الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

لماذا لا يحبّ طرابلسيون المحافظ نهرا؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
جودي الأسمر
صورة مركبة للمحافظ نهرا، وللقطتين من الاحتجاجات الأخيرة في طرابلس.
صورة مركبة للمحافظ نهرا، وللقطتين من الاحتجاجات الأخيرة في طرابلس.
A+ A-

 أزمة مزمنة، يشتدّ وطيسها في طرابلس ضد محافظ الشمال رمزي نهرا، على خلفية محاولته مصادرة هاتف رئيس بلدية طرابلس رياض يمق، واستدعاء الحراس خلال إجرائه التحقيق حول إحراق بلدية طرابلس، على سبيل "الاستقواء"، حسبما ذكر يمق خلال مؤتمر صحافي، ردّ عليه نهرا ببيان يدرج الرواية في خانة "الافتراءات والأضاليل"، نافيًا سوء المعاملة. وفيما تحركت الفاعليات الدينية اليوم الجمعة في خطب وصلوات، ونظمت احتجاجات عنوانها "معا لإسقاط رمز الفساد"، تناقل نشطاء وثائق تبرز أن نهرا خالف القوانين مرعية الإجراء، بإقدامه على تعيين قائد شرطة في بلدية الميناء بدون الرجوع الى وزير الداخلية، ما أضرم مزيداً من النقمة ضدّ المحافظ.

 

وبينما تخضع الملفات المرتبطة بنهرا، لروايات  يسارع بإنكارها، أو معالجة قضائية بدون خواتيم، تحيط بالواقعة الأخيرة عدة ثغرات، وهي ليست سوى عينة عن علاقة رمزي نهرا بطرابلس، التي توسمت خيرا بالمحافظ في بداية تعيينه عام 2014، لأنه القاضي الذي يفترض بأنه تمرس بثقافة العدالة وقيم القانون، قبل أن تطيح السردية اللاحقة هذه التوقعات وتتعمق أزمة الثقة، فتحوّلت اليوم الى ضرورة "الضغط من أجل إقالة المحافظ اذا أردنا أن نفتح كوة في جدار المأزق في طرابلس"، برأي خبير التنمية أديب نعمة، بينما يعتبر عضو مجلس بلدية طرابلس باسم بخاش أنّ "مصالحة طرابلس مع الدولة اللبنانية تبدأ بتغيير المحافظ".

 

فماذا أجج الصراع في مسألة البلدية؟ ولماذا نهرا "بالذات" يستفز مزاج المدينة الرافض أكثر من بقية رموز السلطة؟ وهل إقالته ممكنة؟

 

مشاكل البلدية

أعطى رئيس الحكومة حسان دياب توجيهاته لفتح تحقيق في الحادثة، وكان رياض يمق قد رفع لدياب ولوزير الداخلية محمد فهمي، كتابا بعنوان "إعلام بوقوع جرم جزائي من موظف أثناء قيامه بوظيفته"ـ معتبرًا أنّ ما أقدم عليه نهرا، حين منع يمق بأسلوب غير لائق، من تصوير محضر التحقيق بهاتفه، هو سلوك "يحط من كرامة الوظيفة والمركز الذي يتبوأه"، وأنه "بكل الأحوال وطالما أن التحقيق إداري وليس قضائيا، فلا نص صريح يمنع التصوير". في المقابل، أشار نهرا في بيان إلى أن "الأمر غير جائز قانونًا".

 

ولم يوافق مجلس البلدية على "رفع دعوى جزائية على المحافظ بحجز حرية يمق وتهديده"، وقد تندرج الدعوى فقط بصفة الرئيس الشخصية.

هذا الموقف، يعيد تسليط الضوء على شروخ كامنة بداخل المجلس البلدي، ضد يمق، والتي نضحت بمطالبات باستقالته في الأسابيع الأخيرة، بسبب اتهامه بـ"الهدر والتعدّي على الأملاك العامة والتقصير في حماية مبنى البلدية"، حيث اشتدت فصول المناكفات وانفجرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وتعطلت أعمال المجلس البلدي، فيما ترزح طرابلس تحت أصعب محنة اقتصادية واجتماعية.


هنا، وفي ضوء استنكار أعضاء من المجلس ممارسات نهرا على أنها "انتهاك لهيبة طرابلس"، يمكن القول أنّ لبلدية طرابلس، هيبة تدهورت جراء مطاحنات المجلس. ومحاضر البلدية حافلة بجلسات ترأسها نهرا لمحاولة إنهاء المماحكات الدائرة في عهد الرئيس السابق أحمد قمر الدين، الى حين انتخاب يمق في حزيران 2019.

 

ويرى المنتفضون ضد نهرا، أنه من الغرابة انتداب المحافظ نهرا لمساءلة رئيس بلدية طرابلس، الذي تترتب عليه مسؤولية في حماية البلدية. لكن نهرا الذي يرأس السلطتين التنفيذية والأمنية هو مسؤول بالدرجة الأولى، عن تلك الأحداث، وهي طاولت في جزء منها السرايا-مقر المحافظ، كما أنّ يمق أكّد  اجتماعه بنهرا قبل أسبوع من وقوع الحادث، يحذره من انفلات الأمن، ما يشدد أولوية مساءلة ومحاسبة نهرا الذي لا تظهر إشارات لخضوعه للتحقيق.

 

"استفزازات وفساد"

في الرواية التي تتحكّم بدفة المزاج الطرابلسي، أن واقعة البلدية رسخت الاجتزاء في محاسبة المسؤولين، لصالح الطرف الأقوى في المعادلة، حيث يبدو أن نهرا فوق القانون، ويستقوي بموقعه الرسمي والحزبي المنحاز للتيار الوطني الحر.

 

في يقين هذا المزاج، أن شخصية المحافظ طافحة بـ"الاستفزازية"، وبدأت معالمهما في الظهور في أيلول 2017، حين هدّد مدير الوكالة الوطنية للاعلام في طرابلس عبد الكريم فياض بالضرب بهراوة مجهزة بالمسامير. وتصرّف بفوقية مع رئيس البلدية السابق أحمد قمر الدين، في تحقيق أجراه بدون تكليف رسمي من وزير الداخلية في تموز 2018، فضلا عن شبهات فساد متلاحقة، وفق مضبطة الاتهام التي يواجه بها المحافظ اليوم. 

 

أما السلوكيات التي يلفها ما يشبه الاجماع على غطرستها، فهي تستند لروايات أطراف بداخل غرف مغلقة، وتصفها بيانات نهرا بـ"الافتراءات".

وبعد اندلاع ثورة تشرين، انضم نهرا على الملأ لمظاهرة داعمة لجبران باسيل في البترون، وصارت صورته مع متظاهر يحمل لافتة كتب عليها "ما فيك تكون لبناني أصيل وتكون ضد باسيل"، راسخة في ذاكرة الجميع.  وبعد انتشار الصورة، اشتعل الغضب في طرابلس، وأصدرت وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال آنذاك كتابا تأديبيا بحق المحافظ، الذي لم يحاول مد الجسور مع طرابلس أو ترميم الثقة.

العلاقة بالسلطة

الناشط والباحث في السياسات العمومية، قاسم الصدّيق، ينطلق من "انعدام الثقة بين طرابلس والسلطة بكافة أشكالها، وقد انتفضت ضدها في 17 تشرين". وتنقسم بين "السلطة المركزية على مستوى وطني (رؤساء ووزراء ونواب)، وعلى مستوى المحلي (المحافظ)". كذلك، تتسع الفجوة باطراد بين المواطن و"السلطة المحلية المتمثلة البلدية".

 

ويلخَّص أسباب انعدام ثقة في طرابلس بالمحافظ نهرا بـ"الكيدية السياسية للمحافظ، واستفزازيته في تظهير انتمائه السياسي فوق أي اعتبار وطني برغم استفحال الأزمات في لبنان، وسوابق سيئة في التعامل بأسلوب فوقي مع السلطة المحلية المنتخبة (البلدية)، وإخفاقات المحافظ في ممارسة دوره المنصوص عليه بالمادة 10 من القانون الاشتراعي 1995/116 في موضوع التنظيم الإداري الذي يحدّد مسؤوليات نهرا في الحفاظ على الأمن والنظام والأملاك العامة والخاصة، ولم يقف على حقوق واحتياجات المدينة السياسية والاقتصادية المنصوص عليها في المادة 9."

وأخفق "المحافظ بتحمّل مسؤوليته في جائحة كورونا وغيّب نفسه تقريبًا عن السمع ولعب دورًا سلبيًا في إمكانية تحويل فندق كواليتي إن مركزًا إستشفائيًا، وأدار وانخرط في لعبة الأجهزة الأمنية في المدينة بالنظر لموقعه والعلاقة التي حكمت اللعبة السياسية التي ترعى الأجهزة".

 

من ناحية البلدية، يشير الصديق إلى "صدع بينها وبين المواطن، نتيجة عدة عوامل أهمها فشل المجلس بتقديم قيمة مضافة لطرابلس خلال السنوات الخمس الأخيرة، وتجاذبات داخلية فاقمت سوء الإدارية رغم النوايا الحسنة عند مجموعة كبيرة من الأعضاء لكنهم لم يصنعوا الأثر بسبب ضعف معرفتهم بتفاصيل وتحديات وممكّنات العمل البلدي، فأصبحت المدينة مكشوفة أمام سلطة المحافظ الذي تربطه بطرابلس علاقة سيئة وبدون ثقة."

وتحدث عن "امتحان رسب فيه المحافظ ونسبيا البلدية في تقييم أعمال الحرق الأخيرة، لأنّهم قدّموا رمزية مبنى السرايا والبلدية على وجع النّاس وكرامتهم. ولجأ المحافظ عوضًا عن ذلك الى ممارسات "خط عشواء" زادت الشرخ متذرعًا بكتاب من وزير الداخلية، لكن في الحقيقة جاء هذا الكتاب ردًّا على طلب المحافظ."

 

هل الاقالة ممكنة؟

إذن، ما الحل؟ يعتقد الباحث "أن السلطة لن تقدم أي حل، لأن الآليات التطبيقية المتعلقة برئاسة الحكومة ووزارة الداخلية بحكم تصريف الأعمال وضمن موازين القوى القائمة حاليًا، لا تستطيع طرح إقالة المحافظ برغم تأكيد الشارع على أولوية الموقف وحفظ ما يسمى "كرامة المدينة"، مع التذكير بأنّ محاولات الإقالة تتوالى منذ سنتين والنصف"، مضيفًا "لسوء الحظ، ستترنح طرابلس بين مطلب إقالة المحافظ وعدم الاستجابة إلى حين وقوع تغيير على المستوى الوطني يؤثر على مستوى التعيينات الادارية".

 

ويستنتج الصديق أنه "عمليًا، الكرة اليوم في ملعب البلدية. والأجدر بالمدينة هو تعزيز السلطة المحلية، والتئام الفجوة بين البلدية ورئيسها والمواطنين على أساس حقوق وواجبات، لا على أساس سياسي وربما طائفي كما يخشى في ردود فعل اليوم. وعلى أعضاء البلدية الالتئام لكسب ثقة المواطنين من خلال تطبيق برامج عملي للتصدي لحاجاتهم، كما أن الحادثة الأخيرة هي مفصل لتوحيد الموقف، باتجاه رفع دعاوي ضد المحافظ وإحالة المحافظ للتحقيق عبر القنوات القضائية وعلى رأسها مجلس شورى الدولة."

 
 
__________________________________________________
 
* ردّ نهرا على الحادثة الأخيرة 
 
أصدر محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا البيان الآتي:

"تم التحقيق مع رئيس بلدية طرابلس وفقا للقوانين المرعية الاجراء وبطلب من وزير الداخلية.
رداً على الافتراءات والأضاليل التي يسوقها البعض حول ما حصل اثناء التحقيق مع رئيس بلدية طرابلس الدكتور رياض يمق فيما خص الاهمال الذي أدى إلى احراق مبنى بلدية طرابلس يهم مكتب محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا أن يبين الحقيقة هي أنه جرى استدعاء رئيس البلدية للتحقيق معه  حول الموضوع أعلاه بناء لطلب معالي وزير الداخلية والبلديات و انه واثناء توقيعه على أقواله عمد الى مغافلة المحافظ و تصوير أجزاء من محضر التحقيق، الأمر غير الجائز قانوناً، فتم الطلب منه بمسح الصور عن هاتفه، فابدى امتعاضاً وأثار جدالاً حول الموضوع في غير مكانه، ولم يقم أحد من الحراس بمحاولة انتزاع هاتفه أو لمسه أو توجيه أي كلام اليه... إن  افتعال هذا النوع من المشاكل والبطولات الوهمية هدفه الوحيد هو حرف التحقيق عن مساره الطبيعي والقانوني، وتوجيه الأنظار الى مكان آخر للهروب من المسؤولية".
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم