الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

ساكن قرطاج يكلّف أوّل امرأة عربيّة تشكيل حكومة... نجلاء بودن هدف رابح لقيس سعيد

المصدر: "النهار"
الرئيس التونسيّ ونجلاء بودن (أ ف ب).
الرئيس التونسيّ ونجلاء بودن (أ ف ب).
A+ A-
روعة قاسم

مثّل تكليف الرئيس التونسيّ قيس سعيد نجلاء بودن تشكيل الحكومة، بنظر البعض، صفعة لمعارضي ساكن قرطاج في الداخل والخارج، الذين لم ينتظروا تعييناً مماثلاً قد يزيد من شعبية الرئيس في صفوف نساء تونس ونشطاء حقوق الإنسان في الداخل والخارج. فقد عمل المعارضون طيلة الأسابيع الماضية على تشويه سعيد وإظهاره بمظهر الديكتاتور الرجعيّ، غير المؤمن بالحقوق والحريات، فإذا به ينتصر لحقّ المرأة التونسية في أن تكون على رأس الدولة، في منصب من بين المنصبَين التنفيذيَّين الأرفع في البلاد.
 
ويبدو أنّه بهذا التكليف قد ينحو إلى سحب البساط مجدّداً من تحت أرجل خصومه ومعارضيه في الداخل والخارج، لينال الإعجاب ويظهر أمام الجميع بمظهر المدافع عن المرأة وحقوقها، كيف لا وقد دخل التاريخ من أوسع أبوابه ليكون أوّل رئيس عربيّ يكلّف امرأة رئاسة الحكومة. فحتّى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة الذي عُرف بنصرة قضايا المرأة ودفاعه المستميت عن حقوقها لم يفعل ذلك، فقد منح القصبة (مقرّ رئاسة الحكومة) لخمسة أشخاص لم تكن بينهم سيّدة، وهم الباهي الأدغم والهادي نويرة ومحمد مزالي ورشيد صفر وأخيراً زين العابدين بن علي، الذي أطاح به وأزاحه عن الحكم.

وقد سبق لسعيد أن كان وراء تعيين امرأة على رأس وزارة سيادية في حكومة إلياس الفخفاخ، وهو كان يومها محلّ تثمين أطراف عدّة، لكنّ حكومة الفخفاخ لم تعمّر طويلاً لتخلفها حكومة هشام المشيشي التي خلت من النساء بعد تعديلها بدفع من "حركة النهضة". وبالتالي فإنّه قطف سابقة أنّه أوّل رئيس عربيّ يمكّن المرأة من هذا المنصب التنفيذيّ الرفيع وهو رئاسة الحكومة، كما أنّه أوّل من مكّن المرأة التونسية من حقيبة سياديّة، لم تتمكّن من نيلها قبله رغم الكفاءة العالية التي تتمتّع بها المرأة في أرض قرطاج والقيروان.

ويبدو أنّ من أسباب اختيار قيس سعيد لنجلاء بودن هو انتماؤها إلى فئة الأكاديميين مثلها مثل ساكني قرطاج، فهي أستاذة تعليم عالٍ في المدرسة الوطنية للمهندسين في تونس، ومختصّصة في علوم الجيولوجيا. وهو ما يعني أنّها كفوءة في مجالها، وأنّ هذه المؤسسة الجامعية الواقعة في المركب الجامعي في المنار، في العاصمة، لا يرتادها من الطلبة إلّا أصحاب الزاد العلميّ والمعرفيّ المرموق، فما بالك بمن يمتهنون التدريس فيها. 

ولا تعوز نجلاء بودن الخبرة السياسية، فقد شغلت منصب مديرة عامّة مكلّفة بالجودة، ورئيسة وحدة تصرّف، ومكلّفة بمهمة في ديوان الوزير، وكلّ ذلك في وزارة التعليم العالي. لكن لم يُعرف عنها أيّ انتماء لأيّ حزب سياسيّ تماماً مثل قيس سعيد الذي لا يحبّذ الأحزاب والمتحزّبين، ويحمّلهم المسؤولية عن تدهور الأوضاع في تونس في السنوات الأخيرة.

وللمكلّفة الجديدة تشكيل الحكومة في تونس علاقات متميّزة مع الجهات المانحة، فهي تشغل حاليّاً خطّة مكلّفة تنفيذ برامج البنك الدوليّ في وزارة التعليم العالي والبحث العلميّ، وربما كان هذا أحد أسباب اختيارها، بالنظر إلى الضغط المتواصل لهذه الجهات على تونس، بعد التدابير الاستثنائية التي اتّخذها قيس سعيد. وتبدو الخضراء بحاجة اليوم إلى شخصية لديها علاقات دولية مالية وتحظى بثقة المانحين، حتى تكون قادرة على توفير السيولات المالية التي تحتاجها الموازنة العامة، وذلك بالنظر إلى الوضع الاقتصاديّ الصعب.

ولعلّ في انتماء بودن إلى مدينة القيروان رمزية تاريخية، باعتبار أنّ القيروان هي عاصمة البلاد المغاربية في العصر الإسلامي، وحاضرة العلم والمعرفة التي أضاءت محيطها في شمال أفريقيا. ومن القيروان تأسّست جامعة الزيتونة في مدينة تونس العاصمة، وجامعة القرويين في فاس المغربية، من خلال فاطمة الفهرية القيروانية. وقد اشتهرت المدينة بالصداق القيرواني الذي صيغ خصيصاً لأروى القيروانية زوجة الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، الذي اشترطت عليه فتاة القيروان عند خطبتها ألّا يتزوج سواها، وقبل المنصور بذلك ولم يتزوج على أروى القيروانية طيلة حياتها، وكانت هي والدة ابنه الخليفة المهدي والد هارون الرشيد.

فليس من باب الصدفة أن تكون أوّل رئيسة حكومة تونسية وعربية من مدينة القيروان، التي شهدت تراجعاً في الإشعاع منذ أن خرّبها بنو هلال في القرن الخامس للهجرة، وزادت عليها دولة الاستقلال التي ضخّت استثماراتها في المناطق الساحلية متجاهلة حاضرة الإسلام الأولى في تونس وكامل البلاد المغاربية. فهل تعيد نجلاء بودن مجد مدينتها الغابر منذ قرون، ومجد وطنها الذي أضناه الخراب والدمار طيلة عشريّة من حكم المتاجرين بدين الله وحلفائهم؟ أم أنّها ستكون كسابقيها في السنوات الأخيرة ممن اجترّوا الفشل تلو الفشل؟

يبدو أنّ نجلاء بودن ستمارس مهامها في ظروف مختلفة عن سابقيها، فهذه الظروف وإن كانت أصعب من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، باعتبار التركة الثقيلة التي ورثتها عن سنوات خراب حكم حركة النهضة، إلّا أنّها لن تكون مقيّدة بذلك النظام السياسي الهجين، الذي أقرّه دستور سنة 2014. فلن يكون هناك صراع صلاحيات بينها وبين رئيس الجمهورية، ولن تكون هناك "نهضة" تسعى إلى جلبها نحو بيت الطاعة، أو عرقلتها مثلما فعلت مع رؤساء الحكومات السابقين، وبالتالي ما عليها إلّا أن تشمّر على ساعد الجدّ، وتتحلّى برباطة الجأش وقوة الشخصية في مواجهة العراقيل التي ستعترض سبيلها.
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم