الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

"الدعارة ليست خيارًا"... كفى بكم تغاضيًا عن معاقبة الجلّادين الحقيقيين

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
نساء في الدعارة ضحايا القوادين والاتجار (تعبيرية)
نساء في الدعارة ضحايا القوادين والاتجار (تعبيرية)
A+ A-

 

تزامناً مع انطلاق حملة الـ16 يوماً من العمل لمكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي، ومع ضرورة كسر حاجز الصمت الذي يلفّ قضايا النساء المخنوقة بتابوهات التكتم والتعتيم التي تفاقم المعاناة، أطلقت منظمة "كفى عنف واستغلال" بالشراكة مع الجامعة الاميركيّة في بيروت وبدعم من معهد المرأة الدوليّ في جامعة جورج واشنطن، دراسة حول النساء اللبنانيّات والسوريّات المنخرطات في مجال الدعارة بعنوان "إكزيت، Exit : احتياجات النساء اللبنانيّات والسوريّات في مجال الدعارة والتحدّيات التي يواجهنها".

 

الدراسة التي أعدّتها مسؤولة وحدة الاستغلال والاتجار بالنساء في "كفى"، غادة جبّور، تهدف الى وضع خطّة عملية لمساعدة النساء والفتيات المستغلات جنسياً. اعتمدت جبّور نهجاً نوعياً استند إلى قصص وشهادات لـ19 عاملة في الدعارة في لبنان (9 سوريات، 8 لبنانيات، أردنية وفلسطينية)، وكذلك مناقشات مركزة مع 13 من المنظمات المحلية والدولية ووكالات الأمم المتحدة ذات الصلة العاملة في لبنان، ومقابلات مع 27 مسؤولاً في الوزارات المعنية وسلطات إنفاذ القانون.

 

هشاشة وعنف أسري

تقول مايا* (62 سنة)، وهي سيدة مطلقة وأم لـ11 طفلا، "وصلت إلى مرحلة لم يكن بإمكاني فيها سوى إعطاء أطفالي البصل المقلي لتناول الطعام. وصلت إلى مرحلة حيث لم يعد بإمكاني إطعام أطفالي. عندما يرى الناس أنك هشة ووحيدة، يمكنهم أن يفعلوا معك كل ما يرغبون فيه".

أمّا سلوى* (30 سنة)، مطلقة وأم لثلاثة أطفال، فتتحدث عن حلقة جحيمية من الاعتداءات الجنسية التي بدأت في طفولتها من أقرب المقربين "لقد تحرش بي ابن عمي. عندما قام بذلك، لم أدرك أنه تحرش جنسي. شعرت أن خطأ ما حصل لكنني لم أستطع استيعاب الأمر. عدت إلى المنزل أبكي، واختبأت تحت السرير".

مايا وسلوى عيّنة عن النساء اللواتي وثقت الدراسة قصصهن، وجمعتهن خيوط مشتركة كتعرّضهن للعنف الجسدي والجنسي في الصغر، أحدث ثقوباً في الروح وتشويهاً في صورهن عن الذات وتقديرها. هذا العنف الأسري، يمكن في ضوء الدراسة اعتباره من أهم عوامل الخطر للوقوع في الدعارة، إذا تعرضت النساء في وقت سابق للاغتصاب والسفاح والتحرش والعنف الجنسي. كما كن ضحايا التزويج القسري والمبكر، وتعرضن للاستغلال النفسي والعاطفي من أفراد الأسرة الذكور أو الشركاء. ومعظم هؤلاء دخلن الدعارة في وقت مبكر، وهناك من دخلنه في سن الـ14.

 هن لم يتخذن "خيار" دخول الدعارة لأنهن يردن ذلك أو خططن له. كن إما ضحايا لقوادين أو جرت المتاجرة بهن، أو تم إعدادهن من أشخاص مرتبطين بتجارة الجنس ومشتري الجنس. وتفيد الدراسة بأن أكثر من نصف هؤلاء النساء تعرضن للقوادة من أزواجهن أو باعهن الأزواج للقوادين.

وخلصت الدراسة الى أن "دخول المرأة في الدعارة يعكس افتقارها الى بدائل النجاة، التي من شأنها أن تساعدها في تحسين أوضاعها المعيشية السيئة جداً"، وبالأخص السكن والعمل البديل والرعاية الصحية.

وصم المجتمع

وفي حال قررت المرأة الخروج من هذه الحلقة وقلب الصفحة، تطاردها وصمة عار المجتمع "الدعارة مدمرة لسمعتك وتلاحقك الوصمة الأخلاقية إلى الأبد. طوال الوقت، أينما ذهبت ومهما فعلت، أنت عاهرة. هذه أفضل كلمة تقال لك. لن أنسى أبدا هذه الكلمة"، تقول سميرة*، إحدى العاملات في الدعارة التي حاولت النجاة.

بيانات وشهادات أخرى عديدةـ اعتبرت الدراسة أن "الدعارة هي شكل آخر من أشكال العنف ضد المرأة. الدعارة شكل من أشكال العنف الذكوري التي يرتكبها مشترو الجنس - جميعهم تقريبًا- والقوادون والمتاجرون، ضد النساء. الدعارة هي أيضا عنف بحد ذاته لأن مشتري الجنس يفرضون أفعالاً جنسية غير مرغوب فيها على النساء من خلال قوة المال"، مستغلين هشاشة المرأة اجتماعيا واقتصاديا.

في هذا الصدد، دعت غادة جبّور السلطات اللبنانية إلى "إلغاء تجريم النساء المنخرطات في الدعارة والكفّ عن مساواة الضحايا بالجلّادين أمام القانون وتجريم كل الأطراف المستفيدين من استغلال النساء وهشاشة وضعهن أي القوّادين والمتاجرين ومشتري الجنس"، مضيفة "على المعنيين أولاً الاعتراف بوجود مشكلة الدعارة وإدراك مدى كارثيتها على أوضاع المنخرطات فيها والعمل على وضع خدمات متخصصة وخطة خروج لمساعدتهن".

شوائب القانون

قانونيا، لفتت المحامية والناشطة الحقوقية، منار زعيتر، إلى أنه رغم التزام لبنان بمعاهدات دولية إلا أنّ هناك نقصاً في التشريعات وعدم تواؤم السياق اللبناني مع السياق الدولي الذي يعتبر أن الدعارة عنف، ويدعو الدول لحظر السياسات التي تشجّع على البغاء".

وشرحت زعيتر أن "إشكالية النموذج اللبناني تكمن في مقاربة موضوع الدعارة وفي تعدّد التشريعات وعدم اتساقها وقِدم القوانين المعمول بها في هذا المجال". فالقوانين اللبنانية، بنظر زعيتر، "تعتمد مقاربة حظرية أي لا ترى الزبون كعنصر أساسي في القضية، وتساوي بين مَن يسهّل الدعارة ومن يحرّض عليها ومن يمارسها. ما دام أن القانون اللبناني لا يجرّم الزبون (مشتري الجنس)، ستكون النساء المستغلّات في موقع ضعيف وهشّ مما يسهّل ممارسة شتّى أنواع التعذيب والاستغلال بحقّهن".

 كما أشارت زعيتر إلى "التضارب الذي يحصل عادة في كتابة التحقيقات والملفات وفي رفعها الى الجهات المختصّة حيث تضيع بوصلة تكوين الملف والتقاط مؤشرات الاستغلال التي يجب البناء عليها في قضايا الدعارة والاتجار بالبشر".

وعن قانون مكافحة الاتجار بالبشر، توضح زعيتر لـ"النهار" إنه "شكّل تحوّلاً عام 2011 لناحية تشديد العقوبة على من يستفيد من استغلال الغير لكنّه بقي نظريّاً في جانب كبير منه وذلك لأسباب متصلة بالقانون نفسه وبضعف آليات الحماية للنساء"، وتختم "في التطور الحقوقي، ليس هناك من قانون جديد مقترح. ثمة جهود تشريعية خاصة بتعديل القانون يتولاها من وزارة العدل القاضي أيمن أحمد".

مأساة "شي موريس"

وفي جلسة افتراضية أقيمت أخيراً لإطلاق الدراسة، عرضت المخرجة المسرحية والأستاذة الجامعية سحر عسّاف مقاطع من مسرحيتها "لا طلب، لا عرض" التي تناولت عام 2017 قضية شبكة الاتجار والدعارة المعروفة بـ "شي موريس"، التي أرغمت أكثر من 75 امرأة غالبيتهن من السوريات، المحتجزات والمجبرات، على ممارسة البغاء. المسرحية تجسيد لقصص النساء الناجيات حرفيًا على لسانهن، وتسلّط الضوء على مشتري الجنس من الرجال وممارستهم الوحشية والتملكية ضد النساء المستغلات. وبيّنت المسرحية المبالغ الطائلة التي يجنيها القوّادون وأصحاب شبكات الدّعارة.  

أمام هذه المعطيات، ثمة ما ينحو الى التأكيد على أنه بدون الرادع القانوني الذي يعاقب المعد والمستفيد والمعنف، من المحال تكريس الوعي المجتمعي الذي يساعد ضحيات الدعارة والاتجار على النجاة. المجتمع مستمر في رؤية الدعارة من نظرة طافحة بالذكورية، تنبذ المرأة العاملة في الدعارة عوضا من نبذ استغلالها فتساعد عليه. لكن توثيق القصص ودراسة الحالات خطوة جوهرية في فهم الواقع وإفهامه. فالمجتمع عدو ما يجهل، والمنظومة الذكورية المكرسة قانونياً تحتاج كثيرا من دلائل "الاستغلال المشهود" والمشاكسة الحقوقية والتحريض الايجابي نحو الإصلاح، بدون كلل.  

*الأسماء الواردة هي أسماء مستعارة

 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم