الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"البابا فرنسيس يقبّل أرجل خدّام إسرائيل الصهيونيّة"؟ إليكم الحقيقة FactCheck#

المصدر: النهار
البابا مقبلا أرجل زعماء جنوب السودان (11 نيسان 2019، أ ف ب).
البابا مقبلا أرجل زعماء جنوب السودان (11 نيسان 2019، أ ف ب).
A+ A-
يتناقل مستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مصوّراً بمزاعم أنه يظهر "البابا فرنسيس يقبّل أرجل خدّام إسرائيل الصهيونية"، وذلك "لإنهم حقّقوا حلم الكاثوليكية في نشرها في إفريقيا". غير أن هذا الادعاء لا اساس له. الفيديو الذي يعود لـ11 نيسان 2019، يظهر البابا فرنسيس مقبّلاً أقدام زعماء جنوب السودان، في لفتة مؤثرة أراد من خلالها التشديد على ضرورة السير في درب المصالحة بينهم، وذلك بعد خلوة روحية غير مسبوقة جمعتهم في الفاتيكان. FactCheck#
 
"النّهار" دقّقت من أجلكم  
 
الوقائع: 1,47 دقيقة مدة الفيديو. المشاهد تظهر البابا فرنسيس راكعا ليقبل أرجل اشخاص كانوا واقفين في غرفة. منذ ساعات، تكثف التشارك في الفيديو، عبر صفحات وحسابات، خصوصا عراقية، في الفيسبوك (هنا، هنا، هنا، هنا، هنا، هنا...)، وتويتر (هنا، هنا، هنا...). وقد أرفق بالمزاعم الآتية (من دون تدخل أو تصحيح): "هذا بابا الفاتيكان، والعراق منتظر جيته. البابا يقبل ارجل خدّام إسرائيل الصهيونية. فيديو غريب جداً . البابا فرانسيس بابا الفاتيكان الذي يعتبره الكاثوليك بأنه (ظل الإله على الأرض وله حق الغفران و الحرمان) وهو يُقبل (بعناء و جهد) أقدام زعماء جنوب السودان. لإنهم حققوا حلم الكاثوليكية في نشرها في إفريقيا وإنفصال وتفكيك دولة السودان وجعل جنوب السودان قاعدة للصهاينة".
 
 
 
 
التدقيق: 
ينتشر هذا الفيديو في وقت يستعدّ العراق لاستقبال البابا فرنسيس، الجمعة 5 آذار 2021، في أول زيارة بابوية على الإطلاق لهذا البلد، بهدف تشجيع المسيحين الذين تعود جذورهم في هذا البلد إلى التاريخ على الصمود رغم تراجع أعدادهم، وتعزيز تواصله مع المسلمين. ومن أبرز محطات زيارة البابا، لقاء يجمعه بالمرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في النجف (وكالة فرانس برس، 1 آذار 2021). 
 
وقال البابا فرنسيس، اليوم الخميس، في رسالة إلى العراقيين إنه يزور بلدهم "حاجا يسوقني السلام" من أجل "المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب". وأكد في رسالة مصورة موجهة إلى الشعب العراقي بثت عشية توجهه إلى العراق: "اوافيكم حاجا تائبا لكي التمس من الرب المغفرة والمصالحة بعد سنين الحرب والإرهاب (...) اوافيكم حاجا يسوقني السلام" (وكالة فرانس برس، وهنا فاتيكان نيوز).
 
 
- حقيقة الفيديو -
هذا هو بابا الفاتيكان الذي ينتظر العراق زيارته. والفيديو المتناقل له أخيرا، قبل زيارته العراقية المرتقبة، أُرفق بمزاعم خاطئة، مضلّلة، أبعدته تماما عن سياقه الحقيقي. 
 
البحث يبيّن أن الفيديو وهذه المزاعم سبق أن نشرتهما صفحات (هنا، هنا) في 12 نيسان 2019. وحقّقا يومذاك 4800 مشاركة انطلاقا من هذه الصفحة، وحظيا بـ1200 اعجاب على الأقل... ليتجدد نشرهما أخيرا مع اقتراب الزيارة البابوية للعراق.  
 
 
 
ما الذي نشاهده في الفيديو؟
في 11 نيسان 2019، انتشرت صور ومشاهد مصوّرة للبابا فرنسيس في مختلف ارجاء العالم، مقبّلاً أرجل رئيس جنوب السودان سلفا كير Salva Kiir Mayardit ونواب الرئيس المعيّنين، بينهم ريك مشار Riek Machar، وريبيكا نياندينق دي مابيور Rebecca Nyandeng De Mabior، وذلك في ختام خلوة روحية لقادة جنوب السودان استضافها الفاتيكان في (10-11) نيسان 2019، "في محاولة لرأب الانقسامات المريرة بينهم قبل التشكيل المقرر لحكومة وحدة".
 
وكان من المشاركين في الخلوة الروحية، جاستن ويلبي، كبير أساقفة كانتربري، وأعضاء مجلس كنائس جنوب السودان، وغيرهم من قادة الكنيسة الكاثوليكية في إفريقيا. وويلبي هو الذي اقترح على البابا فكرة الخلوة الروحية.
 
والفيديو المتناقل مصدره الأصلي حساب موقع "أورو نيوز" EuroNews في يوتيوب (هنا)، مرفقا بالعنوان الآتي: "البابا فرنسيس يقبل أرجل زعماء جنوب السودان في محاولة لتحقيق السلام". 
 
 

ولكن لماذا قبّل البابا فرنسيس أقدام قادة جنوب السودان؟
هل "لإنهم حقّقوا حلم الكاثوليكية في نشرها في إفريقيا وتفكيك دولة السودان وجعل جنوب السودان قاعدة للصهاينة"، كما يزعم المنشور؟ 
 
كلا، السبب ليس كما يزعم المنشور اطلاقا. 
 
البابا قبّل أقدام قادة جنوب السودان المتحاربين، في بادرة مؤثرة لـ"حضهم على إحلال السلام في ذلك البلد الإفريقي"، وتشديدا على "ضرورة السير في درب المصالحة لأنها وحدها تقود إلى السلام". 
 
وقد اقترنت لفتته المؤثرة تلك بتوجهه إلى ضيوفه الثلاثة قائلا لهم: "أتوجه إليكم أيها المسؤولون الثلاثة، الذين وقعتم اتفاق السلام، وأطلب منكم كأخ أن تحافظوا على السلام. أطلب منكم ذلك من صميم القلب، تابعوا السير قدما. ستكون هناك مشاكل كثيرة، لكن لا تخافوا. سيروا إلى الأمام واعملوا على حل المشاكل. لقد أطلقتم عملية، آمل أن تنتهي على خير. ستكون هناك صراعات بينكم، فلتبق هذه الصراعات داخل الغرف، وأمام الشعب وحّدوا الأيادي. وبهذه الطريقة تتحوّلون من مواطنين بسطاء إلى آباء للأمة. اسمحوا لي بأن أطلب منكم ذلك من صميم القلب، وبأعمق المشاعر" (فاتيكان نيوز، 12 نيسان 2019).
 
وكان البابا فرنسيس يلحّ على دعوته الى احلال السلام في جنوب السودان، لا سيما مع "تزايد القلق من أن يتسبب الانقلاب الذي وقع يوم الخميس، 11 نيسان 2019، في السودان المجاور في تقويض اتفاق السلام الهش الذي أنهى الحرب الأهلية الوحشية التي استمرت خمس سنوات في جنوب السودان"، على ما أوردت وكالة رويترز.

 
وقد اندلعت حرب أهلية في جنوب السودان في كانون الأول 2013، عندما أقال كير، وهو من قبيلة الدينكا، مشار وهو من جماعة النوير العرقية من منصب نائب الرئيس. وقُتل نحو 400 ألف شخص ونزح نحو ثلث سكان البلاد البالغ عددهم 12 مليون نسمة، مما تسبب باندلاع أسوأ أزمة لاجئين في إفريقيا منذ الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.

ووقّع الجانبان، في ايلول 2018 في اديس ابابا، اتفاق سلام جديدا لتقاسم السلطة، ويدعو الفصائل الرئيسية المتناحرة إلى تجميع وتدريب قوات كل منهما لتشكيل جيش وطني قبل تشكيل حكومة الوحدة الشهر المقبل.
 
 
وقد عبّر البابا فرنسيس مرات عن قلقه ازاء الوضع في جنوب السودان. وكرّر في منتصف آذار 2019، اي قبل أقل من شهر من انعقاد الخلوة في نيسان، التعبير عن رغبته في زيارة جنوب السودان، كدليل على "تشجيعه لعملية السلام" فيه، وذلك في ختام لقاء مع الرئيس كير. وقد بحث البابا وكير يومذاك في "مسائل تتعلق بتطبيق الاتفاق الذي توصلت إليه أخيرا الجهات السياسية المختلفة لإيجاد حل نهائي للنزاعات وعودة اللاجئين والنازحين وتنمية البلاد"، على ما جاء في بيان للفاتيكان.
 
وقد اعقبت زيارة كير للفاتيكان إعلان الكرسي الرسولي في بيان (3 نيسان 2019) أن "قادة جنوب السودان" يزورون الفاتيكان الأسبوع المقبل. وكتب المدير الموقت لدار الصحافة التابع للكرسي الرسولي أليساندور جيسوتي: "يمكنني أن أؤكد أنه من المرتقب تنظيم خلوة روحية لقادة جنوب السودان الاسبوع المقبل في الفاتيكان".
 
وهذا ما حصل.  
 
النتيجة: المزاعم اذاً ان "البابا فرنسيس يقبّل في الفيديو أرجل خدّام إسرائيل الصهيونية"، وذلك "لإنهم حققوا حلم الكاثوليكية في نشرها في إفريقيا"، مزاعم لا صحة لها. البابا فرنسيس قبّل أرجل زعماء جنوب السودان كبادرة لحضهم على السير في درب المصالحة ورأب الانقسامات بينهم وتحقيق السلام بينهم. 
 
 
 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم