الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

رواية "نابوليتانا" أسلوبٌ بوهيمي دون عشوائية فنية

المصدر: النهار
نسرين بلوط
رواية "نابوليتانا" أسلوبٌ بوهيمي دون عشوائية فنية
رواية "نابوليتانا" أسلوبٌ بوهيمي دون عشوائية فنية
A+ A-

قد يعتمدُ بعض الكتاب على الأسلوب البوهيمي في التعبير الفني عن ماهية الأشياء من حولهم مثل الكاتب وليم ثاكري الذي توغل في تناقض الأشياء وتصرفات الأفراد بناءً على نمطية معيّنة نشأوا عليها أو تعرّضوا لها، وهذا السلوك الأدبي يقتحم عالم الرسم والموسيقى أيضاً، ليدمج الملموسات بالمحسوسات ويتجرّد جزئياً من الواقعية ويجنح غالباً للخيال، ولكنّه يفتح كفّه لذخيرة اللغة والانسياب الابداعي ليحتلّ بساط التعبير.

ولكن الانطواء المتلجلج الذي تحفل به رواية "نابوليتانا" الصادرة عن دار الآداب للكاتب هلال شومان، والتململ الواضح في صلب الحبكة، يوحي بعدم السيطرة على شخصياتها ونواتها، إذ فقدت لجام عنصر التشويق الذي يكبح تعرّجاتها وانحناءاتها، وانضوت تحت راية مبهمة من العتمة.

القصة تدور حول هيثم الذي يعمل في مكتبة الجامعة، ويعاني من اضطراباتٍ غريبة تحدث له في بعض الأحيان، كأن يكون حاضراً مثلاً في مكانٍ ما ويفقد الإستيعاب للحظاتٍ أو ساعاتٍ تالية بوجوده أو وجود غيره، ولا يستعيد ما حدث معه إلا بصعوبة بالغة.

يصحو من نومه وآثار السكر تجرّ آثارها على جسده وخموله، فيصدمه منظر وجهه المشوّه من آثار جروح قانية، فيذكر أنّه كان برفقة صديقه هاني وحبيبته أمل في سهرة، ولكنّه ثمل حتى تشتّت فكره وانشطر الجزء الأخير من الحدث معه، ففتش في هاتفه ليعثر فيه على رقمٍ غريب، قام بالاتصال به من فوره، فعرف أنّ سيّدة مطلقة في الأربعين من عمرها اسمها يمنى صادفته في الطريق، وأعادته إلى منزله بعد أن نال منه السكر وفقد القدرة على الحركة، وتشاجر مع سائق تاكسي كاد أن يفتك به.

تنشأ علاقة جنسية بين هيثم ويمنى يقرّر الإقامة معها في منزلها، وينهمك في التحضير لأطروحة الدراسات العليا في مادة الرياضيات، ويعثر بالصدفة على مدوّنة شاب يدعى جهاد يعيش في نيويورك يتواصل مع صديقته أمل عبر الانترنت، فيبدأ لاشعوريّاً بمتابعة يوميّاته التي تتمحور حول تعرّفه على حبيبته هناك في نيويورك، وهجرها له وترصّد حركاتها بعد الفراق ومحاولته إثارة غضبها من خلال النظر مباشرة في عينيها عند مرآها.

يحاول هيثم تطبيق نظرية جهاد في إغاظة حبيبته السابقة التي تركته منذ سنوات وتزوجت من غيره وترتاد مع عائلتها مطعم نابوليتانا في شارع الحمرا، ولكنه يجد في روحه خذلاناً احتوائيّاً، يسرّب اليأس والبرودة إلى قلبه، ويجعله يفرّ من مقعده هارباً من النظر إليها مباشرة.

تسوء علاقته مع يمنى بعد أن يتغيّر طبعه معها ويقسو، فيذكّرها بفارق السن بينهما، وينتقد أسلوب حياتها، ويصل به الأمر لمضاجعتها دون رضاها، فتطرده من منزلها وتتدهور أحواله مع صديقته أمل وحبيبها هاني أيضاً بعد أن يحاول لمس أمل عندما هرعت لحضنه بعد أن تركها الأخير، ليجد في نفسه تساؤلات عديدة مبهمة تحيق بأعماقه وتتمسّك بتلابيب الدهشة، فقد اختفت مدوّنة جهاد فجأة عن الانترنت، فاعتراه شكٌّ عارم حول كلّ الأحداث التي تراكمت في حياته مؤخّراً وتخبّط في ظلام وغشاوة دامسة.

"ملقىً في غرفته الصغيرة تحت بقعة رطوبة لا تكبر ولا تتحرك، يستيقظ هيثم مضطرباً، شاعراً بآلام في أنحاء جسده، ناسياً ما حدث البارحة. الشاب العشريني الذي يخجل من نحول ساقيه، ويرى أحلاماً غامضة، سيتورط في علاقات غريبة، ويمشي أرصفة بيروت. سيقتفي أثر جهاد في نيويورك الذي يدوّن حياته على الانترنت، فيقرأ قصصه، ويكتب له الرسائل، ثم يملأ الفراغ في رأسه خالطاً بين الواقع والخيال. أين هو؟ هل هو حقيقة أم افتراض؟ خارج الشاشة أم.. داخلها؟".

هكذا يرسم هلال شومان مشهد البوهيمية المستقاة من لجج اللااستقرار النفسي الذي يتكبّده في حشد المواقف والظروف، دون استخدام الأسلوب الفني المناسب لخطّ الاستواء الفاصل في الرواية بين الحبكة وتصاعدها، فتعرّى قلمه من الحواشي السردية اللازمة للنص، وهام في جوٍّ انفعالي حاول أن يستحضر معها الحرية العصرية التي يؤمن بها في الجنس والحب والاندماج في أجواء الغرب، دون أن يتخلّى عن عقلية الرجل العربي منذ خُلق.


الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم