الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

قرار بوش غزو العراق... إضاءة أخرى بعد 18 عاماً

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن يزور جنوداً أميركيين على متن حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" ويلقي كلمة عن حرب العراق تحت شعار "المهمة أنجزت"، 2003 - "أ ف ب"
الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن يزور جنوداً أميركيين على متن حاملة الطائرات "أبراهام لينكولن" ويلقي كلمة عن حرب العراق تحت شعار "المهمة أنجزت"، 2003 - "أ ف ب"
A+ A-

حلّت أمس الذكرى الثامنة عشرة لبدء الاجتياح الأميركيّ للأراضي العراقية. بالرغم من مرور كلّ هذه المدة، لم تنطفئ شعلة الجدالات الأميركية الحادة حول أسباب إغراق الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن بلاده في واحدة من أطول الحروب في التاريخ الأميركي. اتّخذ بوش قراره بإطاحة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بناء على شبهات بامتلاكه أسلحة دمار شامل تبيّن لاحقاً أنها غير موجودة. ومع عدم إمكانية الولايات المتحدة إيجاد ما يشبه الاستقرار في العراق طوال 16 عاماً، ومع تكبّدها خسائر مادية بقيمة تريليوني دولار وبشرية وصلت إلى مقتل حوالي 4584 جندي، ومع سقوط أكثر من 200 ألف مدني، يبقى السؤال هو نفسه: هل قاد بوش غزو العراق لأنّه كان يظنّ بأنّ بلاده "مكلّفة نشر الحرية"؟ وهل كان يدرك أنّ صدّام لم يمتلك أسلحة دمار لكنّه استغلّ هذا الملفّ كوسيلة لتحقيق طموحات أميركية توسّعية؟

 

"نعمة الله للعالم"

في مجلة "فورين أفيرز"، تطرّق الأستاذ الفخري في جامعة فيرجينيا ملفين ليفلر إلى كتاب الصحافي الأميركي البارز روبرت درابر بعنوان: "أن تبدأ حرباً: كيف أخذت إدارة بوش أميركا إلى العراق" (2020). يذكر درابر كيف أحاط بوش نفسه بفريق وجد أنّ من واجبه دعم تقييمات الرئيس بدلاً من تحليلها بموضوعية. وكانت رؤية الرئيس واضحة: "تحرير شعب معذّب" و"إنهاء نظام استبدادي". كما آمن بشدّة بـ"نبل" الولايات المتحدة "ومهمّتها بنشر الحرية" وقد وصفها بوش بأنها "نعمة الله للعالم". وقال الرئيس الأسبق أيضاً إنّ صدام كتنظيم القاعدة "يكره حقيقة أننا نحب الحرية".

 

أشار ليفلر في تعليقه على الكتاب إلى أنّ عمل الصحافي الأميركيّ مدعّم بمئات المقابلات والمراجع. فهو على سبيل المثال، قابل كبار المسؤولين في الإدارة مثل نائب وزير الدفاع بول وولفويتس ووزير الخارجية كولن باول ومستشارة شؤون الأمن القومي كونودليزا رايس ومساعد وزير الدفاع ريتشاد أرميتاج إضافة إلى مسؤولين آخرين في البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية وأكثر من سبعين مسؤولاً في وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي أي".

 

وصف درابر نائب الرئيس ديك تشيني بالهادئ ووزير الدفاع دونالد رامسفلد بالمتنمّر غير المسؤول الذي تقرّب من بوش وهمّش المدنيّين في وزارته. أمّا وزير الخارجية كولن باول فكانت لديه تحفظات عميقة تجاه الحرب لكن لم يتمتّع بالشجاعة الكافية لتقديم رؤية بديلة. وأضاف أنّ مدير وكالة "سي آي أي" جورج تينيت كان مهتماً بإرضاء الرئيس، وهكذا فعل المقرّبون منه والذين يعملون في الوكالة نفسها. بحسب الكتاب، كان على بوش معرفة أنّ صدام لم يمتلك أسلحة دمار شامل ولا روابط مع "القاعدة" ولا بصمات في هجمات 11 أيلول. لكنّ الأستاذ الجامعيّ الفخريّ يناقض انتقائية الصحافيّ في الاستشهاد بالتقارير أو بمذكّرات المسؤولين الكبار في تلك المرحلة ليؤكّد استنتاجه الأساسيّ.

 

صدّام... مسالم أم انتحاري؟

استشهد الصحافي بما قاله رئيس مجموعة التحقيق الخاصة التي كُلفت بالبحث عن الأسلحة بعد الاجتياح تشارلز دوفلر الذي تحدّث عن أنّ صدام وجد في الولايات المتحدة حليفاً محتملاً. ووصف الصحافي الرئيس العراقي الأسبق في الأشهر الأخيرة من حكمه بأنّه كان منفصلاً عن الواقع ومفوّضاً صلاحياته للمقربين منه بينما كان مهتماً بكتابة الشعر. يردّ الأستاذ الفخري بأنّ صدام لم يكن الشخص الممتثل أو المسالم بالاستناد إلى تقرير رئيس مجموعة التحقيق الخاصة: "أبقى برنامج أسلحة الدمار الشامل فعالاً كي يعيد تشغيله سريعاً لحظة رفع مجلس الأمن الدولي العقوبات". وكان صدام مقتنعاً أيضاً بأنّ خصومه لا يملكون "الوحشية، الكفاءة أو القدرة على إحباط أهدافه على المدى الطويل".

 

أشار ليفلر في ردّه على الكاتب إلى أنّ صدام لم يسمح للمفتّشين دخول بلاده قبل صدور قرار أممي بذلك في تشرين الثاني 2002. وإذا كان دابلر قد استشهد بمذكّرات كبير المفتّشين هنس بليكس الذي ذكر إحباطه من المسؤولين الأميركيين، فإنّه لم يذكر إصابته بالإحباط من صدام حسين الذي أظهر تعاوناً بطيئاً ومتردداً حتى أنه رفض استقباله حين زار بغداد في كانون الثاني 2003. وكتب حينها أنّ "العراق حاول أن يخفي أموراً" عن المفتّشين. وأحد أسباب مناورات صدام كان خداع إيران بادعائه امتلاك قوة ردع ضدها. لم يتكشف هذا السبب إلا بعد الاجتياح بحسب ليفلر.

 

يضيف ليفلر أنّ بوش حذّر صدام قبل ستة أشهر من أنّ عليه أن يكون شفافاً أو يواجه الحرب. لعب صدام لعبة انتحارية وخسرها. كان رهانه على أنّ واشنطن ستتراجع بسبب عدم تلقيها دعماً من روسيا والأوروبيين. حتى الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كانا مقتنعين بأنّ صدام لن يسمح للمفتشين بدخول العراق وبأنّه لن يمتثل للقرارات الدولية من دون استخدام القوة العسكرية بحسب وثائق بريطانية رسمية. ينتقد ليفلر الصحافي الأميركي لأنه لم يركّز كثيراً على سلوك صدام بسبب اقتناعه بأنّ بوش استخدم قضيّة التفتيش كخدعة للذهاب الى الحرب. وأشار إلى أنّ لجنتين خاصّتين لاحقتين أنشأهما الكونغرس والبيت الأبيض لم تجدا أيّ دليل على ضغط من الإدارة كي تقدّم معطيات محابية لتوجّهات بوش.

 

سبب محوري

النقطة الأساسية التي يسلّط ليفلر الضوء عليها والتي غابت عن بال الصحافي الأميركي هي عدم أخذ مخاوف الإدارة من اعتداء إرهابي ثانٍ بالاعتبار، هي التي لم تكن قد خرجت بعد من صدمة 11 أيلول. فالهجمات الإرهابية حصدت في العام التالي 700 شخص من بينهم 30 أميركياً. ويرى ليفلر أنّ هنالك من ينسى أنّ ريتشارد ريد صعد على متن طائرة بحذاء فيه قنبلة صغيرة في كانون الأول 2001 وأنّ إرهابيين قطعوا رأس الصحافي دانيال بيرل. وتعرض كنيس يهودي تونسي لاعتداء في نيسان 2002 وتمّ توقيف أميركيّ-يمنيّ لارتباطه بـ"القاعدة" في السنة نفسها داخل لولايات المتحدة. ولعلّ أهمّ اعتداء إرهابي حدث في 2002 كان ذاك الذي طال ملاهي ليلية في بالي حاصداً أرواح 200 شخص.

 

يضيف ليفلر أنّ صدام لم يرتبط بتنظيم القاعدة ولا بوش قال ذلك. لكن لم يكن احتمال مدّه التنظيم نفسه أو أي مجموعة إرهابية بأسلحة الدمار الشامل في المستقبل احتمالاً معدوماً بالنسبة إلى الإدارة. إذ إنّ صدام، وبحسب وثائق عراقية حصلت عليه مؤسسة بحثية تابعة للكونغرس، كان على علاقة مع "الجهاد الإسلامي" في مصر و"الحزب الإسلامي" في أفغانستان وكان ينوي العمل مع جهاديين إسلاميين عالميين كما سعى إلى دعم نشاطات إرهابية في مصر وإندونيسيا والفيليبين وغيرها.

 

من المُصيب؟

يوافق ليفلر الصحافي في أنّ اجتياح العراق كان خطأ. فصدام كان خطراً يلوح في الأفق لا خطراً محدقاً بحسب رأي الأستاذ الجامعيّ الفخريّ. وأخطأ بوش أيضاً في عدم دراسة كلفة وتداعيات هذا الاجتياح مكتفياً بمناقشة الأهداف والتكتيكات. لكنّ دوافعه كانت أكثر تعقيداً مما ذكرها درابر، فعقدة الذنب مما حصل في 11 أيلول والخوف الكبير من تكررها في أي لحظة كانا وراء الاجتياح، لا العنجهية أو الدوغمائية أو السذاجة.

 

يطلب ليفلر من أي مسؤول أن يحلّل ما هو أكثر معقولية: التفكير في 10 أيلول بأن يخطف 19 رجلاً حاملين سكاكين صغيرة طائرات مدنية ويدمروا مبنى التجارة وجزءاً من البنتاغون، أم التفكير بعد سنة بأن يقوم صدّام بتسليم أسلحة كيميائية أو بيولوجية لبعض الإرهابيين كي يستخدموها ضد واشنطن. يجيب ليفلر بأنّ الخوف الأخير كان مبالغاً به لكن لم يفكر به رئيس ساذج ومؤدلج. لقد فكر به مسؤولون تم الاستهزاء بهم لعدم قدرتهم على تخيل أحداث 11 أيلول.

 

يستشهد ليفلر أخيراً بما كتبه المسؤول البارز في وزارة الخارجية كارل فورد عن الرئيس ومستشاريه بأنهم أصيبوا بصدمة جراء استهداف مبنى التجارة العالمي. "لقد أقسموا على حماية الأمة من جميع التهديدات، الخارجية والداخلية. لقد فشلوا". وكتب روبرت غيتس في مذكّراته عن صدمة وفشل الإدارة في حماية مواطنيها من 11 أيلول.

 

بين بوش وترومان

ربّما أدّى الخوف من فشل آخر شبيه بما حدث في أيلول 2001 إلى فشل خطير عبر غزو العراق. لكنّ جميع المحلّلين يتحدّثون عن الإخفاق بعدما شاهدوا نتائجه. لو سئل المحللون عن ذلك قبل الغزو لكانت إجابتهم أقلّ حسماً بحسب ليفلر. لكنّ ذلك لا يعفي الإدارة على الأقل من مسؤولية عدم التخطيط جيداً لما بعد صدّام. ربّما أصيب بوش بالغرور بعد إطاحة "طالبان" سريعاً من الحكم في أفغانستان بحسب ليفلر. وربّما افتقدت الإدارة القدرة على تقييم خطواتها كما فعلت حين حلّت الجيش العراقيّ، وهي خطوة لم يعرف بها الرئيس كما كتب درابر. وعلى الأرجح، يقف هذان الدافعان وراء الإخفاق الكبير، إلى جانب عوامل أخرى.

 

قد لا تكون حرب العراق عبارة عن فشل كامل خصوصاً عند مقارنتها بالحرب الأفغانية. فاحتمالات شنّ تنظيم إرهابيّ هجوماً على الأميركيّين انطلاقاً من الساحة العراقية بات يقارب اليوم حد الصفر. حتى أنّ مدناً كثيرة في العراق باتت أكثر أماناً من بعض المدن في الولايات المتحدة. واليوم، ثمّة في العراق ملامح دولة تقوم على أنقاض الحروب والإرهاب والتجاذبات الخارجيّة، وقد أنهى العراق منذ فترة قصيرة استضافة البابا فرنسيس في حدث أعاد تسليط الأضواء العالمية على تلك البلاد. يشير البعض إلى الانتقادات الكثيرة التي طالت الرئيس الأميركيّ الأسبق هاري ترومان لإغراقه بلاده في الحرب الكوريّة على أساس انّ الديموقراطية غريبة عن الثقافة الكوريّة. بمرور الوقت، وتقريباً بعد عقدين من الزمن على نهاية تلك الحرب، بدأت كوريا الجنوبية تنتقل تدريجياً إلى التصنيع والحداثة ثمّ الديموقراطية. فهل يكرّر العراق السيناريو نفسه؟

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم