الأحد - 28 نيسان 2024

إعلان

ماذا يعني اعتماد الإمارات نظام عطلة السبت والأحد وما علاقته بإنتاجيّة الموظف وسعادته؟

المصدر: النهار
فرح نصور
مشجعون إماراتيون (ا ف ب)
مشجعون إماراتيون (ا ف ب)
A+ A-

في إطار اتّخاذها تدابير لجعل اقتصادها أكثر جاذبية للاستثمار والمواهب الأجنبية، أعلنت دولة الإمارات أنّها ستتحوّل إلى نظام العمل أربعة أيام ونصف يوم عمل أسبوعياً ابتداء من العام المقبل. وتكون بذلك عطلة نهاية الأسبوع يومي السبت والأحد.
 
وفيما تميل ساعات العمل التي تقلّ قليلاً عن 40 ساعة في الأسبوع إلى الارتباط عكسياً بالسعادة، فإنّ التوجّه إلى الأربعة أيام عمل ليس جديداً، وتعتمده دول عديدة إيماناً منها بالإنسان أوّلاً، وبنظرتها غير الاعتيادية إلى العامل وبيئة العمل. 

ويُفتح النقاش هنا حول الموظف في بيئة العمل، ومدى إنتاجيته مع تطبيق هكذا قرارات، إلى جانب أهميّة هذا القرار للإمارات ودلالته الاقتصادية. 
 
هذا القرار يتواءم مع مبدأ مهمّ بالنسبة إلى سياسة دولة الإمارات الاقتصادية والاجتماعية التي تتميّز بشكل أساسيّ على الانفتاح على العالم كلّه، هذا ما يؤكّده رئيس مجلس العمل اللبناني في الإمارات، سفيان صالح. ويضيف في حديثه إلينا أنّ "هذه الخطوة تدلّ مرّة جديدة على سياسة الانفتاح الضخمة التي تقوم بها دولة الإمارات للتماشي مع العولمة ولتكون جزءًا من النظام العالمي الذي ترتبط به".
 
اليوم يستقبل معرض اكسبو في دبي 192 دولة. وأغلب إجازات دول العالم هي أيام السبت والأحد. لذلك، بتقدير صالح، و"بحسب معرفتي بسياسة البلد، فإنّ هذه الخطوة هي الأولى والأهم للتماشي مع الأعمال دولياً، وبذلك الإنتاجية ستزيد كثيراً، لأنّ مجموعة من المؤسسات كانت مُجبَرة على أن تعطّل يومي الجمعة والسبت، وأن تعمل الأحد، في حين أنّ المؤسسات الخارجية تعطّل في هذا اليوم". 
وبذلك، العطلة تطول لعدد كبير من الشركات من المصارف إلى الشركات الدولية، إلى شركات التدقيق والاستشارية. 
 
يهمّ الإمارات تشجيع السياحة الداخلية، وتحاول تحديد الإجازات بشكل أن توازي بين أيام راحة الموظف والحفاظ على هذه السياحة لتعزيز الاقتصاد، على ما يقول صالح.

ما هي الفائدة الاقتصادية من اعتماد نظام عطلة نهاية الأسبوع  العالميّ؟
  
نشر موقع Gulf news مقالاً يشرح فيه الفائدة الاقتصادية من قرار دولة الإمارات، وفنّدها بالتالي: 
- مواءمة أفضل لدولة الإمارات العربية المتحدة مع الأسواق العالمية وتعزيز استمرارية الأعمال.
- جعل القطاع المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة في توافق أوثق مع التجارة العالمية في الوقت الحقيقي والمعاملات القائمة على الاتصالات.
- تعزيز مكانة الدولة في مؤشرات نظام العمل.
- تمكين الموظفين من الانخراط بشكل فعّال في الأنشطة التي لم يسبق لهم القيام بها، مثل بدء عمل تجاريّ أو متابعة التعليم أو السفر.


في الإمارات وفي المرحلة الأولى، سيُطبَّق هذا القرار في القطاع العام، ومن ثمّ القطاع الخاص "يُدوزن" نفسه في الاتّجاه نفسه. وهذا الإجراء يفيد مجموعة من القطاعات. ويوضح صالح أنّ "الشركات الصغيرة والمتوسطة المحلية، قد لا يفيدها كثيراً تطبيق هذا الإجراء، والدولة كانت واعية بما فيه الكفاية كي لا تفرض هذا القرار على الجميع".


وبحسب مقال نشره موقع BBC بعنوان "The case for a
‏shorter workweek"، (حالة أسبوع العمل الأقصر)، تشير الدلائل إلى أنّ واحدة من أكبر مزايا العمل لساعات أسبوعية أقلّ هي أنّه يجعل الناس يعملون بشكل أفضل. تظهر الأبحاث أنّ الأشخاص ينجزون المزيد عندما يعملون لساعات أقل، وينجزون أقلّ عندما يعملون لساعات أطول. على سبيل المثال، أشارت دراسة أُجريت عام 2014 من جامعة ستانفورد إلى أنّ الإنتاجية تنخفض بعد العمل 50 ساعة في الأسبوع. يقترح خبراء آخرون أنّ 35 ساعة هو وقت العمل الأمثل قبل أن تبدأ الإنتاجية في الانخفاض، بينما تقول إحدى المدارس الفكرية أنّه يجب علينا العمل ستّ ساعات فقط في اليوم".

ويظهر من إجراء الامارات مدى سعي الإمارات إلى التركيز في أعمالها ومؤسساتها على الإنسان الموظف ونفسيته، "فدولة الإمارات تعي جيداً هذا الأمر، ومنذ فترة تصدر قوانين عديدة تضمن الأولوية في إراحة الموظف والحفاظ على حقوقه"، بحسب صالح. على سبيل المثال، هناك نظام "حماية الأجور" الذي يُطبَّق في الإمارات وتُحاسَب بموجبه أيّ شركة خاصة تتأخّر عن تسديد رواتب موظفيها بعد الـ15 من كلّ شهر، وتُحال إدارتها إلى النيابة العامة. لهذا فإنّ الإمارات تحترم العمّال وحقوقهم على أراضيها، ووزارة السعادة التي استحدثتها خير دليل.
 
كيف يشرح علم نفس العمل هذا الإجراء؟ وما مدى ارتباط إنتاجية الموظف بسعادته؟
 
"شعور السعادة لدى الموظف مهمّ، لكنّه ليس الأهمّ، فالإنتاجية والسعادة ترتبطان ارتباطاً وثيقاً"، هذا ما توضّحه الأستاذة المشاركة في كلية سليمان العليان لإدارة الأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت، والمتخصصة في علم النفس في المؤسسات، الدكتورة لينا داعوق-أووري.
 
وفي حديثها معنا، تستند داعوق-أووري إلى دراسات عديدة أُجريت وأفكار نوقشت في مجال إدارة الأعمال، توصّلت إلى أنّ "عدد الساعات التي يتواجد فيها الموظّف في المكتب لا توازي الإنتاجية". إذ يمكن للموظف أن يداوم من الثامنة إلى الخامسة دون الحصول على إنتاجية تامّة توازي عدد الساعات التي داومها، والعكس صحيح.

لكنّ النقطة الأهمّ في هذا الموضوع، هو أنّ على الإنسان أن يجدّد شحن طاقاته "re-energize"، وهذه العملية ضرورية للتمكّن من انطلاقة جديدة، والفكرة تماماً كفكرة بطارية الطاقة الشمسية التي تحتاج إلى تفريغ وشحن من جديد كلّ ثلاثة أشهر. 
 
وتطبيق إجراء العمل لمدّة 4 أيام ونصف، وفق داعوق-أووري يعطي المجال لشحن الطاقة لمدّة أطول، ولتركيز الموظف على حياته، ويتسنّى له الوقت لأن ينفصل عن العمل لبداية جديدة، وهو أمر في غاية الأهمية. فبهذه الطريقة ستكون إنتاجيته أكبر، وهي خلاصة أُثبتت في دراسات عديدة. 

وتشدّد داعوق-أووري على أنّ "الإنسان ليس آلة". فهو يتحلّى بقدرات عملية إذا ما استُهلكت وإذا ما عمل أكثر من طاقاته، ستكون النتائج عكسية وغير مرضية، واحتمال الأخطاء والمشاكل سيزيد حينها. 

لكن هل تقليص ساعات العمل يجب أن يرافقه تخفيض راتب الموظف؟ بحسب داعوق-أووري، فإنّ "الراتب يُصرف بحسب الإنتاجية ولا علاقة له بساعات العمل". وإذا ما قرّرت شركة ما تخفيض الراتب مع تخفيض عدد ساعات العمل، فهذا يعني أنّها غير مدرِكة أساساً للمنافع التي ستحظى بها من تقليص عدد ساعات العمل، "فالهدف ليس تقليل الإنتاجية إنّما زيادتها، والتحوّل من التفكير بالإنسان كآلة إلى إنسان، وفهم النفس البشرية وعلم نفس العمل". 

وتذكر داعوق-أووري أنّ التوجّه إلى العمل لأربعة أيام في الأسبوع ليس جديداً، وهو موجود في تفكير الدول عالمياً، لاسيّما الدولة الاسكندينافية والتي تفكّر بنظرة أخرى. وهناك نماذج من العالم سلكت هذا الاتّجاه مثل اليابان وفنلندا والسويد. 

وتفكير أيّ دولة في تحديد العطل يومي السبت والأحد بدلاً من الجمعة والسبت، هو تفكير ذكيّ لتعزيز إنتاجية الوطن والمؤسسات. فبذلك، يُضاف يوم تفاعل إضافيّ مع العالم بأسره.


وفي مقال الـBBC المذكور، يقول John Trougakos، الأستاذ المشارك في السلوك التنظيميّ بجامعة تورنتو، أنّه "لا يمكن الحفاظ على طاقتك لمدّة ثماني ساعات متواصلة. إنّك تقوم بإثارة انتباه الناس على مدى فترة طويلة من الزمن، وهو أمر يصعب عليهم القيام به... وبالتالي، سيكونون أقلّ فعالية". ويضيف Trougakos أنّه "للتعويض، يقضي العديد من العمال أجزاءً من الوقت في يوم عمل مدّته ثماني ساعات في محادثات عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ أو التسوّق عبر الإنترنت أو إرسال الرسائل النصيّة".

الى ذلك، أُجريت دراسة مرموقة في آيسلندا، بين العامين 2015 و2019، على 2500 موظف حكومي خُفّضت ساعات عملهم الأسبوعية من 40 الى 35 أو 36 ساعة مع الأجر نفسه. ووجد الباحثون أنّ أغلبية الموظفين أعطوا النتيجة نفسها أو أظهروا تقدّماً.
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم