الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

إيران... ومواجهة مشروعها التوسّعي الطائفي

خالد الربيع - أستاذ جامعي
إيران... ومواجهة مشروعها التوسّعي الطائفي
إيران... ومواجهة مشروعها التوسّعي الطائفي
A+ A-

الذين ينتظرون من إيران أن تطلق كلماتها المشهورة التي أطلقها قائد ثورتها آنذاك الخميني "لقد تجرّعت كأس السمّ"، إبان حرب الخليج الأولى في أيلول 1980 والتي اندلعت بين العراق وإيران واستمرت 8 سنوات، فسوف ينتظرون كثيراً. فإيران في الوقت الحالي ليست إيران في السابق من حيث النفوذ الإقليمي، حيث تمددت في أربع عواصم عربية، وأصبحت تصادر قراراتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وهي الآن قريبة من إقامة "هلالها الشيعي" الممتدّ من الحدود الأفغانية إلى البحر المتوسط، في ظل أزماتها الاقتصادية، إذ وصلت نسبة التضخم إلى ما يقارب 50%.

إن سياسة إيران التوسعية هي خارج نطاق القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية، بل هي تستفيد من هبات وعطايا الدول العربية والإسلامية، وتدرك جيداً أنها، أي الدول العربية، لا تستطيع حسم أي ملف حتى لو كان يمسّ أمنها القومي، وذلك بسبب خلافاتها وتشرذمها واعتمادها على الحماية الخارجية والتحالف مع الأنظمة القمعية، وكان آخر هذه التحالفات مع الكيان الصهيوني في ظلّ انشغال الغرب بملفات عديدة أبرزها الهجرة غير الشرعية، وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة، والأزمة الاقتصادية العالمية، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "البريكست".

إيران التي تدّعي نصرة المستضعفين وتخصص لهم بنداً ثابتاً في موازنتها العامة، وتعتبر أن ثورتها لا شيعيّة ولا سنيّة بل إسلامية، سيطرت، في القرن الماضي، على الجزر الإماراتية (طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى) والأحواز "عربستان سابقاً". ولا يزال مشروعها التوسعي مستمراً في سوريا ولبنان واليمن والعراق وغزة وأفريقيا، رغم تعاقب الأنظمة والحكومات في طهران.

مشروع إيران التوسعي لم يكن وليد اللحظة وإنما يعتمد على استراتيجية طويلة الأمد لتحقيقه وفق موروثها التاريخي، والذي يمتد من اليمن إلى الشام؛ فقد يستغرق تنفيذ مشروعها عشرات السنين باستخدام كل الوسائل: الميليشيات والاقتصاد والدِّين وجماعات الضغط في الغرب.

فإيران، يرسم مرشدها الديني الأعلى سياستها، ويقوم حرسها الثوري بتنفيذ هذه السياسة منذ قيام ثورة الخميني عام 1979، والمنطقة تشهد تغيراً إيديولوجياً؛ إن الوضع الجيوسياسي والاستراتيجي في المنطقة الممتدة من شواطئ لبنان على البحر المتوسط وحتى شواطئ اليمن على بحر العرب والبحر الأحمر، ومن الجولان المحتل حتى سواحل الخليج العربي، ومنها الحدود العراقية ـ الإيرانية، يميل لصالح القوة الإيرانية المتنامية في المنطقة، سواء من الناحية الإيديولوجية أو من ناحية النفوذ الأمني والتعبوي لجميع الدول الموجودة ضمن هذا المجال الحيوي، بغضّ النظر عن حجم استقلالها وقوة حكوماتها.

على الدول العربية أن تدرك أن الغرب لا يريد إسقاط نظام الملالي الإيراني، كما صرّح أكثر من مسؤول غربي؛ وحتى لو افترضنا أنه تمّ تغير نظام الحكم في طهران، فمن المؤكد أنه لن يأتي بنظام سنّي حيث يرى الغرب أن إيران أقلية بما تمثّله من زعامة للمكوّن الشيعي، وهي بذلك قادرة على خلق توازن مع المنظومة السنيّة في المنطقة.

لن تقدّم إيران أي تنازل، ولن تجلس على طاولة الحوار، وخصوصاً في المنطقة العربية، إلا إذا انهزمت أو تضرر مشروعها التوسعي الطائفي.

يمكن للدول العربية إثارة قضية الشعوب غير الفارسية التي تشكل ما يقارب 40% من سكان إيران، ولكن قد يكون ذلك صعباً في الوقت الحالي في ظل المغامرات السياسية غير المحسوبة لبعض الدول العربية.

إن من يعتقد أن مواجهة مشروع إيران التوسعي الطائفي باستخدام الأدوات التقليدية السابقة أو باستخدام فزّاعة الإرهاب لقمع كل صاحب رأي لتأخير الإصلاح السياسي، قد يكون مخطئاً؛ لقد كان أمام الدول السنيّة في المنطقة وخصوصاً دول الخليج المستقرة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، فرصة سانحة إبان اندلاع الثورات العربية (الموجة الأولى) لهزيمة المشروع الإيراني التوسعي الطائفي بعد التراجع الكبير لدور العراق وسوريا ومصر، لكن تعاملت هذه الدول مع كل متغير على أنه خطر يهدد أمنها واستقرارها.

على دول المنطقة التعامل مع (الموجة الثانية) من موجات الربيع العربي في العراق ولبنان بمفهوم مختلف؛ قد تكون هذه الانتفاضات الشعبية أكبر خطر يهدد إيران وينذر بفرط "عقد الهلال الفارسي"؛ كما عليها أن تبحث في العوامل المشتركة في ما بينها وليس على قاعدة من "ليس معي فهو ضدي"، لمواجهة مشروع إيران التوسعي. أما إذا عوّلت دول المنطقة على الكيان الإسرائيلي لكبح نفوذ إيران، فالمتغيرات على الساحة السياسية الإسرائيلية ليست في صالحها، إذا ما علمنا أن رئيس وزراء إسرائيل المكلف بتشكيل الحكومة، بيني غانتس، لا يمانع الاتفاق النووي الإيراني.

ربما تشهد المنطقة قريباً اتفاقاً بين الغرب (الدول الست) وطهران. اتفاق مشابه للذي وقع في نيسان 2015، لكن قد يتضمن الاتفاق الجديد الصواريخ البالستية حيث إن الدول الغربية لا تريد مواجهة عسكرية مع إيران، فقد يعطي الاتفاق الجديد الضوء الأخضر لإيران لكي تتمدد وتتوغل أكثر من ذي قبل في الدول العربية. وإذا اعتقد أيٌّ من ساسة العرب أن تمدد إيران في الدول العربية بعيد عن نظر الغرب، عليه إعادة حساباته، فالغرب يهمه في المقام الأول من يحمي مصالحه.

إيران جعلت ميليشياتها، كحزب الله في لبنان، مروراً بفيلق بدر الذي يُعتبر العمود الفقري للحشد الشعبي في العراق، وصولاً إلى أنصار الله بجمهورية اليمن، في مواجهة مباشرة مع الدول السنيّة في المنطقة.

من المؤكد أن الخارطة العربية بعد عقد من الزمن سوف تشهد تغيرات "جيوسياسية وديموغرافية" ليست لصالح الدول العربية بل في صالح إيران وإسرائيل وتركيا، وهذه الدول لديها مشروعها التوسعي والاستيطاني، سواء باستخدام القوة الناعمة أو الخشنة؛ فإيران استحوذت على أربع عواصم عربية، وتركيا قضمت الشمال السوري لصالح نفوذها وأمنها القومي، أما إسرائيل فقد احتلت وسيطرت على الجولان والقدس وجزء كبير من الضفة الغربية، في ظل وجود منظومة عربية غير قادرة على فعل شيء سوى إصدار بيانات التنديد والاستنكار.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم