اشترِك في نشرتنا الإخبارية
يؤلمني مشهد الآباء العاجزين عن تسديد أقساط المدارس والجامعات.
يؤلمني مشهدكم، أنتم الذين لا تستطيعون أنْ تشتروا أعيادًا لأولادكم، ولا أن تهدوا إليهم أحلامًا، ولا ابتسامات.
يؤلمني أنّ أولادكم، يا هؤلاء الأشراف، يشعرون بالدونيّة أمام رفاقهم الذين يتبخترون بأعيادهم وأحلامهم وابتساماتهم في الملاعب وعلى مقاعد الدراسة.
يؤلمني إحساسكم يا هؤلاء الآباء، بأنّكم في بعض لحظات اليأس، تتمنّون الموت لأنفسكم، لأنّكم تشعرون بكرامة الأبناء المهانة، ولا تستطيعون أنْ تمسحوا عن وجوههم الكليلة، ولا عن أعمارهم الضئيلة، بصمات تلك المهانة، ولا أنْ تهدِّئوا روع تأوّهات الوجع الساكت عن تعابيرهم وقسماتهم المؤنِّبة.
يؤلمني أنّكم في أعماقكم تتمنّون ألّا يشرق عليكم فجرُ نهارٍ جديد، لئلّا تروا وجوه أولادكم البائسة، أو لئلّا يطالبكم أحدٌ بتسديد دين، أو بفكّ رهن.
يؤلمني أنّكم تتألّمون، ولا تعثرون على ربٍّ، ولا على حاكمٍ، ولا على قانونٍ، يتألّم معكم. ومن أجلكم.
أنتم يا هؤلاء الآباء، يا لكم أعزّاء، إذ تجلسون إلى موائد الخير، مكتفين بالخبز والزيتون، ثمّ في الصباح المبكر تخرجون من بيوتكم أُباةً، مشمِّرين عن زنودكم وعقولكم، بحثًا عن مورد رزقٍ شريف، فلا تنحني لكم هامة، ولا ينال منكم سؤال.
أنتم يا هؤلاء النبلاء، أنتم آبائي وأمّهاتي، أخوتي وأخواتي، أتشرّف بأنْ أكتب عنكم، وأكتب لكم. ذلك أفعله، لا منّةً، بل تكريمًا لوجودكم الأبيّ، وكراماتكم العالية.
أنتم يا هؤلاء الأشاوس، يكفيكم فخرًا أنّكم لا تبحثون عن مخارج لئيمةٍ وخسيسةٍ أو مستكرهةٍ لمشكلاتكم، وأنّكم ترفضون – لتحقيق ذلك - أنْ تنتموا إلى زعيم، أو إلى حزب، أو إلى طائفة.
علمًا أنّكم يا هؤلاء الأشاوس، تعلمون أنّكم كنتم لتغتنوا لو انتميتم إلى واحدٍ من الذين يحتلّون فوق.
وإنّي إذ أحيّيكم، يا هؤلاء الأشاوس الآباء النبلاء الفقراء، أخاطب أبناءكم وبناتكم، داعيًا إيّاهم إلى الاعتزاز ببنوّتهم هذه، وانتمائهم وانتمائكم إلى لا أحد. ومحرِّضًا إيّاهم على مواصلة اجتراح الحياة الكريمة، وإنْ بفلح الصخور.
تذكّروا فقط أنّ الذين من طينتكم، وسبقوكم، كانوا صنعوا معجزات. وفتّحوا الآفاق. وأنجزوا إضاءة الليالي الحالكات الباكيات بالنجوم والكواكب الضاحكات.
واصِلوا الفعل ذاته، أيّها الأهل الأحرار الأشراف.
وإذا كان من غير المشرِّف لأحدٍ، أنْ تظلّ تشرق الشمس ذاتُها عليكم وعلى سرّاق سعادتكم، فمن المشرِّف جدًّا في المقابل، أنّ شموسكم لن تشرق يومًا ملطّخةً بوصمة عارٍ من مصافحة هؤلاء!
شرفُكُم خبزُكُم، تخبزونه بنار القلوب وعرق الجبين، أيّها الآباء المجاهدون الشرفاء.
إنّي أنحني.
إنّي أنحني له.
إنّي أنحني لخبزكم النبيل أيّها النبلاء!
