الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

حرب سياسيّة على الفلسطينيين هي الأكثر خطراً من الحرب العسكريّة

المصدر: النهار
سائد حامد أبو عيطة
حرب سياسيّة على الفلسطينيين هي الأكثر خطراً من الحرب العسكريّة
حرب سياسيّة على الفلسطينيين هي الأكثر خطراً من الحرب العسكريّة
A+ A-

 الولايات المتحدة الأميركية من راعٍ للسّلام إلى طرف أساسي في الصّراع الإسرائيلي الفلسطينيّ

إنّ الوضع الرّاهن ما هو إلا عبارة عن حرب سياسيّة ضدّ السلطة ومنظّمة التّحرير الفلسطينية، سواء اختلف الفلسطينيون بكل معتقداتهم السّياسيّة أو اتّفقوا مع القيادة ومع منظّمة التحرير الفلسطينية. فالحرب بدأت منذ أنْ قامت الولايات المتحدة الأميركية في 6 كانون الأول عام 2017 بالاعتراف رسميًّا بالقدس كعاصمة لإسرائيل، ثمّ تلا ذلك في 13 أب عام 2018 وقف التّمويل الأميركيّ الذي تتلقّاه وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، والبالغ 360 مليون دولار، بحيث قلّصته الإدارة الأميركية ليصل إلى 60 مليون دولار فقط، ومن ثمّ إغلاق مكتب منظّمة التحرير الفلسطينية في واشنطن فجر يوم الخميس 11 تشرين الأول عام 2018، وسلسلة أخرى من المقايضات، والمساومات، والابتزاز الماليّ اتخذتها إدارة ترامب للضغط على السلطة الفلسطينية، كذلك فرض حصار اقتصادي كامل وطوق أمني عبر سلسلة من الإجراءات التي تمارسها إسرائيل على السلطة الفلسطينية والفلسطينيين في الضفة الغربية بشكل يومي على مدار 14 عاماً متواصلة، إنّ فرض تلك السّياسات بكل الأحوال جاءت بهدف تقويض السلطة، وتضييق الخناق على الفلسطينيين، وسحب أيّ سيادة حقيقية لهم على أراضي الضفة الغربية.

وهو ما تمّ ترجمته في صفقة القرن وبكلّ وضوح، والتي تحدّثت عن استيلاء إسرائيل على ما نسبته 30 بالمئة اضافية من أراضي الضفة الغربية، يتمّ ضمّها لتصبح جزءاً من الأراضي الإسرائيلية، وكذلك فرض سيادة إسرائيلية كاملة على المستوطنات، والقدس واعتبارها عاصمة الدولة اليهودية، كأهداف رئيسية يجب تنفيذها، حتى وإن واجهت رفضاً فلسطينياً أم لا، ذلك ما تقوم به إسرائيل الآن.

الأهم من ذلك أنّ السلطة الفلسطينية ليس لها أيّ وجود في قطاع غزة، وهو بمثابة خطر حقيقيّ وخسارة للفلسطينيين، ومازالت نقطة خلاف فلسطينية حقيقية يتغذّى عليها كل من الإدارة الأميركية وإسرائيل، وتسبّب حرجاً دوليّاً للقيادة الفلسطينية، وفي مقابل ذلك سحب سيادة السلطة الفلسطينية تدريجيًّا عن أراضيها في الضفة الغربية.

مع استحالة نجاح حكم حماس في الضفة الغربية، وتقويض سيادة السلطة على أراضيها في الضفة الغربية، هناك سيادة إسرائيلية كاملة على المعابر الحدوديّة، وكافة الموارد بما فيها المائية، وأموال المقاصة، والزراعة، وبسط الأمن بالمفهوم الإسرائيلي، وسيادة كاملة على القدس، والمستوطنات وغير ذلك.


إذا لا لتمثيل أو حكم حماس في الضفة الغربية، ولا لفرض سيادة حقيقية للسلطة الفلسطينية على أراضيها في الوقت الرّاهن، كذلك خسارة السلطة لقطاع غزة كوحدة جغرافية فلسطينية مترابطة، وبذلك تكون النتيجة لا شيء حقيقياً قد حصل عليه الفلسطينيون منذ 14 عاماً مضت.

في الوقت الرّاهن الشعب الفلسطيني مرغم على خسارة الضفة الغربية كاملة لصالح إسرائيل، ولنْ تكون هناك أيّ سيادة حقيقية بمفهوم سيادة الدولة الفلسطينية، فالإدارة الأميركية وإسرائيل تسعيان لإقامة إدارة مدنية فلسطينية منقوصة الحقوق السّياسيّة والسياديّة في الضفة الغربية، وبعيدة عن أيّ مفهوم سيادي حقيقي يمكن أن يمارسه الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهو نتيجة لممارسات الإدارة الأميركية التي تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي بكلّ الأحوال، وكنتيجة للممارسات الإسرائيلية القمعيّة التي تمارس على السلطة الفلسطينية.

من جانب آخر فإن التّوجه الفلسطيني نحو جامعة الدول العربية، ونحو مجلس الأمن ليس سيئاً في مواجهة الأميركيين والإسرائيليين، ولكن بسبب الضغوط الممارسة على كل من الفلسطينيين والعرب والالتزام باتفاقيات السّلام الموقعة والمصالح المتبادلة مع الأميركيين، وسيطرة القوى العالميّة على القرار في مجلس الأمن بطريقة أو بأخرى، قد لا يكون مجدياً دون تحرك فلسطيني على الأرض.

أمام ذلك يكمن المخرج الوحيد للفلسطينيين في توجه الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة لفرض أمر واقع يكسر كلّ الحواجز المتراكمة بين الفلسطينيين منذ 14 عاماً مستمرة، وذلك في خطوة عملية لإتمام الوحدة الوطنية، وخطوة حقيقية لإنهاء كافة مظاهر الانقسام الفلسطيني من جهة، وبقاء رئيس السلطة الفلسطينية، وقيادة منظّمة التحرير الفلسطينية في الضفة الغربية من جهة ثانية، لفرض أمر واقع على إسرائيل والإدارة الأميركية، وهو بمثابة تحدٍّ للواقع الذي يفرضه الأميركيون والإسرائيليون، وتمسكٌ بالحقوق الفلسطينية.

في حقيقة الأمر يدرك الجميع مدى أهمية تلك الوحدة في المواجهة السّياسيّة، ولكن لا خطوات حقيقية على الأرض، ومثل تلك الخطوة سوف تحدث تغييراً جديداً في المسار السّياسيّ، الذي حشر الفلسطينيين في الزاوية منذ 14 عاماً.

إن القارئ لصفقة القرن يفهم جيداً وبوضوح أنها مشروع أميركي يقضي بإنهاء أيّ سيادة حقيقية للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي المقابل نقل تلك السّيادة إلى قطاع غزة، حيث إن الصفقة ذكرت بوضوح تام بأن إتمامها يحتاج إلى ضم قطاع غزة وإنهاء حكم الفصائل فيها "تحديداً حكم حماس" لتصبح بذلك السّيادة الفلسطينية مجزّأة.


رغم أنّ ذلك المفهوم السيادي لا يقبل التجزئة في واقع الأمر، لكنه يعطي للفلسطينيين سيادة كاملة على قطاع غزة وسيادة جزئية في الضفة الغربية، تتمثل بسيادة فلسطينية في قطاع غزة على معبر برّي مع مصر، وتدريجيًّا مطار، وميناء مرهونة بمفاوضات تحت ضغط دوليّ، وتنازلات فلسطينية عن الحقوق والثوابت، وكذلك حدود، ونظام قضائيّ، واقتصاديّ مستقل، وأمن داخليّ، وأمن خارجيّ مشترك على المعابر الحدوديّة مع مصر وإسرائيل، ولا أهمّيّة لمسمى الدولة أو الكيان السّياسي الفلسطيني الذي سوف يتولّى المهام الجديدة، وفي المقابل سيادة جزئية تتمثل بالجانب المدنيّ والاقتصاديّ في الضفة الغربية، وأمن يبقى مرتبطاً بالدولة الإسرائيلية، يخضع لسلسلة من الاتفاقيات الأمنية الثنائية، والعمل الأمني المشترك بين الفلسطينيين، والأردن وإسرائيل، والأهم هو الرفض الأميركي والإسرائيلي لأيّ تمثيل أو حكم لحماس في الضفة الغربية مهما كلف الأمر.

مقابل ذلك كله عملية تسويف لكل القضايا الرئيسية التي يتمسك بها جميع الأطراف الفلسطينيين، واستبعاد أيّ حديث عن اللاجئين الفلسطينيين من خلال توطينهم في أماكنهم، وعودة لعدد منهم، ويشمل ذلك ثلاثة خيارات مطروحة على اللاجئين الفلسطينيين الذين يبحثون عن مكان إقامة دائم:

1. الاستيعاب في دولة فلسطين "مع مراعاة القيود الواردة في الصفقة".

2. الاندماج المحليّ في البلدان المضيفة الحالية "رهنا بموافقة تلك البلدان".

3. قبول 5000 لاجئ كل عام، لمدة تصل إلى عشر سنوات "50000 لاجئ إجمالي".

وفي كل دولة من الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي الذين يوافقون على المشاركة في إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين "رهناً بموافقة تلك الدول بشكل فردي على ذلك"، ستعمل الولايات المتحدة مع البلدان الأخرى لوضع إطار لتنفيذ هذه الخيارات، بما في ذلك مراعاة مباعث قلق وقيود البلدان المضيفة الحالية.

ويتبع ذلك استبعاد أيّ حديث عن القدس، وعن حدود الرابع من حزيران1967، بحيث إن الخيارات المطروحة في صفقة القرن بما يخص السكان العرب في القدس، باعتبارها عاصمة لإسرائيل كما تحدثت الصفقة، ثلاثة خيارات:

1. أن يصبحوا مواطنين في دولة إسرائيل.

2. أن يصبحوا مواطنين في دولة فلسطين.

3. الاحتفاظ بوضعهم كمقيمين دائمين في إسرائيل.


وذلك يعني بإن الطّرح أصبح حول التقسيم الديمغرافي بالقدس، واستبعاد أيّ تقسيم جغرافي وسياسي، لن أطيل في الحديث عن التفاصيل المذكورة في صفقة القرن، وسواء رفض العرب والفلسطينيون أو قبلوا، لا بدّ أن يكون هناك تحرك فلسطيني على الأرض، ذلك لأن إسرائيل ماضية في تنفيذ الجزء الخاص بها من صفقة القرن شئنا أم أبينا.

وعليه فإن الفلسطينيين ليس لديهم أيّ خيارات أخرى، سوى إنهاء الانقسام فوراً، أو الانتظار حتى حدوث كارثة أخرى محتملة، تتمثل في عمل عسكري موسّع في قطاع غزة، سوف تكون نتيجته فرض حالة سياسيّة جديدة على القيادة والشعب الفلسطيني، وإرغام كل الأطراف الفلسطينيين على قبولها.

بكل الأحوال ومهما كانت السيناريوات المحتملة، فإن إسرائيل ماضية بتنفيذ كل ما تخطّط له بدعم أميركي، وإسرائيل ترجمت بالقوة والعنجهية خلال 14 عاماً سابقة من الانقسام الفلسطيني ما نسبته 70% الى 80% من صفقة القرن على الأرض، فسيطرت على القدس، والمستوطنات أصبحت تحت السّيادة الإسرائيلية الكاملة، وضم أراضٍ من الضفة الغربية بشكل تدريجيّ، وسوف تتقدم لضم الأغوار بالقوة، وطبقاً لخطة ترامب سلاح البحرية الإسرائيلي يسيطر على البحر فعلياً، ومسبقاً، وإسرائيل استطاعت التنصّل من اتفاق أوسلو حتى لم يتبقَّ منه شيء تقريباً.

المطلوب الآن من الفلسطينيين الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ومن ثم مفاوضات مدتها ثلاث أو أربع سنوات حتى يتم من خلالها تطبيق الجانب الخاص بالفلسطينيين كما هو مطروح في صفقة القرن، وهو دولة فلسطينية منزوعة السلاح وإعطاء الفلسطينيين ما نسبة 14% من الأراضي، وفي المقابل التنازل عما نسبته 30% من الأراضي، والتي تسيطر عليها إسرائيل فعلياً بالقوة بحسب مخطّط ضم أراضي الضفة الغربية.

الوقت الذي سوف يمرّ بين الاعتراف والرفض سوف يكون قاتلاً للفلسطينيين، وسوف تكون هناك مرحلة جديد من مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية التاريخية التي لم يتبقَّ منها سوى القليل.

وسوف يكون مستقبل وواقع ديموغرافي، وجغرافي جديد في فلسطين تفرضه إسرائيل بالقوة، أمام صمت عربي ودوليّ واضح، وكل ذلك مرهون بخطوات فلسطينية حقيقية وسريعة لإتمام المصالحة الفلسطينية وعودة الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم