السبت - 11 أيار 2024

إعلان

صُنِعت في لبنان

منى الحاج فيعاني
صُنِعت في لبنان
صُنِعت في لبنان
A+ A-

أنا المواطنة اللّبنانيّة، أقرّ وأعترف بأنّ ثورتي صُنعت في لبنان. وإليكم شهادة المنشأ.

ثورتي صُنعت في هوائنا الذي لوّثه دُخان معاملكم ونُفاياتكم وعَوادمكم، فبتْنا نتنفّس الموت كلّما تجرّأنا وتنفّسنا.

ثورتي صُنعت في المساحات الخضراء التي الْتهَمتْها نيران حقدكم المُتأجِّج فصيَّرْتموها مساحات سوداء. سوَّدَ اللّه وجوهكم.

ثورتي صُنعت في أنهرٍ باتت تئِنُّ وجَعاً من شدّة التلوّث، إذْ أدْخلتم السُّمّ والموت إلى مياهنا.

ثورتي صُنعت في جبال لبنان الشّامخة التي نهشَتْها كسّاراتكم الجَشِعة فشوَّهَت صورتها الإلهيّة.

ثورتي صُنعت في نفاياتكم التي رميْتموها في كلّ مكان حتّى غطّت شوارع الوطن من أقصاه إلى أقصاه، فبِتْنا سُخرِية العالم؛ نفاياتكم التي طمرتموها في التّربة الخصبة وفي الأنهار والبِحار وصنعتم منها جبالاً. .

ثورتي صُنعت في بيوت الحاجة والعَوَز، وفي جيوب الفقراء التي مدَدْتم أيديكم إليها لتسلبوا القِلّة القليلة الباقية فيها، فيما تزداد مظاهر الثّراء الفاحش لديكم، ما أجّج شعور الغضب في نفوس المُعْوزين.

ثورتي صُنعت في أعراسكم الخياليّة التي تباهيتم بها بكلّ وقاحة على وسائل التواصل الإجتماعيّ لتؤكّدوا لنا أنّكم سلاطين المال والسّلطة.

ثورتي صُنعت لدى عوائل الشّهداء الّذين بكَوا ولا زالوا أحباباً لم يقْتنعوا يوماً بالحجّة التي ساقها المجرم المسؤول عن استشهادهم.

ثورتي صُنعت من أطعمة فاسدة سُرِّبَت إلى موائدنا ومنها إلى أجسادنا لِتغْتالها ببطء.

ثورتي صُنعت على طُرقات الموت الذي حصد أولادنا بسبب تراخيكم عن فرض تطبيق القوانين.

ثورتي صُنعت من تعاسة الفلّاحين وشقاء المُزارعين الذين لطالما رمَوا إنتاجهم الكاسد في وجوهكم.

ثورتي صُنعت في صنابير نفتحها في بيوتنا فلا تأتينا المياه، ومصابيح نُشْعلها فلا تُنير ظلمات حياتنا.

ثورتي صُنعت في البلد الذي سجّل أعلى نسبةٍ لمرضى السّرطان في مُحيطه.

ثورتي صُنعت في عيون شبابٍ طموحٍ، طردْتموه خارج الوطن حين رأيتم شهاداته وتحقّقتم من كفاءاته التي أخافتكم فَسَدَدْتم فُرص العمل في وجهه كي تُجرّدوه من كلّ سلاح.

ثورتي صُنعت في المناطق النّائية المُهَمّشة التي بَتَرْتموها عن جسد الوطن، فما عاد الدّم يجري في عروقها، وإذا تكرّمتم وتذكّرتموها فإمّا لتقاضي الضّرائب وإمّا لحصْد الأصوات الإنتخابيّة.

ثورتي صُنعت في كرامة القُضاة الّذين كبّلتموهم بِكَمٍّ من القوانين والقرارات سَلَبَت استقلالهم وجعلتهم موظّفين ينْصاعون لتأمين مصالحكم.

ثورتي صُنعت في المؤسّسات الدّستوريّة التي أمْعنْتُم في تعطيلها كلّما اخْتلفتم، فيما الوطن يهوي نحو الانهيار التّام.

ثورتي صُنعت في أدائكم المِيليشْيويّ البعيد كلّ البُعد عن أداء رِجالات الدّولة الِشّرفاء.

ثورتي صُنعت في كلّ مظاهر المحسوبيّة والزّبائنيّة وما أكثرها: جاهلٌ يُعَيَّن أستاذاً، سارقٌ يُؤتمن على المال العام، مَخبولٌ يوجّه الأوامر لموظّف فاقَه فَهْماً ومعْرفةً، مُتواطئ يحْتكر المشاريع العامّة، فاشِل توسّطتم لإدخاله السّلك العسكريّ فبات يتصرّف وكأنّه قائد جيوش المسْكونة، مُتَغطْرِس نسِي أنّه من حديثي النّعمة، و... و... و...

أين صُنعت ثورتي؟ صُنعت على الكُرسيّ المُدوْلب، وفي عيون الأعمى، ولسان الأبكم، وأذنَي الأطرش، الذين ما لاقوا منكم سوى التهميش والاسْتبعاد والرَذْل حتّى جعلتموهم يُشْفقون على حالهم ويأسفون لأنّهم وُلِدوا أصلاً.

ثورتي لديها شهادة مَنْشأ، تذكّرتُ منها القليل ونسيتُ الكثير الكثير.

وتسْألون أين صُنعت ثورة 17 تشرين الأول 2019؟!

لا تخافوا، هي لا تمْتَهِن العَمالة، فلهذه الأخيرة أربابها وأنتم الأدرى بهم.

أنتم مَنْ صنع الثّورة يا سادة! وربّما تكون المرّة الوحيدة التي صنعْتم فيها شيئاً جميلاً، مُفيداً، ناصِعاً للوطن!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم