الجمعة - 17 أيار 2024

إعلان

كيف تعاملت المناطق اللبنانية مع زينة الميلاد في زمن الانهيار؟

المصدر: "النهار"
زينة الميلاد في أسواق بيروت التجارية (نبيل إسماعيل).
زينة الميلاد في أسواق بيروت التجارية (نبيل إسماعيل).
A+ A-
مهدي كريّم
 
في هذه الفترة من كل عام، كانت أخبار ونشاطات البلديات بافتتاح زينة عيد الميلاد تحتلّ مواقع التواصل الاجتماعي، وتجري المنافسات على لقب "شجرة الميلاد الأجمل" أو "القرية الميلادية" الأكثر تميّزاً. في عام 2015 كلّلت بلدية جبيل نجاحها بتصنيف شجرتها "واحدةً من أجمل الأشجار عالمياً" بحسب صحيفة "الغارديان" الأميركية. لكن الأحداث المتتالية التي شهدها لبنان منذ عام 2019، والتي ترافقت مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانعكاسها على موارد البلديات المالية، بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا والإجراءات الوقائية، حالت دون تمكّن البلديات من تصدّر مشهد الأجواء الميلادية في هذه الأيام.
 
هذه الظروف التي سادت جعلت البلديات بمعظمها تقصر تعاملها مع فترة الميلاد على كونها مناسبة دينية ورمزية، ولم تعد تنظر إليها باعتبارها مناسبة تُسهم في تنشيط الحركة السياحية والتجارية من خلال استقطاب المواطنين أو السيّاح. فضلاً عن ذلك، ثمة بلديات أعادت ترتيب أولوياتها، وأصبحت تفضّل استغلال كلّ قرش لديها لتقديمه كمساعدة اجتماعية للعائلات الفقيرة بدلاً من صرفه على الزينة الميلادية؛ ومن هذا المنطلق فضّلت ترك مهمّة الاحتفال الميلادي للهيئات والجمعيات الأهلية أو الاكتفاء بوضع الزينة القديمة بعد صيانتها.
 
 
جبيل... فسحة أمل
في السنوات الماضية، كانت مدينة جبيل رائدة في تقديم زينة الميلاد الأجمل في لبنان، حيث كانت تتمكّن من استقطاب نحو 120 ألف شخص خلال فترة الأعياد، بحسب رئيس البلدية وسام زعرور. لكن هذا العام "جاء تمويل زينة الميلاد من القطاع الخاصّ، والبلدية لم تتكلّف سوى بدلات النقل والتركيب بمبلغ 100 مليون ليرة"، يوضح زعرور.
 
يتوقع الرئيس أن "تُسهم هذه الأجواء الميلادية التي ستتضمّن نشاطات شبه يومية بتنمية السياحة الداخلية، التي ستُسهم بدورها في الحركة الاقتصادية، ممّا سينعكس إيجاباً على تجّار المدينة التي تضمّ 4 آلاف مكلّف تجاريّ، وأكبر دليل هو ما حدث خلال احتفال الافتتاح حين حضر نحو 1500 شخص".
 
وانسجاماً مع ذلك، ستتّخذ بلدية جبيل بعض الإجراءات التي من شأنها مساعدة المطاعم والمقاهي، عبر منحها الرُخَص لخِيمٍ تسمح لها برفع القدرة الاستيعابية واستقبال العديد من الزبائن.
 
ويرى زعرور أن "هذه النشاطات تعكس صورة إيجابية عن لبنان، تعزّز فُرَص قدوم السيّاح. وقد شعرنا هذا العام بأنّه لا بدّ من منح فسحة أمل وسط الظروف التي تعيشها البلاد". وأضاف: "لقد خصّصنا هذا العام مكاناً للجمعيات إلى جانب شجرة الميلاد، من أجل جمع التبرّعات التي تهدف لتقديم المساعدات الاجتماعية".
 
 
جزين تتخلّى عن الأجواء الميلادية
بخلاف جبيل، سيكون احتفال مدينة جزين بالعيد مختلفاً هذا العام، إذ ألقت البلدية هذه المسؤولية على المبادرات الفردية والهيئات والمؤسّسات الأهلية والأحزاب الفاعلة في المنطقة، وسيقتصر دورها على تقديم المساعدات اللوجستية، بالإضافة إلى السماح باستخدام الزينة القديمة للبلدية على أن يتولّى صاحب المبادرة تكلفة صيانتها. فوفقاً لنائب رئيس البلدية سامر عون "من غير المنطقيّ أن ندفع 120 مليون ليرة لصيانة زينة الميلاد من أجل وضعها 15 يوماً؛ لذا نفضّل أن نوصل الفرحة وبهجة العيد وبركته بطريقة أفضل". والمقصود بالطريقة الأفضل هو تقديم هذه الأموال للعائلات المحتاجة، "وبذلك نكون إلى جانب مجتمعنا، ونقدّم له يد العون بطريقة أفضل، سواء بموادّ غذائية عينيّة أو مازوت أو غير ذلك من المساعدات. وهذا يتمّ بالتنسيق مع كهنة الرعيّة واللجان الأهلية"، وفقاً لعون.
 
ويلفت عون إلى أن "زينة جزين كانت من الأجمل في لبنان خلال السنوات الماضية إلا أن تكلفتها كانت تتراوح بين 40 و60 ألف دولار، وهذا المبلغ بات خيالياً اليوم بالنسبة إلى البلدية. وفيما حافظت الجباية على نسبة مرتفعة فإن إيرادات البلدية الأخرى تراجعت كثيراً. وقد وَصَلَنا يوم أمس من الصندوق البلديّ المستقلّ الجزء الثاني من مستحقات عام 2019". هذا الوضع دفع البلدية إلى اتّخاذ قرار جامع بعدم القيام بأيّ نشاطات أو إنشاء قرية ميلادية أو احتفالات للأطفال على غرار السنوات السابقة.
 
 
زحلة... الناس لديهم أولويات أخرى
أما زحلة فهي تتخذ إجراءات يُمكن القول إنّها وسطيّة بين جبيل وجزين، فالبلدية لن تشتري زينة ميلادية جديدة إذ استخدمت الزينة القديمة لتزيين ساحة الشهداء في المدينة، وكذلك حديقة المنشية، حيث تنوي افتتاح قرية ميلادية في داخلها، تتّسع لـ30 مكاناً مخصّصاً لأشخاص يرغبون في عرض منتجاتهم الحِرفيّة والمونة، بعد أن كانت تتّسع في السنوات السابقة لـ50 مكاناً، وتُكلّف البلدية نحو 100 مليون ليرة".
 
يُشير رئيس البلدية أسعد زغيب إلى أن "القانون لم يعد يسمح لنا بتقديم المساهمات والمساعدات المالية، لذا لجأنا إلى تقديم مساعدة للتجار في الأمور اللوجستية، ولا سيما تركيب الزينة التي يقدّمونها". وأضاف "في زحلة 6 أسواق، وهذا يفوق قدرة البلدية على تزيينها جميعها، لذا اتخذنا قرار الاكتفاء بمساعدة التجار لوجستياً".
 
وتابع زغيب: "من الصعب أن تتحمّل البلدية تكلفة الزينة في وقت يُعاني فيه المواطنون من ضائقة اقتصادية، ويجب ألا تتكبّد خزينة البلدية أموالاً طائلة لقاء زينة الميلاد فيما الناس لديهم أولويّات أخرى". ولفت إلى أن "حضور المواطنين إلى المدينة خلال فترة الأعياد كبير، لكن تأثيرهم على الحركة الاقتصادية والتجارية محدود، حيث تنحصر الاستفادة بالأشخاص المشاركين بالقرية الميلادية، لا بجميع تجار المدينة".
 
 
بيروت... الزينة الميلادية لن تشمل سوى شوارع معيّنة
هذا الوضع لا يختلف كثيراً عمّا ستقوم به بلدية بيروت، حيث "لن تضع البلدية زينة في جميع أنحاء العاصمة، بالرغم من الدور الكبير للأجواء الميلادية والاحتفالات في استقطاب المواطنين وتعزيز الحركة الاقتصادية والتجارية"، وفق رئيس البلدية جمال عيتاني. فالبلدية تتواصل مع الجمعيات الأهلية والتجار في بعض المناطق لإعارتها الزينة الميلادية التي تملكها، وهذا ما سيسمح بتزيين بعض الشوارع النابضة مثل الحمراء، ومار إلياس، والأشرفية، وفق خطة تقوم البلدية بدراستها حالياً. وبالتالي، لن يتكبّد المجلس البلدي أيّ مبلغ، بل سيقدّم مساعدة لوجستية وبالموادّ الموجودة لديه.
 
بالإضافة إلى ذلك، فإن العاصمة ستفتقد النشاطات التي ستكون محدودة جداً، إذ إن أولويّاتها ما زالت تقوم على "تقديم مساعدات عينيّة وماليّة لأهالي المنطقة، التي تأثرت بانفجار المرفأ، حيث اتخذنا قراراً في وقت سابق بدفع نحو 12 مليار ليرة لهم"، بحسب عيتاني.
 
 
زغرتا... عمل رمزيّ
وفي الإطار نفسه، قرّرت بلدية زغرتا وضع زينة ميلاد جديدة بعد أن استمرّت الزينة القديمة لـ5 سنوات من دون أيّ تجديد. وبالرغم من أن الزينة الجديدة أقلّ تكلفة وأصغر حجماً اضطُرّت البلدية إلى الاستعانة بإحدى الجمعيات لتمويل المشروع الذي تطلّب ما بين 10 و25 ألف دولار.
 
ومن المنتظر أن تُقيم البلدية نشاطاً صغيراً في نهاية الأسبوع الحالي من أجل افتتاح الزينة المكوّنة من شجرة ميلاد وأضواء على امتداد الشارع العام. ويرى رئيس البلدية أنطونيو فرنجية أن "الأجواء الميلادية لا تجتذب الكثير من السيّاح، ولا تساعد كثيراً في تنمية الحركة الاقتصادية، إذ إن الظروف الحالية في البلاد، سواء من الناحية الاقتصادية أو من ناحية انتشار فيروس كورونا، أصعب من مجرّد زينة ميلادية؛ لذا فإن الأجواء الميلادية تأتي هذا العام كعمل رمزيّ أكثر من أيّ شيء آخر". ولفت إلى أن "أولوية البلديّة تتركّز على مساعدة المواطنين، ولو أننا مقصّرون في هذا الجانب لما كنّا دفعنا هذا المبلغ على الزينة".
 
 
جونية... الإنماء أولاً
وفي جونية، ستقتصر الأجواء الميلادية على تركيب شجرة الميلاد والمغارة القديمة على مدخل المدينة. يشير نائب رئيس البلدية روي الهوا إلى أن "تكلفة التركيب والصيانة كانت نحو 80 مليون ليرة، وإذا أردنا وضع زينة جديدة أو توسيع الزينة الحالية فسيفوق المبلغ قدرتنا". وأضاف "لا شكّ في أن ميزانية البلدية انخفضت بسبب تراجع الجباية وضعف سوق الإعلانات وانخفاض عدد رُخَص البناء وإقفال الكثير من المحالّ التجارية، بالإضافة إلى تراجع باقي الموارد التي يمكن أن تحصل من خلالها البلدية على الأموال".
 
ويلفت الهوا إلى أن "البلدية لديها أولويات أخرى في ظلّ الوضع الاقتصادي السيّئ، فدفع أموال طائلة في الوقت الحالي على الزينة الميلادية أمر غير منطقيّ، ونفضّل أن نقوم بمشاريع إنمائية بهذه الأموال".
 
وتابع "هذه الزينة لا تستقطب السيّاح ولا تحرّك العجلة الاقتصادية، فمشكلة التجّار أكبر من القيام بنشاطات ميلادية".
 
 
القبيّات... خطر كورونا يمنع نشاطات العيد
أمّا في القبيّات، فكان هناك رأيان متناقضان قبل أن يُحسم الأمر لصالح الجهة التي تُحذّر من إمكانية انتشار فيروس كورونا، إذا أقيمت النشاطات الميلادية للأطفال. لذا، أشار رئيس البلدية عبدو عبدو إلى أن "انتشار فيروس كورونا والأوضاع الاقتصادية طغت على الأجواء الميلادية، فكان القرار بإلغاء جميع النشاطات، واقتصر استقبال العيد على تركيب شجرة الميلاد القديمة وإنارة الشارع العام، وذلك بأقلّ تكلفة ممكنة، إذ إن الرأي الراجح في المدينة كان لجهة عدم دفع مبالغ طائلة على الزينة الميلادية، خصوصاً أن إمكانيّات البلدية المالية باتت محدودة جداً في هذه الظروف".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم