السبت - 27 نيسان 2024

إعلان

عمل المرأة أولويّة لا رفاهيّة للحد من العنف ورفع اقتصاد لبنان

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
لا للفجوة الاقتصادية على أساس جندري.
لا للفجوة الاقتصادية على أساس جندري.
A+ A-

بمرارة وخيبة، ولكن بحكم "الأمر الواقع" والسعي للرزق الكريم، عادت الطبيبة اللبنانية أ.ن. (44 سنة) للخارج، بعدما سُدّت في بلدها الأمّ أبواب العمل الذي يفيها تعب السنين. الطّبيبة المتخصّصة في الأورام في الجامعة الأميركية وأعرق مستشفيات بلجيكا، حملت معها إلى لبنان إثم الظن خيرًا بفرصتها في وطنها، إلى أن أثبتت لها التجربة العكس، "نبدأ بالمحسوبيات السياسية التي تتطلبها وظيفة في المستشفى. أضيفي التحديات التي واجهتني كطبيبة أنثى. حين لا تَقبلين بتنازلات على أي صعيد، تتعرقل فرصك في التوظيف. أنا تركت لبنان لأن البلد تحكمه بوطة ذكورية على أكثر من مستوى"، تقول.

وتروي الطبيبة: "حين فقدت الأمل بالتوظيف في مستشفى، تواصلت مع شركات الأدوية. فوجئت أن معاش الطبيبة أدنى من معاش الطبيب، لأنهم يعتبرون أنّ الرجل هو المعيل. كذلك، يشترط عليّ المدير الطبي خلال المقابلة: عليك أن تداومي بمكياج كامل، وأن تكون رائحة العطر "غير شكل"، فصرفت النظر عن الوظيفة"، وتعلق قائلة: "الفساد وراء هذه الممارسات ينسحب أيضاً على المرأة التي حوّلت نفسها لسلعة أو مطية لدى الرجل، وتقبل الوصول إلى منصب من خلال صورتها وجسدها. علينا بلوغ مستوى من الوعي الاجتماعي والثقافي يرسي علاقة التكامل وليس المنافسة أو الجندرية أو الجنس، وهنا يبدأ الارتقاء في مستوانا الإنساني. وإلا لا أجد أمامي سوى "سقوط حر" في مجتمعنا".

فجوة اقتصادية ومكاسب

الطبيبة تنتمي إلى فئة نسائية عاملة شملتها آخر أرقام دائرة الاحصاء المركزي، والتي تفيد بأن 44% من النساء من حملة الشهادات العليا، مقابل نسبة أقل هي 35% لدى الرجال.

لكن، تستمر المرأة اللبنانية بإثبات كفاءة علمية عالية مقابل فرص عمل قليلة يُظهرها التمييز الجندري بعدة تجليات. إذ بلغت نسبة النساء اللبنانيات المشاركات في القوى العاملة معدل 29% فقط. وفي حال استطاعت اقتناص الفرصة اللائقة بـ"شقّ النفس" داخل منظومة اجتماعية يهيمن عليها التحيز الواعي واللاواعي ضد المرأة والذي يعرقل إلى حد كبير طموحاتها، تصطدم المرأة بقوانين مجحفة وبمعايير تمييزية تحطّ من قدرها كإنسان يتمتع بكامل الحرية لمزاولة النشاط الاقتصادي لقاء مكافأة مادية ومعنوية محقة.

هذه الفجوة الاقتصادية الواضحة بين الرجل والمرأة، والتي وسّعتها الظروف الراهنة، يقيّمها الخبراء على أنها شكل من أشكال "العنف" التمييزي الصريح على أساس جندري.

 وفي حين تبدو استقلالية المرأة تهديداً للسلطة الأبوية، تحتجب الصورة المعاكسة التي تؤكد في حقيقة الأمر على تضاعف المكاسب التي يجنيها اقتصاد لبنان في حال دعم المرأة العاملة والمنتجة.

 تُظهر دراسة منظمة العمل الدولية أن تقليص الفجوة الاقتصادية بين الجنسين بنسبة 25% يرفع الدخل القومي اللبناني بقيمة 9 مليارات دولار. وعلى نطاق أضيق، تشير منظمة الأمم المتحدة لتحالف الحضارات إلى أن النساء والفتيات ينفقن ما يعادل 90% من دخلهن المكتسب على عائلاتهن، بينما ينفق الرجال ما من 30-40% من دخلهم فقط.

تمييز قانوني راسخ

الأرقام الواردة هي جزء من قاعدة معرفية واسعة لا يتداولها المجتمع اللبناني الّذي لا يزال يعتبر أنّ الرّجل هو المعيل الأوّل لأسرته، ويتمسّك بالتصورات النمطية عن قدرات المرأة، الأمر الذي يجعل تعديل قوانين العمل ورسم السياسات المناهضة للمرأة مجرد ترف بنظر المشرعين.

إذ يرتكز الدستور اللبناني على نصوص"رجال من أجل الرجال"، على حد تعبير الخبيرة في قضايا الجندر والمستشارة السابقة لشؤون المرأة  للرئيس المكلف سعد الحريري، عبير شبارو، فـ "نحن نعيش في ظل منظومة قانونية تقليدية متبنية لمعادلة المرأة التابعة اقتصادياً للرجل، لأنه خلال وضع الدستور منذ أكثر من 75 عامًا، كانت قلّةٌ من النساء عاملات".

وتضيف: "بحكم الأدبيات المحايدة جندرياً، عندما تُختزل كل النساء بتعبير "المواطنين"، دون ذكر "المواطنات"، يُفتح باب لحصر العديد من الحقوق في الرجال دون النساء، وهذا ما تنص عليه المادة 7 من الدستور لعام 1926، حول الحقوق المدنية والسياسية، من دون إشارة صريحة إلى المساواة بين الجنسين. وبوضوح كبير، يضمر التمييز الاقتصادي والاجتماعي قانون الأحوال الشخصية، الذي تكفله المادتان 9 و10 من الدستور، ما كرّس التمييز ضد النساءـ وبين النساء أنفسهن اللواتي ينتمين إلى طوائف مختلفة".

في المقابل، تشير شبارو إلى تقدّم بطيء جداً في الاصلاحات التشريعية، مشيرة فقط إلى "تعديل في قانون التفليس، حيث كان القانون يصادر ممتلكات الزوجة في حال إفلاس الزوج، لاعتقاد أنّ هذا الأخير هو من قام بشرائها".

وتتابع: "لقد أقرت لجنة الادارة والعدل اقتراح قانون تجريم التحرش الجنسي، بعدما قامت وزارة المرأة بتقديم مشروع قانون متكامل أقرته الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، وأحالته الى مجلس النواب بموجب مرسوم رقم 392 بتاريخ 13 آذار 2017 "، مضيفة أن إصدار هذا القانون يساعد على حماية النساء ويشجعهن على العمل.

ضد ضريبة الأمومة

وفي سياق متصل تسميه بـ"ضريبة الأمومة"، تضيف شبارو أن "وزير الدولة لشؤون المرأة السابق جان أوغاسابيان تقدم بمشروع قانون لإلغاء أشكال التمييز ضدها في العمل، ومنها أن الزوج العامل المضمون يفيد زوجته من تقديمات الضمان الاجتماعي، في حين أنّ الزّوجة العاملة المضمونة لا تفيد زوجها إلّا في حال تجاوزالـ 60 عامًا أو في حال إصابته بعاهة"، لكن مجلس النواب يؤجّل المصادقة على هذه القوانين مرارًا وتكرارًا.

وثمة "تمييز آخر يطاول المرأة المتزوجة، نجده في قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقر في تموز 2017، والذي يسمح للمرأة المتزوجة بالعمل لثلاث سنوات بدوام ومعاش جزئيين، فتحصل على نصف درجات التدرج ونصف التعويضات الاجتماعية فيما يفرض عليها دفع الضرائب كاملة"، وكذلك "يسمح صندوق الضمان الاجتماعي للمرأة الحامل بالاستفادة من تقديماته بعد 10 أشهر من مزاولتها العمل، فيما يستطيع الرجل المضمون ضمان زوجته الحامل في غضون 3 أشهر فقط".

كما "تمتدّ إجازة الأمومة في لبنان إلى 10 أسابيع، وهي غير كافية بمعايير منظمة العمل الدولية التي تنصّ على منح المرأة إجازة أمومة تدفعها الدولة لمدة 18 أسبوعاً. واقع الحال في لبنان، أنّ الاجازة المقلّصة يدفع ربّ العمل ثلثيها. لذلك تتجنب كثير من المؤسسات توظيف المرأة المتزوجة وخصوصاً الحوامل. ويفاقم هذه المعضلة، كون 91.8% من اليد العاملة النسائية يضمها قطاع الخدمات الذي يعتمد على المؤسسات الخاصة، ومن المتوقع تسريح ما يصل إلى 19% من النساء العاملات بحلول نهاية 2020 بسبب أزمات الاقتصاد اللبناني وكورونا".

وعلى مستوى أوسع، تتوقع الأسكوا أن تخسر المنطقة العربية نحو 1.7 مليون وظيفة على الأقل حتى نهاية 2020، بينها ما يقرب من 700 ألف وظيفة تشغلها النساء.

في ضوء ما تقدم، تدعو شبارو إلى "التعاطي مع عمل المرأة على أنه أولوية وليس رفاهية، وتقريش (monetization( دخلها على السلم الوطني والأسري خير دليل على مكاسبه الاقتصادية. نحن نفتقر إلى رسم سياسات صديقة للمرأة وداعمة لها. علينا دمج النوع الاجتماعي في كافة سياساتنا العامة، لأن المرأة اللبنانية اليوم تشكل ثروة إنسانية مهدورة".

كما تقترح "اعتماد النموذج الاسكندنافي الذي أثبت نجاحه، من خلال فرض إجازة والدية للأب والأم لمدة سنة، عند ولادة طفل لهما، وافتتاح حضانات مجانية برعاية الدولة للاهتمام بطفل المرأة العاملة، تمول من العائدات الضريبية التي سترتفع بفضل عمل المرأة وتوسع قاعدة دافعي الضرائب. إن هذا النموذج أنشأ دورة اقتصادية جديدة فتحت أبواباً لفرص عمل وإنتاجية فاعلة، تعود بأرباح تبلغ 8,6 دولار على كل دولار يتم استثماره في هذا المجال،  حسب دراسة أخيرة لمؤسسة ماكنزي".

وتختم شبارو: "لقد أظهرت دراسة لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون المرأة أن العنف الممارس ضد المرأة العاملة يكلف 2% من معدل الدخل القومي، بسبب ارتدادات هذا العنف النفسية والجسدية التي تجبر المرأة على ترك العمل أو الاختباء من شريكها المعنف. وجدت الفيليبين ونيوزيلاندا حلّ "إجازة الحماية من العنف الأسري"، التي تقدم لها إجازة عشرة أيام مدفوعة، تقوم خلالها المرأة العاملة بالتفتيش عن مسكن آمن والاستعانة بمحامٍ لتستطيع الخروج من دائرة العنف".

أخيراً، لا تزال دائرة العنف هذه تحكم قبضتها في لبنان بموجب القانون والمنظومة القيميّة التقليديّة التي تستمر بتمييزها بحق المرأة اللبنانية العاملة. وفيما يتأكد أن التمييز الاقتصادي هو واحد من أشكال العنف وأهم مسببات العنف الجسدي الممارس ضدها، قلة قليلة تعرف و/أو تعترف بأن تعزيز حضور المرأة في سوق العمل يشكل دعامة اقتصادية ورافعة للبنان الغارق في أزمات متشابكة تبدو النساء عبرها، وللأسف، الشريحة المجتمعية الأكثر هشاشة.

 

 

 

 

 

 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم