الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

مغارة أفقا... من هنا تبدأ حكاية الربيع

المصدر: النهار
ريم قمر
أفقا- تصوير ريم قمر
أفقا- تصوير ريم قمر
A+ A-

تقع "أفقا" في منطقة جبيل، وهي تشتهر بشلّالها الجميل الذي يتدفق من مغارة كبيرة في أعلى الجبل. فيشكّل هذا الشلال، المنبع الرئيسي لنهر ابراهيم، الذي كان يُطلق عليه سابقًا تسمية نهر أدونيس.

يعدّ هذا الموقع من أجمل الأماكن الطبيعية في لبنان، والذي تحلو زيارته في فصل الربيع، حيث تتفجّر المياه بقوة مشكّلة مشهدًا في غاية الروعة والجمال.

يقصد الزائرون "أفقا" من جميع المناطق اللبنانية للاستمتاع بمشاهدة شلالها والتقاط أجمل الصور، وفي فصل الصيف يستغلون الفرصة للسباحة في البركة حيث تتجمع مياه الشلال، قبل أن تكمل جريانها لتصل إلى مصبها في البحر جنوب مدينة بيبلوس.

 
 

بالإضافة الى جمال الموقع الساحر، يتمتع هذا المكان بأهمية تاريخية وتراثية تعود تحديدًا إلى الفترة الفينيقية، الأمر الذي يجهله الكثيرون. فإسم "أفقا" يعني في اللغة الفينيقية "المياه المتدفقة". كما وترتبط أفقا بأسطورة الإله أدونيس التي تمثّل ولادة الطبيعة وتجددها في فصل الربيع.

 

تصوير ريم قمر

 

 اعتُبرت أفقا عبر التاريخ المكان الطبيعي الذي تتجسد فيه العلاقة بين ثلاثي العقيدة الدينية الفينيقية القديمة. فكان يعتقد اللبنانيون القدامى أن المياه المتدفقة من الشلال تمثّل إله الخصب والحياة "أدون"، الذي ينبثق في آنٍ من أعماق مغارة "إيل"، ومن جوف معبد "عشتروت" الذي يقع بالقرب من المغارة.

 
 

وفي مطلع القرن الرابع الميلادي، أمر الامبراطور قسطنطين الكبير بهدم معبد "عشتروت"، فتحوّل فيما بعد إلى كنيسة بيزنطية مكرّسة للسيدة العذراء مريم. ولكن المعبد هُدم بشكل كامل بسبب الزلازل التي توالت على لبنان، ولم يبقَ منه اليوم سوى بعض الركام.

وعلى الرغم من ذلك، أصبح المعبد يُعرف اليوم باسم "سيدة أفقا"، حيث وُضعت صورة للعذراء داخل حنيّة مقوّسة فوق الدهليز المقبب الذي يشكّل قسمًا من قاعدة معبد "عشتروت". ومن العادات السائدة في الموقع، إضاءة الشموع في داخل الحنية وتعليق خرقٍ من الثياب بمثابة نذور على أغصان شجرة نبتت في جدار المعبد، بهدف الرزق بالبنين.

 
 

 

ارتبطت بالموقع أسطورة تعدّ من أجمل الأساطير القديمة وأعمقها وأوسعها انتشارًا، وهي أسطورة الإله أدون الشاب. هذه الأسطورة وما رافقها من طقوس واحتفالات ترمز إلى تحوّلات الطبيعة وتعاقب الفصول، وما ينتج عنها من تغيّر في الغطاء النباتي، وما يتخلله من نمو للزرع وتفتح البراعم واخضرار الثمار ونضجها، وما يعقب ذلك من اصفرار ويباس وموت النبات.

 
 

فتحكي الأسطورة قصة الإله الشاب أدون الذي مات موتة مأسوية بعد صراعه مع وحش متقمص شكل خنزير بري، يرمز إلى الإله "موت". أما الدماء التي سالت من جرحه فقد تحولت إلى زهر أحمر يُدعى "شقائق النعمان". فكلمة شقائق تعني الجروح بينما كلمة نعمان فكانت تطلق كصفة لأدون ومعناها "الحبيب". بعد موته، تبكي عشتروت الإله الشاب وتحمله إلى أفقا وتدفنه هناك. لكن أدون، وبعد نزوله إلى عالم الظُلمات، يقوم منتصرًا على الموت.

 
تصوير ريم قمر

 

ولقد ترافقت مع هذه الأسطورة احتفالات وطقوس خاصة بموت "أدون" وقيامته، يُطلق عليها تسمية "الأدونيات" وكانت تجري في أوائل فصل الربيع. ولمّا كان الإله أدون يرمز إلى روح النبات والحبوب، فلقد أضحت طقوس موته وقيامته تعبيرًا رمزيًّا عن موت النبات وانبثاقه. فبموته تموت الطبيعة ويتوقف الخصب، وحين يُبعث حيًّا يعود الاخضرار وتزهو الطبيعة تمامًا كما يحصل في تعاقب الفصول.

 
تصوير ريم قمر
 

وكان السكان المحليون يعتقدون بأن الإله أدون يتحوّل في المياه إلى سمك مميز، أطلقوا عليه اسم "الههم". وهذا السمك يتواجد بكثرة عند مصب نهر أدون ولا سيما في فصل الربيع. ولما استبدل إسم نهر أدون بنهر ابراهيم في العهود المسيحية، استُبدل معه إسم السمك أيضاً، مع إضافة  لقب مرادف لمعنى أدون السيد، ليصبح الإسم "السلطان ابراهيم".

الموقع مجهّز بأدراج تتيح الوصول إلى داخل المغارة حيث يمكن مشاهدة منبع المياه، ومنها يمكن تأمل المشاهد الجميلة للمكان. وللوصول إلى بركة المياه، عليك المرور من داخل المطعم الكائن في أسفل الطريق ومن ثم نزول الأدراج المؤدية إلى الموقع.

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم