الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

يوم لوضع رؤية جديدة: الحجر ودروس الأونلاين... تعليم أم جحيم؟

جودي الأسمر
جودي الأسمر
حق الطفل في التعليم (تصوير مارك فياض).
حق الطفل في التعليم (تصوير مارك فياض).
A+ A-

تترك نايا (4 سنوات) شاشة اللابتوب، فيما المعلمة لا تزال تشرح درسًا في الرياضيات. أنهت الطفلة منذ قليل أكل التّفاحة وهي تنظر للشاشة. تذهب لترمي البقايا في النفايات، لكنها أطالت الغياب. تدخل أمها الحمام فتجدها تفرشي أسنانها، فيما صوت المعلمة لا يزال يصدح في أرجاء المنزل من حصة "الأونلاين".

نايا هي واحدة من آلاف الأطفال اللبنانيين الّذين بدؤوا عامهم الدراسي في التعليم عن بعد، بعد تفاقم الموجة الثانية من كورونا وإعادة فرض الإقفال التام، وسط تحديات تقنية وتربوية تتلقف هذا النمط المستجد، وصعود أصوات الأهالي غير الراضين عن التجربة منذ الربيع الماضي، كان آخرها "لماذا لا تقفلون كل المرافق وتفتحون المدارس؟"

تزامنا مع انتشار لفيروس في آذار 2020، أطلقت وزارة التربية والتعليم العالي "خطة الاستجابة لمشروع التعلم عن بعد". وكان لبنان عام 1990، قد وقع على "إتفاقية حقوق الطفل" المعتمدة في الأمم المتحدة منذ 20 تشرين الثاني عام 1989، والتي يحتفل العالم اليوم بها تحت شعار "يوم لوضع رؤية جديدة"، من ضمنها "حقّ الطفل في التعليم وإلزامية الدولة في تأمينه" الذي تضمنه المادة 28 من الاتفاقية، و"أهداف التعليم" التي وردت في المادة 29 وأهمها "تنمية شخصية الطفل، وتنمية قدراته العقلية والبدنية"، إضافة الى المادة 32 التي تضمن "حق الأطفال في التعليم بدون تمييز بسبب الإعاقة". في الإطار المحلي، آخر القوانين صدرت عام 1998 لإقرار "مبدأ إلزامية التعليم ومجانيته".

إلا أن العنوان العريض يطرح جدوى التعليم عن بعد، وإن حصل عليه الطفل، فهو لا يحقق غاياته المنشودة، ويتناوله كثير من الأهل كهدر للوقت والمال والأعصاب.

"الدوام غير مناسب، عند الثامنة صباحا يجب أن يستفيق الولد ويتناول فطوره ويبدأ باستقطاب المعلومة. نايا وشقيقها سمير (7سنوات) يعتبران أنّه لا داع للتركيز اذا لم يوجه اليهما الحديث. جهود المعلمين مشهود لها، لكننا كأمهات تحولنا لمعلمات لكل المواد، ونظار لنضبط التلميذ، وهذا بالفعل ما لا تستطيع أن تتقنه الأم لأن الأولاد يعلمون أنها أمهم التي تحبهم ولا تمثل السلطة التي تمارسها عليهم المدرسة"، تشير المتخصصة في التربية الحضانية آلاء مهنّا، وهي والدة الطفلين.

وحول الاستفادة، تضيف "سمير يستفيد تقريبا بقدر 70%، وهي نسبة جيدة، لأنني ألاحظ أنه يتمتع بذكاء بصري، يساعده في التفاعل مع الشاشة وفهم الدرس فلم تتأثر علاماته في المدرسة. أما نايا، يشكل لها التعليم عن بعد معاناة حقيقية. تحب التفاعل المباشر ولمس الأشكال والحروف. تراجع أداء ابنتي ولا تزال تتململ سريعا أمام الشاشة لأنها لا تستوعب الدرس".

وإذا كانت الأحوال المادية لأسرة آلاء جيدة، حيث يعمل الأب في الإمارات ويرسل الـFresh money  لتعليم الأولاد، فإنّ شريحة كبيرة من العائلات اللبنانية محرومة من الوصول للأدوات الالكترونية من لابتوب وشاشات وهواتف خليوية، وكثير منها قاصر عن إمداد أولاده بخدمات شبكة الانترنت.

هذا حال سمية محفوض، الأم لطفلين من محلة باب الرمل في طرابلس، تقول "أبحث عن معلمة تتقن اللغة الانكليزية لأولادي، لأنهم صاروا بحاجة لمواكبة بداخل المنزل وأنا خريجة صف البروفيه ولا أتقن اللغات الأجنبية. وبكل الأحوال ليست لدينا قدرة لدفع أتعاب المعلمة. أشعر أنني في مأزق". الأب الذي يعمل سائقا للتاكسي، يضطر في ساعات النهار أن يبقي هاتفه الخليوي مع أولاده ليتعلموا أونلاين "وعدونا بشاشات منذ أول السنة ولم يصلنا شيء. أولادي فقدوا اهتمامهم بالتعليم".

وتتحدث ريان الشيخ، من بيروت، عن ابن بواب البناية البالغ من العمر 7 سنوات "وجدته عند الساعة 5:30  يحاول التقاط شبكة الانترنت من بيتنا ليستطيع متابعة الدرس على تليفون والدته. كان جالسا على الأرض عند عتبة منزلنا وبيده خليوي والدته".

الاستاذ الجامعي والباحث في التربية، الدكتور علي خليفة، يصف التعليم عن بعد بواسطة التكنولوجيا بـ"جريمة منظمة وتسلسلية تطال صحة المعلمين بكافة أبعادها، وتوقع المتعلمين في التجهيل المقصود" ويرى أنّ "إقفال المدارس للسنة الثانية جريمة. البديل هو رفع استعدادات القطاع الصحي وضبط مخالفات الوقاية والعودة الآمنة للمدارس"، وأضاف "ليس ترفا أن يكون التعليم أولوية ولا يجوز أن نضيف على الأخطار الصحية أخطارا تربوية".

من جهتها تعتبر الأخصائية والمعالجة النفسية، شاريل غزال، أنّ التعليم اونلاين يأتي ببعض الايجابيات على الطفل، فهو "أنقذ السنة الدراسية ولو بالحد الأدنى لأنه منع انسلاخ الطفل التام عن العملية التربوية. وحثّ الاطفال على اكتشاف مهارات جديدة بأنفسهم، والتكيف في ظروف استثنائية، والتفاعل عن بعد، وتعلم احترام قوانين جديدة لم تكن موجودة في المنظومة السابقة."

أما التهديد الأساسي فتجده في الاطار الوحيد الذي صار أشبه بالسجن، وقد يقع الطفل فريسته في اكتئاب نفسي على المدى الطويل "البيت أصبح مكانا للدراسة واللعب والأكل والنوم وكل أوجه الحياة. الطفل كما كل إنسان بحاجة لتنويع الأمكنة وألا يبقى أسيرا لحيز واحد"، وتنبه الأهل في هذا الصدد الى "ضرورة إعطاء هامش من الحرية للطفل في المنزل. هو بحاجة لمساحة أثناء الدرس وما بعده. يجب أن ننتبه الى عدم انتهاك خصوصية الطفل. لأن الحجر المنزلي حرمه العلاقات الاجتماعية مع أقرانه، وإمكانية الحديث مع أصدقائه وتكوين أسرار بعيدا عن أعين الأهل، وهذا عامل ضروري لنمو الطفل النفسي."

في الاعتقاد الجوهري للتعليم كان "من فتح مدرسة أقفل سجنا"، على تعبير فيكتور هوغو. مع التعليم عن بعد، أصبحت المدرسة ومنظومتها التعليمية أشبه بالسجن، وبأسوأ الظروف فهو "سجن غير إصلاحي"، الذي يوسّع الشعور بالفوارق الاجتماعية،  ويهدد عوضا أن تكرس تطور الطفل العقلي والنفسي ومستقبله الاجتماعي. لننتظر قليلا مطلع العام القادم لنرصد نسبة التسرب المدرسي، وكيف ستتوسع حلقة الفقر بسبب الجهل وترك التعليم. لكن تدارك الأسوأ لا يزال متاحا، فاليوم هو مناسبة لتجديد مطالبة وزارة التربية بـ"وضع رؤية جديدة"، مكيفة بشكل التام مع الوضع اللبناني، واقعية، بعيدة عن مثاليات بدون نتائج، وأكثر صدقا في الاهتمام بالطفل اللبناني ومصلحته.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم