الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

دير سيدة البلمند... جميل بهندسته وتاريخه ومكانته الدينية

المصدر: النهار
ريم قمر
دير البلمند- تصوير ريم قمر
دير البلمند- تصوير ريم قمر
A+ A-

على التلة الموازية لشاطئ الكورة بين أنفه والقلمون، يطل دير سيدة البلمند البطريركي. يتميز هذا الدير بموقعه الساحر الذي يشرف على البحر وعلى السهول الساحلية من علو يصل الى 300 م. ويبعد عن بيروت حوالي 80 كم. وهو يعدّ أحد أهمّ المعالم الروحية للكنيسة الشرقية الأرثوذكسية.

كلمة بلمند مشتقّة من الكلمة الفرنسيّة "بلمون" Belmont أي "الجبل الجميل"، وهي التسمية التي أطلقها الفرنجة على هذا المرتفع الجبلي حيث شُيّد أوّل دير لهم في المشرق.

 

تصوير ريم قمر

 

الدير عبر التاريخ

في العام 1157، وعلى أثر الحملة الصليبية الثانية التي دعا إليها القديس برنارد دو كليرفو، مؤسس الرهبنة Cistercienne، أتى الرهبان السيسترسيون الى المشرق لمساعدة المسيحيين بالصلاة والعمل. فقاموا ببناء الأديار وأهمها دير سيدة البلمند.

تظهر بعض الحجارة المحفوظة في إحدى قاعات الدير  أنّ كنيسة بيزنطيًّة قديمة كانت قائمة في الموقع، ولقد بُني الدير على أنقاضها.

 تكشف أبنية الدير  عن مستوى عال من الازدهار والرفاهية، استمرّ حتّى أواخر القرن الثالث عشر. ويمكن ادراك ذلك من خلال حجم الأراضي الزراعيّة التابعة له. فلقد عُرف الرهبان السيسترسيّون ببراعتهم في العمل الزراعيّ. ولقد خُصص في الدير عدد من الأقبية والمخازن والاسطبلات من أجل ذلك.

 
تصوير دانا صالح
 

وفي العام 1289، وبعد أن سقطت كونتية طرابلس في يد السلطان المملوكي قلاوون، اضطر الرهبان الى مغادرة الدير . وبقي دير البلمند مهجورا بعض أن تعرّض للخراب كغيره من المدن والقرى المجاورة.

استلم الرهبان الاورثودكس الدير في العام 1603 وقاموا بترميمه وتجديده وأعادوا فتحه. كما وقاموا بزراعة الاراضي المجاورة بكروم العنب، والتوت والزيتون. وتحوّل الدير إلى مركز محلّيّ مهمّ اشتهر باستضافة المهجّرين والزوّار على اختلاف أجناسهم وانتماءاتهم.

في العام 1833، تأسست في الدير مدرسة اكليريكية شكّلت النواة التي نشأت حولها جامعة البلمند الحديثة ومكتبتها.

 
تصوير دانا صالح

 

هندسة الدير

يشبه دير البلمند القريّة الصغيرة، وهو يتميز ببنائه الذي يتبع مخطّط البناء النموذجي الرهبانيّ بشكل دقيق. فهو مربع الشكل، ومقفل من جهاته الأربع. تتوزع مبانيه المخصصة للرهبان حول باحة داخلية معزولة عن العالم الخارجي ، ولكنها مفتوحة على السماء. وهذه الباحة مكسوّة بالحجر الكلسيّ الأبيض بشكل متناسق وخالية من العناصر التزيينيّة وذلك عملا بنظام الهندسة السيسترسيّة الصارم الذي يعكس حياة الرهبان.

 

تصوير دانا صالح

 

يمكن الولوج اليه عبر بابين قديمين في الجهة الجنوبيّة والشرقيّة، يؤدّيان إلى الساحة الداخليّة. تقع في شمال الساحة كنيسة السيّدة، وفي الجهة الغربية كنيسة القدّيس جاورجيوس. ويوجد في الجهتين الجنوبية والشرقية قاعات كبيرة ومخازن مقبّبة كانت مخصصة لحفظ المحاصيل الزراعية والمؤن ومطبخ مزود بمدخنة وأفران وتعلوه قبّة أسطوانيّة الشكل.

 
تصوير دانا صالح
 
 

 يتم الصعود الى الطابق العلوي حيث غرف الرهبان من خلال درجين حجريّين. ويتميز الدير بموقعه على تلة مرتفعة مطلّة على  الساحل وهو يختلف بذلك عن بقية  الأديرة التي بناها الرهبان السيسترسيّون والتي تقع في الوديان الخصبة. على الأرجح، تمّ اختيار هذا الموقع الاستراتيجيّ للبلمند بهدف تأمين الحماية ومراقبة الطريق الساحليّة.

 

تصوير دانا صالح

 

وتُعتبر كنيسة سيّدة البلمند المحور الرئيس للدير. فهي تتألّف من صحن رئيس واحد يفضي في نهايته إلى هيكل كبير تحوط به غرفة كبيرة من كلّ جهة. وهي تتميز بقبّتها الأسطوانيّة والنافذة الكبيرة الورديّة الشكل التي تعلو المدخل الغربيّ.

أكثر ما يميز الدير، قبّة الجرس المبنيّة على الطراز البروفنسيّ الغوطيّ، وهي الوحيدة في الشرق الأوسط التي تعود إلى العصر الوسيط. ترتفع هذه القبّة فوق القوس النصف دائريّ، شكلها مربّع وكلّ حافة من حوافّها مزيّنة بفتحة مقوّسة جميلة.

 
 

ولقد قام الرهبان الأرثوذكس بإضافات مهمّة إلى مباني الدير وأثاثه مستخدمين حجارة البناء والأعمدة والعناصر الزخرفيّة السيسترسيّة لتشييدها، أبرز هذه الأقسام الجناح الحلبيّ، والجناح البطريركيّ والمدرسة.

 
تصوير دانا صالح

 

المخطوطات

يزخر دير البلمند بعدد من المخطوطات تصل الى 107 مخطوطة تقريبا معروضة في مركز القديس يوسف الدمشقي لترميم وحفظ المخطوطات. معظم أجزاء هذه المجموعة مدوّن باللغة العربيّة خلال القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. كما تحتوي بعض المخطوطات من العصر الوسيط كتابات باللغة السريانيّة التي كانت شائعة الاستخدام، بالاضافة الى عدد قليل من المخطوطات باللغة اليونانيّة.  هذه المخطوطات تشكّل كنزا روحيا وثقافيا ثمينا في التراث الأرثوذكسي الإنطاكي.

 

تصوير دانا صالح

 

تصوير دانا صالح

 

الأيقونات

اكتسب دير البلمند تراثًا ضخمًا من الفنّ الكنسيّ. فكلّ من كنيستيه مزوّد بإيقونسطاس فخم. الإيقونسطاس الموجود في كنيسة السيّدة مصنوع من خشب الجوز الداكن اللمّاع، وقد حُفر في مقدونيا في أواخر القرن السابع عشر، أما إيقونسطاس كنيسة القدّيس جاورجيوس فهو سوريّ الصنع من الرخام الأسود والأبيض. وتتميز هذه الإيقونسطاس بمجموعة رائعة من الإيقونات التي رُسمت بمعظمها في حلب بين آواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر. أهمها  إيقونة العذراء "المرشدة إلى الطريق" العجائبيّة، المؤرخة عام 1318، ولكنّ يعتقد عدد كبير من الخبراء أنّها تعود إلى القرن العاشر، لتكون بذلك أقدم إيقونة في الشرق الأوسط.

كما ويتضمّن الإرث الفنّيّ للبلمند مجموعة من الأدوات الليتورجيّة القيّمة والجميلة، من بينها أناجيل يونانية قديمة، وكؤوس مناولة، وصلبان فضية وذهبية تاريخية.

 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم