الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

القلقُ الفكريُّ سمةُ العصر

إبراهيم صالح حسن
القلقُ الفكريُّ سمةُ العصر
القلقُ الفكريُّ سمةُ العصر
A+ A-

القلق ظاهرة ملازمة للإنسان في كل جانب من جوانب حياته، في هذا العصر، بفعل التغيرات والضغوطات والصراعات المادية والثقافية، واضطراب الحياة بفعل تسارع الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغالباً ما تتملّكنا نظرة سلبية للمستقبل في ظل اضطراب الحياة، ومن هنا ينشأ قلق المستقبل والخوف من المجهول لدى المفكرين، ويظهر ذلك بالحرص الزائد على اكتساب أكبر كمٍّ من المعرفة للوصول إلى التعلم المتقن للشعور بالتميز.

يرتبط القلق بالأفكار لأن الأفكار تتصف بالتغيير والتحول باستمرار على طول مسيرة التاريخ، كون الانسان يمتلك الجوهرة التي تميزه عن سائر الكائنات الأخرى ألا وهو العقل؛ وعلى حدّ تعبير أوغست كونت بأن الأنسان هو العقل. وبذلك يعتبر العقل مركز الافكار وتجمع المعرفة, ومن المؤكد أن البيئات أو المجتمعات التي تتصف بالثبات الفكري والجمود العقلي آيلة إلى انهيارها وتفككها وشيوع التخلف الثقافي، وانحسار الآراء وتضييق الحريات الفردية، وانتشار ظاهرة التبعية الثقافية والمعلوماتية، والعيش بحالة من السبات المعرفي.

يُعتبر ديكارت أول من أسس المذهب الشكّي، إذ جعل الشك منهجاً أساسياً في البحث عن الحقائق، سواء أكانت حقائق كونية أم إنسانية أم علمية، فاتحاً المجال أمام الكثير من الفلاسفة والمفكرين، ومن أبرزهم ديفيد هيوم الذي شيد المذهب الشكّي، وبذلك يمكن القول بأن القلق الفكري من أعظم الأعمال الخالدة في النقد والتساؤل حول الحياة والدين.

ومن هنا يشهد العصر الكثير من المنعطفات الفكرية والثقافية جعلت الإنسان عرضة للتيارات الفلسفية والدينية وحتى الاجتماعية، شرقاً وغرباً، باحثاً عن الدليل والبحث الموضوعي وتقصي الحقائق كي لا يكون في مهب الرياح أمام هذه التيارات الواسعة والجارفة . كما أن التفكير العميق يجعل الانسان متحصناً من الانجراف مع العقل الجمعي والإيمان بالثوابت الاساسية التي يؤمن بها.

يُعدّ اليوم العالم كله عبارة عن قرية صغيرة تعيش ديناميكية عالية من الافكار وثورة معلوماتية هائلة حتى على المبدعين والكتَاب للبحث عما هو غير مألوف للوصول إلى ما هو جديد على مستوى العلوم او الابتكارات التي تسهل حياة الانسان ورفاهيتة، فمنذ بزوغ فجر البشرية، بحث الانسان عما يدور في عقله وخياله بعد قدح زناد الفكر للوصول إلى حلول للمشاكل التي تواجهه، وهذا شجّع على زيادة الاهتمام بالجدلية الفكرية التي نادى بها الفيلسوف الالماني هيغل، بأن التطور التاريخي للبشرية هو عبارة عن تطور فكري وفق منهج الديالكتيك الذي يتكون من الفكرة ونقيضها، إذ تنشأ من خلال هاتين الفكرتين فكرة ثالثة ترفض الاثنتين، وهذا الصراع جعل الانسان في دوامة البحث عن اكتشاف رؤى جديدة لاستشراف المستقبل المرغوب فيه الذي يساعده على التأقلم مع الحياة .

وبصورة عامة، يشهد المناخ الفكري في القرن الحادي والعشرين أحداثاً ومستجدات مليئة بالمتغيرات في ظل ثقافة الانفتاح والثورة المعرفية التي أفرزتها العولمة والتطور التكنولوجي الهائل، والتنوع الأكاديمي، وازدياد أعداد الجامعات، وخرّيجيها، وتعدد المهارات، والفرص المتاحة في سوق العمل.

من هنا، صار لزاماً على الجيل الصاعد التسلح بالعلم والمعرفة كي لا يسقط في فخ التجاذبات الفكرية واللاتأكد المعرفي أو فقدان الأمن الثقافي، والتناحرات العنصرية والمذهبية التي تؤدي إلى تدمير المجتمع وانحلاله وتفسخه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم