السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

سوزان جبور أول لبنانية ترأس لجنة أممية ضد التعذيب: أستمدّ عزيمتي من لبنان شارل مالك وكلّ ضحيّة

المصدر: النهار
جودي الأسمر
جودي الأسمر
سوزان جبور
سوزان جبور
A+ A-
 
حلّت اللبنانية سوزان جبور رئيسة لـ"اللجنة الفرعية للوقاية من التعذيب لدى الأمم المتحدة"، للفترة الممتدة بين 2021-2023، لتصبح أول سيدة من لبنان وآسيا تفوز بهذا التكليف في ولاية، سنتين قابلتين للتجديد، بعد انتخابها في 12 شباط الجاري.
 
هذه المسؤولية، التي تعمّق الدور القيادي للمرأة اللبنانية على المستوى الدولي، تمسك زمامها سوزان جبّور، بعد عملها ثماني سنوات نائباً للرئيس في اللجنة الفرعية، وبعد 25 سنة على تأسيسها وإدارتها بتفان وصدقية مركز Restart للوقاية من التعذيب في طرابلس ثم بيروت عام 2007، وامتلاكها خلفية علمية واسعة في مجال علم النفس وحقوق الإنسان، وفي مراقبة أماكن الحرمان من الحرية.
 
وإذ يثبت مجدداً أنّ اسم لبنان يعلو بفضل جهود أبنائه وتميّزهم، تتقاطع ولاية جبور مع تراجع سمعة لبنان الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتأتي ضمنها الانتهاكات في السجون ومراكز التحقيق، واستخدام القوّة المفرطة ضد المتظاهرين.
 
ومع هذا التدهور، توضح سوزان جبور لـ"النهار" أطر تدخّل اللجنة ضمن لبنان والدول الأعضاء، مجددة دوافعها لدعم حقوق أولئك المحرومين حريّتهم، الذين "حرموا تعاطف المجتمع لأنه يعدّهم مرتكبي جرائم أو خارجين عن سلطة القانون"، مؤكدة أنهم "يمتلكون حقّ المعاملة كبشر ولهم حق صون كرامتهم. لأنّ الحرمان من الحرية عقاب قائم بذاته، ولا يبرر الحرمان من الحقوق".
 
مهامّ اللجنة
 يرتكز عمل اللجنة الفرعية المنشأة بموجب البروتوكول الاختياري القائم على ثلاث ركائز أساسية هي الدولة الطرف، اللجنة الدولية للوقاية من التعذيب واللجنة الوطنية للوقاية من التعذيب.
 
وتقول جبور بأنّ "اللجنة تعمل من خلال وظيفتين متكاملتين، وظيفة استشارية ووظيفة تنفيذية".
وتعتمد الوظيفة الاستشارية على "إسداء المشورة للدول في المسائل المتعلقة بالآليات الوقائية الوطنية، والتدابير الوقائية المحلية عموماً".
فيما تهتم الوظيفة التنفيذية بـ "تنظيم بعثات قطرية لمراقبة أماكن الاحتجاز، حيث لا شفافية في إدارة المنشأة (سجون، أماكن التوقيف، مفارز، مستشفيات الأمراض العقلية ودور الرعاية ومراكز الأيتام...)، وتقديم توصيات للدول والدخول معها في حوار بنّاء في تحسين الظروف والضمانات القانونية للأشخاص المحرومين حريّتهم، الموجودين في مكان لا يستطيعون الخروج منه بقرار رسمي أو إداري."
 
وتعمل اللجنة الدولية "من خلال زيارات استباقية وفجائية وغير معلنة للسجون، لخلق الأثر الردعي. هذا النظام المبتكر قائم على بروتوكول مكمل لاتفاقية مناهضة التعذيب، إذ نتدخل قبل وقوع التعذيب. ونقوم بزيارة البلد بمعدّل مرة كلّ ثلاث إلى خمس سنوات، بعد توفر معطيات موثقة بشأن ظروف غير سليمة للاحتجاز، فنضع خطّة استراتيجية لتنظيم ما يعادل 10 زيارات لـ10 بلدان سنوياً".
 
أما اللجنة الوطنية، فـ"يحقّ لها زيارات يومية، وتملك صلاحيات هائلة في المستوى الوطني بسبب امتلاكها الصلاحيات نفسها للّجنة الدولية وحصانة أعضائها، إضافة إلى إلمامها الواسع بالبيئة المحلية واحتكاكها المتواصل مع الشركاء المحليّين والمؤسسات الوطنية ذات الصلة".
 
دور رئيسة اللجنة
توضح الرئيسة أنّ مسؤولياتها تنطوي عموماً على "تمثيل اللجنة في كلّ المجالات والمنابر الدولية على مستوى الأمم المتحدة أو أيّ تمثيل رسمي آخر، توجيه عمل اللجنة وتولّي إدارة هيئة المكتب المؤلف من أربعة نواب للرئيس وتقديم التوصيات والخبرات اللازمة".
 
عملياً، تُعدّ اللجنة "مشورة للدول الأطراف والآليات الوطنية. وتتمحور حالياً حوال المسائل المتعلقة بفيروس كورونا لعام 2021، بعد إصدار أول مشورة عام 2020، على اعتبار أنّ السجون وغيرها من أماكن الاحتجاز، ومن ضمنها أماكن الحجر الصحّي، تقيّد الاتصال بالعالم الخارجي. نسعى لخلق بدائل للقيود التي فرضتها الجائحة، ونوصي الدول بالاستئناس بها والعمل على تطبيقها".
 
وتتابع الرئيسة: "نحن في حوار مستمرّ مع 90 دولة عضوةً في الاتفاقية، من خلال السلطات المحلية والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب و68 آلية وقائية وطنية، علاوة على الاجتماعات والمتابعات مع اللجان الوطنية".
ومن مهامّ رئيسة اللجنة "تقديم التقرير السنوي للهيئة العامّة للأمم المتحدة في نيويورك، إلى جانب لجنة مناهضة التعذيب".
 
تحسين سجلّ لبنان
ترى سوزان جبور أنّ "توسّع الهوّة بين المواطن من جهة والسلطة والمنظومتين الأمنية والقضائية، وضع لبنان أمام تعقيدات كبيرة في مسألة إدارة الأمن. وعند المواجهة بالقرائن وبالنمط المتبع، الذي يوفّر إشارات واضحة إلى اعتماد الدولة أساليب القوّة وأشكال سوء المعاملة وصولاً إلى التعذيب، تتذرع الدول، عادةً، بالحفاظ على الأمن القومي أو مكافحة الإرهاب أو حالة الطوارئ. لكن الاتفاقيات الدولية واضحة وصريحة، وتؤكد أنّ بسط العدالة ومساءلة مرتكبي الجرائم لا يتنافى إطلاقاً مع مبدأ عدم تعرّضهم للتعذيب. حقوق الإنسان ليست نقيض الأمن".
 
في هذه المرحلة، يحتاج لبنان إلى خلق "أمن اجتماعي، وتطوير عمل الشرطة إلى شرطة مجتمعية، بحيث يصبح كلّ مواطن شريكاً في ضمان الأمن، ويكون صديقاً ومساعداً للسلطة ويثق بعدالة هذه السلطة". 
 
وإذ يواصل لبنان "إرسال إشارات سلبية للمجتمع الدولي في مجال مكافحة التعذيب وتجريمه"، تورد سوزان جبور توصيات مساعدة:
أولاً، احترام الالتزامات الدولية تجاه الهيئات التعاقدية والاتفاقيات التي صادق عليها لبنان، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب  (عام 2000)، والبروتوكول الاختياري الملحق بها (عام 2008).
 
ثانياً، التزام الشفافية في التعاون مع اللجنة الدولية، وتطبيق خريطة الطريق المرسومة بموجب تقرير اللجنة الذي رفعته بعد زيارة لبنان. منذ زيارة اللجنة عام 2010، لم ينشر لبنان تقريرها، ما يعوق لبنان في تحسين سجلّه في الوقاية من التعذيب.
 
ثالثاً، تفعيل دور الآلية الوقائية الوطنية لضمان آليات رقابية مستقلّة، على السجون وكافة أماكن الاحتجاز. ومن عوامل تعطّلها غير المعلن، خضوع التعيينات للولاء الطائفي والسياسي على حساب تخصّص أعضاء اللجنة، ووجود عضو من أصل خمسة خارج لبنان وتجميد عضو آخر لعضويته، وعدم توفير الموارد المالية وعدم إعادة النظر في هيكليتها.
 
رابعاً، تفعيل العمل بالقانون رقم 65/2016 الرامي إلى تجريم التعذيب. حتى تاريخه، لم يساءَل مرتكب واحد بموجب هذا القانون.
خامساً، تطبيق المادّة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتعديلاتها الأخيرة،وتحديداً حضور المحامي في التحقيقات الأولية، لحماية الموقوف من أيّ شكل من أشكال سوء المعاملة. فإصدار القوانين بدون تطبيقها، يساعد مرتكبي جرائم التعذيب على الإفلات من العقاب.
سادساً، وقف جميع أشكال انتهاكات حقوق الإنسان في التعامل مع الموقوفين، والسجناء والمتظاهرين.
 
تحويل المحنة لقوّة
تنتمي سوزان جبور إلى جيل الحرب الأهلية. تقول: "نحن أطفال "الصدمات النفسية". لم يكن هذا المصطلح متداولاً، لكنّ تلك المرحلة جعلتني أتحسّس إنسانيتي، فحوّلت المحنة إلى قوة، ونصبت الإنسانية أولى أولوياتي".
 
وتستعيد تلك الليلة من ربيع 1975، حين أيقظتها أمّها من النوم للفرار إلى منزل الجدّة، بسبب القصف الذي اشتدّ في البلدة، وكان أخوها جريحاً، والمليشيات منتشرة، والرجال يحرسون المتاجر. تقول: "غيّرت أحداث تلك الليلة مجرى حياتي. حفّزت بداخلي علامات استفهام موسومة بالخوف والتشكيك. رحت أسأل: ما معنى حقوق الإنسان؟".
 
وتقول سوزان جبور بأنّ لبنان هو الملهم الأول: "أؤمن بأنّ لبنان يستطيع أن يكون بلد رسالة للوقاية من التعذيب. بالرغم من تدهور ممارساته، ما زلت أؤمن بلبنان شارل مالك الذي شارك في صياغة شرعة حقوق الإنسان".
 
كذلك تربط تميّزها بـ"حلم ترجمته واقعاً، من خلال تأسيس مركز Restart مع شريكتي وصديقتي الدكتورة سنا حمزة. لم أدَّعِ يوماً أنني وحدي في النجاح، نحن نراكم الإنجاز ضمن فريق عمر يضم 165 شخصاً. ولقد أرسينا عامل الثقة مع المؤسسات الأمنية، لأننا نؤمن بأنّ التغيير يحدث من الداخل".
 
يرتكز عمل مركز Restart أولاً في مجال تأهيل ضحايا التعذيب وضحايا الصدمات، إضافة إلى الحشد والمناصرة والتدريب وتقديم مشاريع قوانين لمناهضة التعذيب. وأسّس في خطوة رائدة "مركز الطبّ الشرعي والنفسي" في قصر عدل طرابلس، بهدف توفير الفحص الطبّي الشرعي والمعاينة النفسية والمشورة القانونية لكل موقوف بعد التحقيقات الأولية، ورصد وتوثيق إشارات التعذيب بعد موافقة الشخص، وإحالة ملف الانتهاك على القضاء.
 
جبور التي تهوى كتابة الأدب السياسي والشعر، شاركت من دفترها أبياتاً استوحتها من تجربة ضحايا التعذيب المؤلمة. مما جاء فيها:
"تدور في نفس المكان
في المكان الذي يضيق بك
وأقرب إلى نعش لو لم يكن يرتفع فوقك
حيث يلامس رأسك ارتفاعه فيجبرك دوماً أن تنحني له
وإلّا صفعك وأجبرك مرغماً على الانحناء
مكان مرغماً تلامس حيطانه لتشعر بوجود شيء ما من حولك
ولكن برودته تضاعف برودة أحاسيسك ومشاعرك التي تخدّرت وتجمّدت، لا بل انفصلت عن جسدك شبه الميت
الذي نالت من قواه فظائع من يدعون أنهم من جنس البشر".
وتختم سوزان جبور: "هؤلاء المعذبون الذين نُكّل بأجسادهم، ودمّرت شخصيتهم، ويعيشون مأساةً سيحملونها طوال حياتهم، أنا مدينة لهم. دوافع عملي إنسانية بحتة، أخلاقية ومهنية، وأقوم به بكلّ حبّ وشغف." 
 
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم