاقها وتدعم منظومة التعاون الدولي لمواجهة التحديات العابرة للحدود والتي تهدد الحياة والامن والاقتصادات على الكوكب، وليس العكس، فتعيد الولايات المتحدة الاميركية النظر بأدوارها وتسترجع مبادرات قديمة وقيّمة وضرورية كخطة مارشال للحفاظ على وجودها وزعامتها للعالم، فلا يأخذ غيرها ساحاتها.

لن تمكث كورونا طويلا في ما بيننا، الا انه سيكون لها اخوة واخوات. وسيتم اكتشاف علاج ولقاح للتصدي لها قريبا. لكني آمل في ان يكون ذلك من خلال منظومة تعاون دولية وليس من بوابات الشركات التي بحسب جوزف ستيغلتز (براءات الاختراع ضد الجائحة، 23 نيسان 2020) ستضع الدواء او اللقاح المكتشف من قِبلها في نطاق نظام الملكية الفكرية والاحتكارات الصيدلانية التي ستحمّل المستهلك اسعارا خيالية، مما سيحدّ من انتشار الدواء الذي سيكون محصورا بشرائح معينة دون العوام. فتحقق الشركات بذلك أرباحا كبرى على حساب البشر.

كما انّ الجائحة أدت وفق تقرير Global Energy Review 2020 a world in lockdown الى تراجع كبير في معدلات انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون (8 في المئة) نتيجة تراجع الطلب على النفط الاحفوري، فتكون مفاعيلها أكبر وافعل من كل مقررات المؤتمرات التي عقدت في هذا الصدد. لقد بدأت كورونا تضع حدا لعصر النفط واعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة التي لا تتأثر بالجائحة.

في عالم ما بعد كورونا ستستعيد الدول أدوارها، وتتظهر نسخة أفضل للرأسمالية. ستعيد كورونا تسطير مهمات الدول بحيث تستعيد مسؤوليات الرعاية الصحية والاجتماعية، فينال موضوع الرعاية الصحية والاجتماعية الأهمية التي يستحقها.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/25/2025 6:14:00 AM
حكم بالسجن المؤبّد من دون إمكانية الإفراج المشروط على الجزائرية ذهبية بنكيرد (27 عامًا)، بعد إدانتها باغتصاب وتعذيب وقتل الطفلة الفرنسية لولا دافيت
لبنان 10/25/2025 8:33:00 PM
وُلد حمدان في 19 كانون الثاني (يناير) عام 1944، في قرية عين عنوب، قضاء الشوف في لبنان.
لبنان 10/25/2025 10:39:00 AM
وحش بشري أقدم على اغتصاب فتاة قاصر في جبل البداوي