الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

هل تعلّم الغرب من أخطائه في قراءة بوتين؟

المصدر: "النهار"
إعداد جورج عيسى
هل تعلّم الغرب من أخطائه في قراءة بوتين؟
هل تعلّم الغرب من أخطائه في قراءة بوتين؟
A+ A-

عقيدة بوتين والقدرة على المضيّ في الحكم

صحيح أنّ بوتين يرى تفكّك الاتّحاد السوفياتي ضربة كبيرة لبلاده. ومع ذلك، لم يتشرّب العقيدة الماركسيّة-اللينينيّة التي فُرضت في المدارس. ترى غلاسر أنّ "الأرثوذكسيّة، الأوتوقراطيّة، القوميّة" تتناسب أكثر مع بوتينيّة اليوم. انعكست تلك الفلسفة في العديد من المجالات السياسيّة. تضيف غلاسر أنّه مع بداية الألفيّة الحالية، حين بدت موجة الدمقرطة لما بعد الحرب الباردة منتشرة بقوة، عكَسَ بوتين المسار في روسيا وأعاد إدخال السلطة المركزيّة إلى الكرملين.

واليوم، في واشنطن وبعض العواصم الغربية، هو رجل شرّير ومُعاقَب بسبب احتلاله جزء من جورجيا وأوكرانيا واستفزازه الغرب خصوصاً في التدخل بالانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة وعمليّة التسميم في بريطانيا. كذلك، استطاع بوتين إنقاذ الأسد فصار "أبرز لاعب روسي في الشرق الأوسط منذ (عهد الزعيم السوفياتي السابق ليونيد) بريجنيف" (1964-1982). كذلك، يبدو أنّ بوتين حقّقه حلمه بعالم متعدّد الأقطاب. "كلّ ذلك، وهو يبلغ من العمر 66 عاماً، وهو يظهر نشيطاً، وبصحة جيدة وقادراً على الحكم لسنوات عدّة مقبلة."


بين النجاح الخارجيّ والمشاكل الداخليّة

لم تكن مسيرة بوتين السياسيّة سهلة دائماً. فهو، بحسب الكاتبة، عانى في الداخل أكثر ممّا يوحي به "غروره" على الساحة الدوليّة. سنة 2018، فاز بالرئاسة الروسية بنسبة 77% من الأصوات، لكن منذ ذلك الحين تناقصت شعبيّته. في استطلاع رأي رسميّ الربيع الماضي، قال 32% من المستطلعين الروس إنّهم يثقون برئيسهم، وهو الرقم الأدنى على الإطلاق طوال مسيرة حكمه. لكن مع طلب بوتين تغييراً منهجيّاً، وصلت شعبيّته إلى منتصف الستينات بينما بلغت أعلى رقم لها سنة 2014 بعد ضمّه للقرم حين قاربت 90%.

مؤخّراً، أصبحت التظاهرات ميزة "اعتياديّة" في المدن الروسيّة وقد كان قرار رفع سنّ التقاعد غير شعبيّ بشكل خاص، فيما لا تزال معارضة حقيقيّة موجودة، تقودها وجوه مثل الناشط المعارض للفساد ألكسي نافالني على الرغم من سنوات طويلة في محاولة قمعها. وتضيف الكاتبة أن لا خلَفَ واضحاً لبوتين بينما يتحدّث المراقبون المتخصّصون في شؤون الكرملين عن وجود صراع داخليّ بين الأجهزة الأمنيّة وطبقة رجال الأعمال في اقتراح بأنّ صراعاً ضخماً لمرحلة ما بعد بوتين قد بدأ بالفعل. كذلك أصبح الركود الاقتصاديّ كنية تُستخدم لمهاجمة بوتين.


الأحداث التي تركت أثراً عميقاً في نفسه

تعود غلاسر إلى سنة 2012 حين وصل بوتين مجدّداً إلى الرئاسة، لتشير إلى الهواجس التي تحيط به. في تلك السنة، استُقبل بالتظاهرات الواسعة التي "صدمت بوتين في الصميم". فهو يعتقد أنّ بإمكان تظاهرات الشارع أن تنقلب بسهولة إلى ثورات تهدّد النظام. وهذا أمر أساسيّ لفهم الرئيس وسلوكه المستقبليّ. تشير غلاسر إلى الثورات الملوّنة التي اندلعت خلال ولايته الرئاسية الأولى: ثورة الورود في جورجيا سنة 2003 والثورة البرتقالية في أوكرانيا سنة 2004 وثورة الأقحوان في قرغيزيا سنة 2005. ومنذ ذلك الحين، ناهض الرئيس الروسيّ الحروب والثورات التي هدّدت الأنظمة.

تفسّر ريبة بوتين من هذه الثورات قراراته اللاحقة على المستوى الدوليّ كرفض الحرب على العراق والتدخّل في أوكرانيا بعد الإطاحة بحليفه فيكتور يانوكوفيتش وتدخّله في سوريا لمنع الإطاحة بالأسد. لكنّ شكوكه بالثورات لا ترتبط فقط بما شهده في ولايته الرئاسيّة الأولى. تستذكر الكاتبة أبرز ما واجهه بوتين حين كان لا يزال في الاستخبارات السوفياتيّة في درسدن-ألمانيا الشرقيّة وهو ما كان قد سرده في سيرته الذاتيّة. يدرك كثر أنّ سقوط جدار برلين كان منعطفاً سياسيّاً سيّئاً بالنسبة إلى بوتين بل كان "صدمة لم ينسها قط" وفقاً للكاتبة. بعد أسابيع قليلة على سقوط الجدار، ثارت اضطرابات هدّد خلالها ألمان شرقيّون غاضبون باقتحام مكتب جهاز أمن الدولة. حينها، طالب بوتين وحدة من الجيش بالتحرّك، فكان الجواب: لا نستطيع فعل شيء من دون أوامر من موسكو. وموسكو صامتة."


إدراك بعدما فات الأوان

ترى غلاسر أنّ أجندة بوتين كانت واضحة من البداية وتصرّف بناء عليها بسرعة كبيرة. فمواصلته الحرب في الشيشان وإعادة إدخال النشيد السوفياتي والسيطرة الرسمية على التلفزيون المستقلّ الوحيد في تاريخ روسيا ونفي الأوليغارشيّين الأقوياء ثمّ إلغاء انتخابات الحكام الإقليميين وإحاطة نفسه بمستشارين موالين له من الأجهزة الأمنية وغيرها الكثير من الخطوات التي سردتها الكاتبة، لم تكن صعبة القراءة في حينه.

بعد لقائه بوتين في قمّة سلوفينيا سنة 2001، قال الرئيس الأسبق جورج بوش الابن إنّ بوتين "صريح جداً وموثوق به". وفي 2004، أعلن بوتين أنّ انهيار الاتحاد السوفياتي "أعظم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين. ووصف الرئيس السابق باراك أوباما روسيا بأنّها لاعب إقليميّ. بذلك، تعلّق غلاسر على الموضوع بالإشارة إلى أنّ الأميركيّين فشلوا في أخذ بوتين على محمل الجد حتى فات الأوان. لكن لماذا هذا الإخفاق في رؤية جميع هذه المؤشّرات؟


وجهان للإخفاق

تجيب غلاسر بأنّه لم يكن للغربيّين إطار عمل لعالم تتنامى فيه الأوتوقراطيّة لا الديموقراطيّة حيث تنافس قوى تنقيحيّة مثل روسيا والصين الولايات المتّحدة بناء على قواعد أكثر مساواة. وبعد نهاية الحرب الباردة، اعتادت واشنطن على فكرة أنّها القوة العظمى الوحيدة في العالم. كذلك، حكمَ المراقبون الغربيّون على روسيا انطلاقاً من معاييرهم الخاصّة.

على الرغم من ذلك، تتابع غلاسر، كما أخطأ الأميركيّون عندما قلّلوا من شأن بوتين في الماضي، قد يخطئون في المستقبل عبر المبالغة في تقدير قوّته. "المؤشّرات التحذيريّة هي جميعها هنا: الاقتصاد المنكمش، القوميّة الصاخبة كإلهاء عن التفسّخ الداخليّ، نخبة تتطلّع إلى الداخل وتتصارع على تقسيم الغنائم فيما ترى احتكارها أمراً مفروغاً منه."

لا تجزم غلاسر في الختام بأنّ المرحلة المقبلة ستشهد محو إنجازات بوتين. لكنّها تشير إلى أنّ شبح بريجنيف الذي تميّز عهده بالركود الطويل السابق لانهيار الاتّحاد السوفياتيّ، يخيّم بقوّة في الكرملين.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم